ضياع القضية الفلسطينية في اتفاق أوسلو

عرض/ خليل المعلمي
شهد اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني انتقادات واسعة ومعارضة من قبل مختلف المنظمات العربية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لما فيها من إجحاد وضياع لحقوق الشعب الفلسطيني خلال أكثر من مائة في الحصول على حريته وتقرير مصيره، فبنود الاتفاق تتحدث عن أمن الكيان الإسرائيلي ولم يأت ذكر الأمن للفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية ولم يطلب تعويضهم.
يعترض إدوارد سعيد في كتابه “غزة –أريحا سلام أميركي” الصادر عن دار المستقبل العربي على خطة السلام التي أبرمتها منظمة التحرير الفلسطينية مع “الكيان الإسرائيلي”، لأنها وضعت الطرف الفلسطيني في الجانب الأدنى من حيث الأمن والحقوق، وبالوقت ذاته استحوذ هذا الكيان على القدس الشرقية والمستوطنات والسيادة والاقتصاد، فالاتفاق ينص على الاعتراف المتبادل والحكم الذاتي والنقل المبكر للسلطات، والمقصود هنا الفلسطينيون في قطاع غزة ومدينة صغيرة هي أريحا، ويقوم بعض المئات من جيش التحرير الفلسطيني بمهام الشرطة وبإشراف إداري على قضايا الصحة والتعليم وخدمات البريد والسياحة.
أما الإشراف على الأراضي والمياه والأمن العام والشؤون الخارجية، فهو مسؤولية إسرائيلية، وسيبقى هذا الكيان مسيطرا على الضفة الغربية والمعبر الذي يربط غزة بأريحا.
يقول سعيد إنّ المنظمة بهذه العملية حولت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة وأغلقت مكاتبها في الخارج، وهذا لا يتناسب مع مصلحة الفلسطينيين المهجرين في سوريا ولبنان وسائر الدول الأخرى، تلك الحقوق التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة وجاءت نتيجة كفاح طويل، ولا يوجد حديث حول الحرية والمساواة ولا عن المعتقلين المسجونين في سجون الاحتلال.

سلسلة تراجعات
يحمل إدوارد سعيد الموقعين على هذا الاتفاق المسؤولية في الوقوع بسلسلة من التراجعات أهمها: تراجع عن نصوص الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ونبذ المقاومة التي اصطلح على تسميتها بالعنف والإرهاب، وإهدار لجميع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية باستثناء القرارين “242 و338” اللذين لا يحويان أي كلمة عن الفلسطينيين وتطلعاتهم وقضيتهم، كما نسفت العديد من القرارات التي أعطت حقوقاً للاجئين الفلسطينيين وإدانة الجرائم التي يقترفها الاحتلال بحقهم وإقامة المستوطنات. باختصار، يعتبر الاتفاق أداة الاستسلام الفلسطيني، لأن الاتفاقية بذلك وضعت حداً للانتفاضة التي لم تكن إرهاباً، وإنما حق شعب بالمقاومة.
الاتفاق تحدث عن أمن “إسرائيل”. وفي المقابل، لم يأت أي ذكر عن أمن الفلسطينيين أمام الهجمات الإسرائيلية، بالإضافة لحفاظها على حدودها السابقة، ولم يطلب إليها تعويض لضحايا الاحتلال كما طلب من العراق بعد احتلاله للكويت، كما تجاهل الاتفاق سرقة “الكيان الإسرائيلي” للمياه وضمها المزيد من الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات ناهيك بأن الكثير من المعلومات أخفيت عن أصحاب العلاقة.

مائة عام من التضحيات
يأسف إدوارد سعيد لمئة عام من التضحيات والكفاح البطولي ذهبت هدراً مع هذا الاتفاق، وظهر الاتفاق للعالم وكأن الفلسطينيين ليسوا أصحاب حق، وأنهم نادمون على ما اقترفوه. أما الآلاف الذين قتلتهم “إسرائيل” خلال كل ذلك التاريخ وغزو أراضيهم وتهجيرهم كل ذلك إرهاب يجب على الفلسطينيين لا الإسرائيليين التوقف عنه، وبهذا يصبح دور منظمة التحرير مساعدة “الكيان الإسرائيلي” في تثبيت أمنها ونفوذها.
أما موضوع التنمية، فباعتبار أن “الكيان الإسرائيلي” يسيطر على الاقتصاد بالتالي ستسيطر على حركة الصادرات والواردات وحركة العمالة، وبالتالي ستبقى الحدود مفتوحة بين الأراضي المحتلة و”اراضي 48”.

تجميع جديد للفلسطينيين
ويدعو صاحب الاستشراق إلى تجميع جديد للفلسطينيين على مستوى العالم في الداخل والخارج من خلال إحصاء حقيقي لا بيروقراطي، والدعوة لاقتراع في اختيار ممثليهم ونوع القيادة التي تحقق مصالحهم عبر جهد مكثف للمثقفين والمفكرين والمناضلين، وهو يلحظ ذلك التفاوت العجيب في الحقوق. مثلاً أن يُترك اللاجئون ليتعفنوا في بلدان الشتات وتتعفن قضيتهم، في الوقت الذي يسمح لأي يهودي من أي مكان في العالم في أن يكون مواطناً إسرائيلياً متى أراد ويمنع هذا الحق على الفلسطيني المهجر من أرضه.

