بين مارس 2015_ ومارس 2024م قصص وحكايات وطن وشعب، قصص وحكايات من لم يعشها قد يرى فيها مجرد أساطير ما أنزل الله بها من سلطان، ومن عاشها ونسج مساره الزمني بخيوطها وتعفّر بغبار أحداثها يرى فيها معجزة الله عادت لبلادٍ شعبها قرر أن يذود عن حريته وكرامته وسيادته ويتحكم بقراره الوطني مستعينا على كل ذلك بالله ومتوكلا عليه، لم يكن يدرك حين قرر أن ينتزع حقه في الحياة الحرة الكريمة أن ذلك قد يكلفه حياته وامنه واستقراره، ومع ذلك قرر المضي قدما في استعادة القرار والكرامة والحرية والسيادة، ويخوض (طوفان) من المواجهة العدوانية مع قوى (الشر والعدوان وتحالف شيطاني) ظاهره فيه الرحمة وباطنه العذاب والارتهان والتبعية..!
نعم تحالف شيطاني تقوده أغنى دولة عربية وخططت له أكبر دول العالم غطرسة وهيمنة وأكثر دول الاستعمار توحشاً ورغبة في قمع وامتهان كل عاشق للحرية وكل معتز بكرامته وسيادته الوطنية..
لا أعتقد أن هناك يمنيا واحداً يمكنه أن ينسى 26 مارس 2015م، يوم شهدت صنعاء أول هجوم عدائي إمبريالي استعماري رجعي خطط له في أمريكا وراجعته ووافقت عليه لندن عاصمة المؤامرات الاستعمارية والمستشارة لكل العمليات الاستعمارية القذرة..!
في تلك المرحلة الزمنية من مسارنا الوطني كان الوطن في حالة اختلاف نخبوي وفي أتون أزمة سياسية داخلية كان يمكن التوصل لحلول توافقية لها رغم فشل لقاءات الحوار الوطني لأسباب متعددة أبرزها العامل الخارجي الذي كان يقود المشهد اليمني نحو الانفجار انطلاقا من حسابات إقليمية ودولية لا علاقة لها بأطراف الأزمة الداخلية الذين دفعتهم حماقتهم وإن شئنا قلنا انتهازيتهم السياسية إلى الهرولة نحو أحضان العدو التاريخي للوطن والشعب، لتبرز على إثر ذلك معادلة سياسية لأبعاد وطنية كانت تمثل حلما لكل يمني حر وشريف معتز بهويته الوطنية وبسيادة وكرامة وطنه وشعبه، دون أن يحتاج للاصطدام مع أي كان بما في ذلك الجارة الكبرى التي اعتبرت أن أحداث تلك المرحلة تمثل بالنسبة لها فرصة لضرب مكامن القوة التي ظلت تمثل لها حالة قلق جيوسياسي منذ عقود رغم تمكنها من استلاب إرادة النخب المرتبطة بها من خلال ما عرف بـ (اللجنة الخاصة).. كانت اليمن بمثابة (الثمرة اليانعة) للجارة التي كانت تتوهم أنها تكفي أن تمد يدها لتقطف ما زرعته طيلة عقود، فيما كانت سوريا وليبيا بنظرها العقدة التي تحتاج لمزيد من الجهد، فيما مصر كانت تحت التطويع بعد أن أصبحت (ترقص خليجي)..؟!
كان طموح الجارة الجيوسياسي يتجاوز قدرتها، وكأن التحالف الدولي ذراعها الذي من خلاله ستفوز بتكريس اليمن الأرض والإنسان ليبقيان (حديقتها الخلفية) محرم عليها التطلع نحو المستقبل أو أن تعيش الحاضر بكرامة..؟!
أحداث مارس 2015م أو بالأصح عدوان مارس الذي حدث يومها وأبكى النساء والشيوخ وحتى الرجال ليس خوفا منه بل حسرة على من قام به، وأتذكر يومها (أم أولادي) وهي تذرف الدموع قائلة : لست أبكي خوفا ولا رهبة، بل ابكي أن من شرعن هذا العدوان هم عرب ومسلمون وبعض من أهلنا، وأضافت ( لم أكن لأشعر بالحزن لو أن هذا العدوان صهيوني جاء بشكل مباشر ليستهدفنا)..!
أتذكر تلك اللحظات وأعيش اليوم لحظات من مجد تليد، مجد بغض النظر عن تفسير البعض له أو مواقفهم منه، إلا أنه يعزز هويتنا ويجسد حقيقة اتكالنا على الله في لحظات ضعف وارتباك وعجز في العدة والعتاد، وأقدام غير ثابتة وأفكار متضاربة تعصف بالعقول والمواقف، ومع كل ذلك كان التوكل على الله هو أهم أسلحة المرحلة وهي التي وضعت أسساً قوية لصمود أسطوري، هذا الصمود يصعب أن يأتي أحد ويقول إنه صنعته إرادة البشر، لأنه صناعة إلاهية خالصة لأن الله وحده من دلنا ودل قيادة هذا الشعب إلى طريق الصمود والانتصار، بل والتقدم وامتلاك عوامل القوة والتمكين من تحت غبار عواصف العدوان والتحالف الدولي والحصاري والتمزق الجغرافي الذي فرض على شعبنا وانقسام المجتمع فكريا وسياسيا وجغرافيا بدرائع كانت إحدى أسلحة العدوان التي مهدت للعدوان وشرعنت عدوانه وجرائمه بحق شعبنا، لسنوات عشنا وعاش شعبنا أهوال قطاع غزة الذي نتضامن مع مواطنيه ومقاومته لأننا عشنا ذات الجحيم العدواني الذي يعيشه أشقاؤنا في قطاع غزة وفلسطين.
