هناك ثلاثة مسارات وضعها الاستعمار الفرنسي أمام الدول الإفريقية التي استولى على ثرواتها وجعلها من أفقر دول العالم، وهي بذاتها المسارات التي يسير عليها الاستعمار الحديث والقديم، أولها: التبعية المذلة والمهينة، الثاني: عواقب التمرد والثالث: التعويضات.
فالتبعية: هي تبعية للاستعمار بكل أشكاله وصوره، وهي تنيم بموجب اتفاقيات مع تلك البلدان، تقيد التجارة بين تلك البلدان، وتتاح الأولوية لمنتجات فرنسا، ومنح الشركات الفرنسية الأولوية في عقود الحكومة وغيرها، كما تنص على ذلك الاتفاقيات وهي ذاتها السياسة التي تعتمدها أمريكا والدول الاستعمارية القديمة والحديثة، وأخطر من ذلك أن الاستعمار الفرنسي وضع للدول عملة: هي (الفرنك الإفريقي) كعملة لأربع عشرة دولة، هذه العملة يطبعها ويصدرها البنك المركزي الفرنسي وربطها بالفرنك واليورو، حتى يعزز سيطرته على تلك المستعمرات، فإنها مجبرة على إيداع 50 % من الاحتياطات النقدية لبيع المواد الخام في البنك المركزي الفرنسي، وهنا نجد أن عائدات تصدير النفط من دول الخليج موضوعة في بنوك الغرب وتستحوذ أمريكا على أكثر من ثلاثة أرباعها وتستحوذ الدول الأخرى على النسبة الباقية، وحينما قدم الناشط الكويتي عبدالحميد رشتي أسلوب الاستيلاء على الثروات الخليجية وبشكل علني، تم الحكم عليه بالسجن وعقوبات أخرى مع أنه لم يقل سوى أن ما يملكه الخليجيون من ثرواتهم سوى أرقام مسحوبة على بنوك الغرب، هي كل تلك الثروات وإذا أراد الغرب أن يصادرها أو يستولي عليها فلن يستطيع أحد الوقوف أمامه.
مشكلة الحصول على الأموال
يذكر التقرير أن كل تلك الدول لا تستطيع أن تحصل على أموالها المودعة في البنك المركزي الفرنسي مقابل بيع المواد الخام، ولا يتم ذلك إلا بموافقة فرنسا والتي جعلت السماح بحدود 15 % من تلك الأموال في السنة الواحدة- إذا كان هناك احتياج فعلي، وهذا يعتمد على تقديرات البنك المركزي الفرنسي لا على تقديرات تلك الدول- والأنكى والأدهى من ذلك أن تغطية هذا الاحتياج تمنح على هيئة قروض من أموالهم المودعة وبمقابل فوائد تخدم هذه القروض، بمعنى أن يسدد ديونه من أمواله، وكأن الأموال تلك ليست له، بل ملك لفرنسا، أما أمريكا وغيرها من الدول المسيطرة على عائدات الثروات النفطية، فإن الأموال تلك تستخدم في شراء صفقات الأسلحة وفق عقود طويلة الأجل، كما هو مشروع التسليح السعودي البريطاني (اليمامة) أو شراء الأسلحة من الشركات الأمريكية لا وفقا للاحتياج الفعلي والطلب الحقيقي، بل وفق ما تريده الحكومة الأمريكية، ورغم العلاقات الممتازة بين أمريكا والسعودية فإن هناك كثيراً من الأسلحة التي لا تعطى لها، وتعطى للحليف الاستراتيجي إسرائيل لا غير، ويشير تقرير أعده معهد التمويل الدولي إلى أن إجمالي الأصول الأجنبية لدول الخليج الست ارتفع إلى 4.4 تريليون دولار عام 2024م، يدار ثلثاها من قبل صناديق الثروة السيادية بمحافظ الأسهم والأوراق المالية ذات الدخل الثابت، أما الثلث الأخير فيدار بشكل احتياطات رسمية في الأصول السائلة، ويشير التقرير إلى أن المعلومات المتعلقة باستثمار عائدات النفط الدولارية محدودة للغاية وأن صناديق السوق العالمية لمجلس التعاون لا تقدم عادة معلومات مفصلة عن توزيع استثماراتها، فهي اذن استثمارات تدار في الاقتصادات الغربية ولا يملك المستثمرون غير أرقام وبيانات، تستحوذ أمريكا الشمالية وأوروبا على 65 % منها وتستثمر 20 % في آسيا والمحيط الهادي، وفي الشرق الوسط وشمال أفريقيا 10 % منها –وتأتي أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية 5 % منها، وهي ذاتها الخطة التي تعتمدها فرنسا وبشكل عام الاستعمار الجديد مع الدول في الاستئثار بالمواد الخام واستثمار عائداتها.
