صنعاء القديمة تسعد ساكنها وتبهج زائرها فلها نكهتها الفريدة التي تميزها عن غيرها من المدن وخاصة في رمضان، فهي تتمتع بروحانية لا مثيل لها بين المدن فكل من زارها يشعر بإحساس السلام والأمان وخصوصا الجامع الكبير الذي له طاقة كبيرة من الروحانية المفعمة بالإيمان كيف لا وهو بني بأمر رسول الله وبإشراف الإمام علي كرم الله وجه، فأنعم به من مكان مقدس ومبارك ولا شك في ذلك أن لرمضان نكهته الخاصة في صنعاء القديمة وجامعها الكبير والمقدس، وبهذه المناسبة أجرت «الثورة» مقابلة مع عدد من الشخصيات حول صنعاء القديمة.. وإليكم التفاصيل:
الثورة /زين العابدين علي حلاوى
يقول الباحث حافظ حسين الأعرج -من أهالي صنعاء القديمة من حي الفليحي: كان معنا مجلس من مجالس رمضان عند العالم أحمد محمد زبارة يضم هذا المجلس العلماء وطلاب العلم إلى الساعة الثانية عشرة مساء ومن ثم نخرج من بيت المفتي إلى المساجد فالبعض منا يتنفل والبعض يقرأ القرآن، ومن ثم يعود الناس لتناول وجبة (السحور) وكانت هذه الوجبة البسيطة تتكون من الحلبة والبيض مع قليل من الفتة ثم يخرج الناس قبل آذان الفجر بساعة للتنفل وقراءة القرآن إلى وقت أذان الفجر ثم يتجهون لمنازلهم للنوم والبعض يواصل في الجامع لقراءة القرآن.
ومن العادات الجميلة في صنعاء القديمة تبادل التهاني للناس بعضهم البعض قبل ظهور التلفونات ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ويتواصون بالدعاء في الجامع.
استقبال رمضان بالدعاء والتدريس
من جانبه تحدث الضابط محمد قصعة -أحد ساكني صنعاء القديمة- قائلا: زمان في صنعاء قبل قدوم شهر رمضان كانوا يرددون هذه الكلمات (يا رمضان يابو الحماحم، أدي لأبي شغثة دراهم) أيام زمان كانت حفاوة للأطفال وفرحة لا توصف عند استقبال شهر رمضان الفضيل ومن الألعاب الرمضانية «قفيقف» وضرب الحدوي ومن كبة الطيار والبنات كانت تردد لعبتهن المفضلة..(تفتحي يا ورده) وأيضا لعبة الغميضة ..
وأضاف قصعة : قبل رمضان بيوم يشعلون النار ابتهاجا بهذا الشهر وفرحة به هذا لدى الأطفال وبالنسبة للكبار يستقبلون بالدعاء والدريس في البيوت من أول ليلة وخاصة من الشعبانية بالاجتماع في أحد البيوت في الحارة والمقيل والنشيد الصنعاني والمولد عادات تتميز بالذوق والانسجام.
كما بين الأستاذ محمد إبراهيم الرقيحي قائلا: كانت عادات أهل صنعاء -وما تزال- في استقبال شهر رمضان الكريم عادات تتميز بالذوق والانسجام مع شعائر الإسلام والمُثُل القيّمة التي تهتم بأمر دينها ودنياها، مع ساعة الفجر يهرعون إلى المساجد لأداء صلاة الفجر، بعد الاستعداد لصيام
النهار بالسحور، وأنت حين ترى اكتظاظ المساجد فجرًا في رمضان تظن أن الناس تهوي إلى الصلاة في ذلك الوقت على وجه الخصوص، وذلك هو ربما ما تميز به أهل اليمن عامة به في شهر رمضان، وهو أنهم يتفرغون للعبادة بقدر المستطاع في شهر رمضان، ويتخففون 1من كل الأشغال والأعمال.
وأضاف الرقيحي: ثم ينامون إلى منتصف الصباح أو إلى قبل صلاة الظهر، وبعد أداء الفريضة يجلس بعضهم لتدارس القرآن في المساجد حتى صلاة العصر، وبعضهم يجلس ثم يذهب إلى عمله، ومنهم من يذهب لشراء مقتضياته من السوق سريعًا ليعود إلى المسجد، وبعد صلاة العصر ينصرف الناس كالحجيج إلى مقاضيهم، وترى الناس تكتظ في مدينة صنعاء القديمة ليتشرَّبوا من روحانيتها وعبقها النقي مع تطهير الصيام في النفس، حتى إذا دنا وقت الغروب قبل الإفطار تجهزوا له وأسرعوا إلى المساجد، ويجتمعون في سوح المساجد على مائدة واحدة ليشتركوا في الإفطار وكأن الصوم يجمعهم ليكونوا إخوة كأسنان المشط، فإذا فرغوا من فريضة المغرب تراهم يتنادى بعضهم ليستضيف البعض الآخر في سمو نفس وكرم مؤثرين، ومع ذلك فإذا كان الكثير يعتذر عن إجابة داعي الضيافة، فإن رمضان لا يخلو لديهم من ضيافات للأرحام والأصدقاء، وحتى للغرباء الذين لا يعرفونهم، إيمانًا منهم بأن إفطار الصائم له أجره العظيم وذخره الكبير عند الله سبحانه.
وبعد العشاء يصلون العشاء، وينصرفون إلى أعمالهم حتى الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ثم ينصرفون إلى كتاب الله ومناجاته والصلاة والتسبيح والدعاء طوال الليل حتى وقت السحور، وقلَّما تجد منهم من ينام إلا لضرورة تستلزمه ذلك.
الجدير بالذكر أن أهالي صنعاء القديمة، يستقبلون رمضان ليلة اليوم الأول بالتسبيح والتهليل، وتستمر التهنئات بقدوم الشهر الكريم حتى انقضاء العشر الأوائل منه أو إلى منتصفه، وهذه هي عادتهم التي توارثوها من آبائهم حتى اليوم، ولم يتغيروا ولم يستبدلوا.