لم يكن أحد قطعا يتوقع أن تبدي اليمن هذا الصمود الأسطوري أمام استهداف عدائي دولي، شمل العدوان العسكري والاستخباري، وعدوان إعلامي واقتصادي وحصار اقتصادي وإعلامي ودبلوماسي، حصار شمل مختلف الجوانب الحياتية، ومع ذلك فإن الضربة التي لم تسقطنا تقوينا وهذا ما حدث، من تحت صواريخ العدوان وهدير طائراته الأكثر حداثة وتقنية وقوانينه الإجرامية وحصاره غير المسبوق الذي تعرض له شعبنا، استطعنا رغم كل هذا أن نبني ممكنات القوة وأدواتها بجهود ذاتية وإرادة أحرار شعبنا الذين استلهموا من قائدهم وسيدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كل ممكنات النجاح والتفوق والصمود والعزيمة والإصرار على هزيمة الأعداء متوكلين في كل هذا على الله القائل سبحانه وتعالى “ومن يتوكل على الله فهو حسبه أن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا”.
اليوم في الذكرى التاسعة للعدوان نقف في مواجهة مباشرة مع العدو الذي كان لتسع سنوات يختفي خلف الجارة وبعض أذنابه من العرب، وبعض عملائه من أهلنا في الداخل الذين باعوا أنفسهم للشيطان والذين لم يدركوا للآن أن العدوان لم يأت من أجل سواد عيونهم ولا من أجل إعادتهم لحكم شعب خذلوه وتآمروا عليه ومزقوا نسيجه الاجتماعي وهويته الوطنية، ولكن العدوان جاء لمصلحة آخرين وهم الذين ظهروا مؤخرا بأساطيلهم وبوارجهم في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن ومضيق باب المندب الذين اتخذوا من دعم صنعاء لمجاهدي فلسطين ذريعة لتجديد عدوانهم على أمل أن يحققوا على أيديهم ما فشل وكلاؤهم طيلة السنوات الماضية من تحقيقه..؟!
كان يمكن أن نصدق ويصدق بقية أبناء شعبنا أن العدوان على صنعاء وحكومتها جاء ذاك اليوم المشؤوم دفاعا عن شرعية؟ كنا سنصدق هذه المزاعم لو قدمت لنا عصابة ما يسمى بـ (الشرعية) نموذجا يحتذى به في المحافظات التي تحت سيطرتها، سواء من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، أو من النواحي الأمنية أو من النواحي السياسية والانسجام والتناغم بين هذه المكونات التي توهمت ذات يوم أن التحالف جاء لخدمتها ومن أجل تحقيق أهدافها في التخلص من خصومها وإعادتها إلى سدة الحكم، لتواصل مهمتها في إذلال شعب وامتهان سيادة وكرامة وطن..؟!
بدليل أنها عاجزة حتى في البقاء داخل تلك المحافظات وظلت تستوطن فنادق دول الجوار والعالم مترقبة أوامر أسيادها بالعودة الذين زرعوا فيما بينهم كل عوامل ونوازع التفرقة والخوف من بعضهم والتآمر على بعضهم وفق مخطط استعماري لا يزال الأغبياء من أبناء وطني عاجزين عن فهمه أو استيعابه رغم كل ما يجري لهم ومن بعضهم ومن دول العدوان بحقهم وحق وطنهم..؟!
اليوم تحتفي صنعاء بذكرى الصمود الأسطوري فيما الطرف الآخر يبحث عن ذاته المتناثرة والمتناحرة وعن إمكانية التعايش المعدومة فيما بينهم والتي يعمل التحالف الذي يعيشون في أحضانه على توسيع الفجوة التناحرية فيما بينهم خدمة لأهداف العدوان، الذي أوصلهم إلى هذا المستوى من الانحطاط، ومع ذلك يوغل في جرهم لقاع الانحطاط من خلال تجنيدهم ضد صنعاء وضد مواقفها الداعمة لفلسطين..
تحية لشعبنا في ذكرى صموده الأسطوري الذي جعله يتماهى مع طائر الفينيق الذي ينهض من تحت الرماد.. إنه شعب الحكمة والإيمان والذي يعيش في كنف المسيرة الإيمانية، وبمعزل عن الشوائب التي سيتطهر منها قريبا لمجرد إزاحة غمة العدوان بشكل نهائي.