ثانياً: عواقب التمرد أو المقاومة:
تتخذ السياسات الاستعمارية أساليب غاية في البشاعة لمواجهة أي تمرد على سياساتها في الاستحواذ على الثروات للدول المستعمرة – فلا يسمح لتلك الدول بانتهاج سياسات مالية ونقدية مستقلة –إصدار عملة وإنشاء البنوك المركزية، كما هو حاصل مع تلك المستعمرات الفرنسية من أجل الاستئثار بالخامات، بمقابل طباعة العملات لتلك الدول، وتلك هي سياسات فرنسا، أما أمريكا فتجربتها مع دول الخليج قد سمحت بإصدار عملات مستقلة وإنشاء بنوك مركزية، لكن العائدات تظل في بنوك دول الغرب ويسمح لهم بالاطلاع على الأرقام لها، لكنه يمنع من الوصول إلى إصدار عملة خليجية موحدة، والتي تأجل إصدارها حتى الآن، واذا فكر احد من رؤساء تلك الدول في الاستقلال الاقتصادي فإن الإعدام مصيره، والكل يعلم ذلك –رئيس غينيا أصدر عملة- فتم إصدار عملة مزورة مقابلة حتى تم خلعه عن الحكم وإبعاده عن السلطة، رئيس توجو رفض تنفيذ التوجيهات الفرنسية، بعد ثلاثة أيام تم خلعه بانقلاب من جنوده وقتله، ومثل ذلك رئيس بوركينا، فاسو، بإجمالي 67 انقلاباً في 26 دولة، وخمسين غزوة مباشرة وتدخلاً في تلك البلدان.
ثالثاً: التعويضات الصعبة:
وضعت فرنسا اتفاقيات مجحفة بحق تلك البلدان على اعتبار أن الاستعمار الفرنسي هو الأساس في التطور والتنمية وأن أي دولة تريد التخلص منه فعليها دفع مبالغ ضخمة تصل في بعض الاتفاقيات إلى 40 % من إجمالي الناتج المحلي كتوجو، وبالمقابل فإن أمريكا أوجدت القواعد العسكرية للحماية والتي تدر عليها أرباحا غير معلومة من تلك الدول، وإذا كانت كهرباء فرنسا 70 % تدار باليورانيوم المستخرج من مناجم أفريقيا والتي لا تملك أي محطة للإضاءة، وأمريكا معظم أنشطتها تدار بالنفط والبترول العربي، وبينما تحارب فرنسا الدواعش والقاعدة في جمهورية مالي ولديها (860) منجماً لاستخراج الذهب واحتياطاتها صفر من هذا المعدن، فإن فرنسا تملك “2436” طناً في المرتبة الرابعة عالمياً والسبب في ذلك القاعدة وداعش وهما ذاتهما اللتين تشن الحرب عليهما أمريكا في العراق وسوريا وأفغانستان، فإذا كانت قاعدة أفغانستان تمثل أجود أنواع الحشيش في العالم، فإن داعش العراق وسوريا يمثل نفطاً وثروات عديدة تستولي عليها أمريكا، فقد استولت على مناطق الثروات في سوريا، ولم تذهب إلى المناطق الأخرى التي خلت من داعش والقاعدة والثروات، والسؤال هنا إذا كانت فرنسا تحقق أرباحاً تصل إلى ما بين 400 – 500 مليار دولار من أفقر قارات العالم، فكم هي العائدات التي تستحوذ عليها أمريكا والحلف الصليبي الصهيوني الذي يعمل على إبادة غزة حتى يستتب له الأمن ويزيد من أرباحه؟