حدود التعاون الدولي
ينقل لنا إدوارد سعيد بعض الاجتماعات التي جرى لقاء فيها بين عدد من الأميركيين العرب وشخصيات إسرائيلية بهدف تخفيف العداء بين فلسطين و”الكيان الإسرائيلي”، وكان هو الفلسطيني الوحيد الموجود، ابتدأت بمؤتمر هارفرد عام 1969، تبعه العديد من اللقاءات غير الرسمية، ولم يغطِ الجانب الفلسطيني، ولم يستثمر هذه الحوارات، ولم يشارك إسرائيليون من غير الصهاينة فيها، مثل البروفيسور إسرائيل شاحاك الذي وقف بوجه السياسة الإسرائيلية أو مثل مفكرين مثل نعوم تشومسكي، وكانت فرصة بهذه اللقاءات لمعرفة الآخر وإظهار حقنا وقضيتنا له، كما لم يبادر العرب أو الفلسطينيون لمبادرات من هذا النوع وترك المجال للأوروبيين والأميركيين لتزعم هذه المبادرات واستثمارها في تحويل الأنظار عن القضية المركزية بأن الصراع نوع من سوء الفهم الذي يتضمن عوامل نفسية وسواها المتضمنة تقليل حجم الكوارث الحاصلة في الواقع.
ويعتبر في الوقت ذاته أن مؤتمر مدريد كان ذروة التنازل الرسمي الفلسطيني لمصلحة “الكيان الإسرائيلي” التي لم تتنازل عن شيء.

حقائق مريرة عن غزة
يرى إدوارد سعيد أن غزة والقدس هما مفاتيح المستقبل الفلسطيني، القدس نظراً للمشاريع الاستيطانية فيها، وغزة لكونها المكان الجهنمي للمضطهدين والمحرومين الذين كانوا وما زالوا دينامو المقاومة التي انطلقت منها انتفاضة 1987، وغزة هي من تكرهها “إسرائيل” بشدة. وقد أوضح من خلال تصريحات الصحفية “سارة روى” كيف كانت “إسرائيل” تجهض إمكانيات التنمية في غزة والحفاظ على الوضع الاقتصادي المتدني فيها من خلال ربط اقتصادها بها وممارسة الحصار عليها.
ويلفت النظر أن أغلب من رحب بالاتفاق لم يطلع على بنوده، وهذا يفسر خيبة الأمل التي شعر بها سكان القطاع الذين توقعوا انسحاب الجيش الإسرائيلي وتدفق الأموال وانتعاش الوضع الاقتصادي، إلا أن العكس هو ما جرى، والواقع يشهد تفجر العنف بين الأفراد لا ضد “إسرائيل” والسكان يشغلهم الواقع المعيشي بالدرجة الأولى.

السلام الأمريكي
السلام الأمريكي في الشرق الأوسط يعني تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” والدول العربية وفتح الباب لاختراق الاقتصاد الإسرائيلي للأسواق العربية وعدم السماح بحيازة سلاح الدمار الشامل إلا لـ”للكيان الإسرائيلي”.
يستغرب سعيد مع كل الهيمنة الأميركية والإسرائيلية على المنطقة عدم تنطح الجامعات العربية لتخصيص أقسام لدراسة العقل والمجتمع الأميركي والإسرائيلي لمعرفة آليات التفكير لديهم، وبالتالي سبل مواجهتها على مبدأ اعرف عدوك.
ولأنَّ النضال لإيقاف بناء المستوطنات لا يشكل مهمة استراتيجية للمنظمة، فالأمر مهيأ لتصاعد العنف وتكرار مجزرة الخليل، وكل ممارسات “إسرائيل” تدل على أن ما تريده محمية إسرائيلية، وليس حكماً ذاتياً، فقد استفادت “إسرائيل” من عملية السلام بالحصول على اعتراف رجعي بكل ممارساتها غير القانونية السابقة مثل ضم القدس ومصادرة الأراضي الفلسطينية والسيطرة الاقتصادية على حياة الفلسطينيين، ويلفت إدوارد سعيد إلى أن الكثير من بنود الاتفاق بقي سرياً لا يعرفه الكثيرون من أصحاب النية الحسنة، ولكن السؤال: ما العمل الآن بعد كل هذا؟

استمرار القضية
ويؤكد الأديب إدوارد سعيد أن نهاية الصراع لا تزال بعيدة، وأن القضية تعني الشعب الفلسطيني كله، وليس سكان الأراضي المحتلة فقط، والسعي لتأمين منبر إعلامي يوضح للعالم أن قضية فلسطين مستمرة ولا يمثلها ذلك الاتفاق. ومن كل ما تقدم، يهدف إدوارد سعيد إلى معرفة المجدي من غير المجدي من تضحيات الشعب الفلسطيني وربط تاريخ الكفاح بحاضرنا ومستقبلنا والرصد الأمين لآثار التغيرات الكبرى في العالم في منطقتنا، وأن يؤدي جهده دوراً متواضعاً في إثارة نقاش واسع حول مستقبلنا العربي الجماعي.

قد يعجبك ايضا