من أجل شراكة فعالة بين المنظمات التنموية ووسائل الإعلام

 - المجتمع المدني هو المجال الذي يفصل بين السلطة والسوق من جهة والمجتمع من جهة ثانية. فهو يحمي المجتمع من اتجاه السلطة للسيطرة عليه وللحد من الحريات العامة والخاصة التي يفترض أن يتمتع بها كل مواطن ومن اتجاه السوق للاطاحة بالحقوق الافتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال اطلاق العنان للأرباح عبر تحرير الاقتصاد والترويج للتبادل التجاري الحر
الثورة –
المجتمع المدني هو المجال الذي يفصل بين السلطة والسوق من جهة والمجتمع من جهة ثانية. فهو يحمي المجتمع من اتجاه السلطة للسيطرة عليه وللحد من الحريات العامة والخاصة التي يفترض أن يتمتع بها كل مواطن ومن اتجاه السوق للاطاحة بالحقوق الافتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال اطلاق العنان للأرباح عبر تحرير الاقتصاد والترويج للتبادل التجاري الحر.
يتشكل المجتمع المدني من الحركات الاجتماعية والنقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية. هناك من يعتبر أن الإعلام هو جزء من المجتمع المدني من خلال دوره المفترض في صناعة الرأي العام وتوعيته للدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان وعن مصالحه الخاصة والعامة. ونظرا لتنوع مكونات المجتمع المدني تختلف التوجهات والمصالح التي يعبر عنها. قد تكون المحافظة على هذا التنوع مصدر غنى فيما لو اعتمد مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر واعتمدت الوسائل الديمقراطية في أدارته. أما في حال غياب هذه المبادئ والوسائل فيتحول التنوع إلى نقمة. وفي كل الأحوال لا يغيب التنوع إلا في المجتمعات الشمولية التي تفتقد إلى ثقافة الديمقراطية.
ويلعب الإعلام دوراٍ بارزاٍ في التعبير عن هذا التنوع في المجتمع من خلال الحرص على الموضوعية والالتزام بالديمقراطية واحترام حرية التعبير. كما يلعب دورا في التعبير عن الصراع بين المجتمع والسلطة وآليات السوق. إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: ماذا لو كان الإعلام مملوكا من قبل السلطة أو من قبل أدوات السوق كما هي الحال غالبا¿ وكيف يكون الإعلام في هذه الحالة منبرا للمجتمع المدني يساهم في التعبير عن وجهة نظره بشكل موضوعي ومسؤول¿ وكيف يمكن للمجتمع المدني أن يتحالف مع الإعلام في دفاعه عن الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية¿ وهل يوجد فعلا إعلام موضوعي ومستقل¿
الدور المفترض للإعلام إلى جانب المجتمع المدني
لقد بات المجتمع المدني أحد أدوات التغيير الفعلية والناشطة بحيث لم يعد يقتصر دوره على تقديم الخدمات التنموية فحسب لا بل أصبح ناشطا أساسيا في الدفاع عن الديمقراطية والحريات وعن حقوق الإنسان من خلال المراقبة والرصد وتنظيم حملات المدافعة والمناصرة والدعوة للمشاركة في صنع الخيارات التي تؤثر في حياة المواطنين. وبمعنى آخر فإن مهمة المجتمع المدني هي تمكين المجتمع من أجل الانتقال به من واقع الرعية إلى المواطنة المشاركة.
وبذلك لم يعد كافيا مجرد التحدث وعرض الاهداف والحقوق فحسب لا بل باتت مسألة التغيير ضرورية ينخرط فيها المجتمع المدني بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما فيه وسائل الإعلام. ومما لاشك فيه أن للاعلام دوراٍ في التوعية والتعبئة والمتابعة والرصد لا بل في التنظيم كذلك.
وفي مراحل التخطيط للحملات الميدانية التي تستهدف التغيير على مختلف مستوياته تلحظ منظمات المجتمع المدني دورا بارزا للإعلام وفق ما يطلق عليه اصطلاحا “الاستراتيجية الإعلامية الفعالة”. وفي هذا السياق ولكي يتمكن المجتمع المدني من الاستفادة القصوى من الإعلام لا بد من الاجابة على تساؤلين اثنين:
1- كيف ينشأ تحالف بين منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وكيف يتم التخطيط للحملة الإعلامية وبالتالي التوجه نحو وسائل الإعلام واستثارتها¿
2- كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تساهم إلى جانب مؤسسسات المجتمع المدني في الحملات كشريك معني في عملية التغيير¿

العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والإعلام
لاقامة علاقة متينة بين وسائل الإعلام والمجتمع المدني يجب أن تراعى المصالح المشتركة لكلا الطرفين. وفي ذلك يجب أن تراعى مسألتان تؤخذان بعين الاعتبار:
المسألة الأولى: هي سعي منظمات المجتمع المدني لتأمين التغطية الإعلامية للنشاطات والتحركات التي تقوم بها وهو دور أقرب لأن يكون إعلانيا فيساهم في الترويج للقضايا التي تعمل عليها وفي توعية الجمهور حولها.
أما المسألة الثانية: فهي أن تنخرط وسائل الإعلام في الحملات وتتبناها كإحدى قضاياها الأساسية فتساهم في إثارة الرأي العام وتعبئته لا بل تساهم في صناعة رأي عام قادر على الاستجابة إلى تحديات التغيير.
إذن وللمساهمة في التقريب بين وسائل الإعلام والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني لا بد من تغيير وجهة الاهتمام لدى الإعلام. فغالبا ما تستقطب الإعلام القصص المثيرة والقضايا التي تجذب المشاهدين أو الوجوه السياسية وممثلو الحكومات فيعطونهم الأولوية والاهتمام على حساب الأنشطة التي تنظمها منظمات المجتمع المدني. وبالتالي على هذه الاخيرة أن تراعي قدر الإمكان هذه الحاجة التسويقية وتسعى إلى توفيرها من غير أن يؤثر ذلك على مضمون الرسالة المطلوب ايصالها إلى المواطن.
ومن ناحية ثانية لا بد من بناء الثقة بين الإعلام ومنظمات المجتمع المدني التي تشكك بكفاءات الإعلاميين وعدم اطلاعهم على الملفات بشكل كاف ودراستها بما يمكنهم من التعبير عنها بطريقة جيدة. وبالمقابل يعتبر الإعلاميون أن منظمات المجتمع المدني لا توليهم الاهتمام الكافي ويتهمونها بحب الظهور وبمحاولة تلميع صورتها وبالوصولية والانحياز إلى جهاتها المانحة. وفي هذا السياق على وسائل الإعلام والاعلاميين أن يركزوا على مضمون الرسالة ويعملوا على ايصالها إلى المواطنين بأكثر الوسائل المهنية الممكنة بمعزل عن موقفهم.
وفي كلتي الحالتين هناك تواصل مفقود يتطلب جهودا متبادلة بحيث يعطي الإعلاميون الاهتمام الكافي لمثلي منظمات المجتمع المدني ولانشطتهم وبرامجهم في حين تولي الثانية اهتماما كافيا بالوسائل الإعلامية وتراعي ظروفها الانتاجية وتحترم التوقيت الملائم في نشر وإيصال الخبر أو المعلومة. والمطلوب في الحالتين التركيز على الرسالة والأهداف والاقلاع عن الاستخدام الإعلامي المسيء للإعلام وللمجتمع في آن.

كيف يكون الإعلام تنموياٍ
يعبر الإعلام التنموي عن هموم الناس وتحدياتهم وهو بقدر ما يقترب من مشاكلهم بقدر ما يحظى بثقتهم وقبولهم. وبالتالي تقع على عاتق الإعلام التنموي مسؤولية المشاركة في انضاج مفاهيم تنموية نابعة من التحديات المرتبطة بالمواطنين والابتعاد قدر المستطاع عن المفاهيم المستوردة ونشرها كما هي من دون تطويرها واغنائها لتصبح ملائمة للواقع المحلي. وهو بذلك له وظائف متعددة من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية تساهم في انفتاح المجتمع على أفكار ومبادئ حديثة كما تساهم في توعيته على مصالحه وحثه على الاجتهاد بحثا عن البدائل. وتساعد التقنيات الحديثة على تنمية وتطوير هذا الدور وتحسين أدائه.
إن الإعلام التنموي هو ذلك الذي يدعو إلى التغيير من خلال التثقيف والتوعية ومن خلال خطط وبرامج معدة بعناية وبتنسيق مع منظمات المجتمع المدني ويعتمد على نقل المعلومة والخبر ونشر الآراء بشكل موضوعي وإعداد التحاليل. باختصار إنه إعلام مسؤول عن طرح القضايا وتوجيه الرسالة وتوضيح الاهداف وهو مساءل من قبل المواطنين في آن.
يعتمد الإعلام التنموي على مهنية عالية تتوفر لديها رؤية واستراتيجية تنموية. وتفكير علمي وقدرة على استخدام التقنيات الحديثة. إلا أن الإعلام التنموي يحتاج إلى الحرية والاستقلالية والتمتع بسلوكية مستقيمة تساهم في توعية المواطنين وتوفير المعلومات الموضوعية التي تساهم في تحديد الخيارات استنادا إلى مصالحهم.
وقد لعب الإعلام في لبنان دورا كبيرا في محطات بارزة من تاريخ البلاد وفي مختلف المجالات وهو لا زال يلعب دورا كبيرا في التوعية وفي الدفاع عن الحريات. إلا أن الاشكالية التي تواجهه تكمن في القيود القانونية التي تفرض لاسيما على الإعلام المرئي والمسموع أن من حيث شروط الترخيص أو من حيث القيود على الممارسة. أن هذا يحد من حريته ويجعل منه عرضة للملاحقة وبالتالي يتقلص دوره التنموي الفاعل. ومن جهة ثانية فان الترخيص للوسائل الإعلامية على أساس المحاصصة كما جرى في لبنان جعل من الإعلام إعلاما منقسما يفتقد إلى الموضوعية.

خاتمة
يمكن أن يبقى الإعلام موضوعيا بالرغم من عدم استقلاليته من خلال اعتماد الطرح المسؤول والمحافظة على مستوى من المهنية واحترام الرأي الاخر وفسح المجال امام الحوار الهادف والبناء. هذا وتلتقي مصالح المجتمع المدني والاعلام في الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وفي المساهمة في عمليات التنمية. إذ أنهما عرضة للضغوط ومحاولات الاستيعاب والاخضاع من خلال أساليب متعددة تبدأ بالضغط السياسي ولا تنتهي بالإغراء المالي. فتبرز بالتالي ضرورة التعاون بينهما لمواجهة هذه التحديات وتحقيقا للاهداف المشتركة. كما أن الدفاع عن الحريات والحقوق لاسيما حقوق الفئات الضعيفة والمهمشة هي اهداف مشتركة. من هنا فان العلاقة بين الإعلام والمجتمع المدني هي حاجة موضوعية لا بد من تصويبها وتقويتها بحيث يأتي دور الإعلام مكملا ومساندا لدور المجتمع المدني من اجل الدفاع عن الحريات العامة والخاصة والتغيير وتعزيز المواطنة والعدالة الاجتماعية.

قد يعجبك ايضا