بين النصر والهزيمة صبر ساعة

طاهر محمد الجنيد

 

في تعليق للمحلل العسكري الصهيوني، وهو يتحدث عن قدرات المقاومة الفلسطينية، وإن كان قصر الحديث عن حركة حماس، قال إنهم يمتلكون شيئاً لا يمتلكه اليهود أو غيرهم، إنه الصبر والإيمان، حيث يظل المقاتل في الأنفاق منتظراً الأمر للتحرك، ثم يخرج ليؤدي واجبه ويعود على قلة المؤنة، وخطورة الفعل، وفداحة الخطأ، خلافاً لذلك الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها جيش الاحتلال الصهيوني، ويلاحظ هنا أن كل خطابات التهديد والإدانة والوعيد موجهة ضد حركة حماس، لكن هناك الفصائل الأخرى التي تقوم بدورها في مواجهة الاحتلال، كالجهاد الإسلامي وغيرها، وهناك أبطال المقاومة الفلسطينية الذين يتحملون الإجرام الصهيوني –الأمريكي- (الصليبي الغربي) بمنظومته الجديدة، فقد أصبح كل مواطن فلسطيني مناضلا، ولا يشذ عن ذلك إلا فئة قليلة رضيت الانضواء تحت أوامر سلطات الاحتلال ورهن إشارتها في تحقيق أهدافها.
لقد سخر الصهاينة كل الإمكانات المادية والمعنوية لتحطيم إرادة المقاومة، ومع ذلك فرغم مرور أكثر من مائة وعشرين يوماً، ما زالت قادرة على المواجهة، بل وتحطيم كل القدرات لدى العدو، وتدمير للمعدات، وحصد لأرواح جنود العدو وهزيمته في تكتيكاته الميدانية والعملياتية، حتى أنها تتطور باستمرار.
لم يستطع الجيش الصهيوني، المدعوم بالطائرات الحربية، والمسيَّرات، والصواريخ والقنابل المحرمة دولياً، والدبابات الحديثة والأسلحة والعتاد المتطور، في كافة أفرع القوات البحرية والجوية والبرية أن يحقق ولو إنجازاً بسيطاً في تحطيم إرادة المقاومة والصمود، بل إن الشعب الفلسطيني أيقن بأهمية المقاومة، لا لصد العدوان، بل لتحرير فلسطين من الاستعمار الجديد بوجهه الصهيوني القبيح ومن ورائه كل إمكانيات الغرب جنوداً ودعماً مادياً ومعنوياً بلا حدود.
إن الثبات والإقدام والشجاعة هي نتاج إيمان قوي بالله وتصديق بوعده، أما الانهزام والجبن والخوف فهو نتاج الكفر والطغيان والسير وراء أمنيات الشيطان، فبينما يعتمد أبطال فلسطين على ثقتهم بالله وإيمانهم بقضيتهم العادلة لتحرير كل شبر من أرضها، يعتمد المجرمون على أحدث الأسلحة، وأكبر قدر من الإجرام والقتل والإبادة.
المقاومة تقدم التضحيات بالأموال والأرواح والمباني وكل شيء وتعلن ذلك على الملأ والكل يعلم ويرى ويشاهد الدمار الذي ألحقه المجرمون الصهاينة والمتحالفون معهم، والعدو الصهيوني يخفي أعداد قتلاه ولا يعلن إلا عن النزر اليسير وهم الجنود الذين لهم صلة بأهلهم، أما المرتزقة الذين توافدوا من كافة أنحاء الدول الداعمة، فلا يعلن عنهم، بل يدفنهم أو يتخلص من جثامينهم ولا يعدهم بشراً، بل شذاذ وفدوا وماتوا على غير هدف إلا المال، لكن المنية عاجلتهم فلم يظفروا بشيء.
شتان بين جندي يحرص على أن يلقى الله ويتمنى الشهادة، وبين حريص على الحياة، الأول يرى أن لقاء الله حق، وأن عليه واجب تجاه أمته ودينه في ردع الإجرام ومواجهة القتلة المستحلين لكل الحرمات، لذلك يسترخص الروح فداء من أجل أن يحقق إحدى الحسنين إما الشهادة أو النصر ولا ثالث لهما، وأعجبتني هنا مقولة قائد المقاومة الإسلامية حماس: (أتتوعدنا بما ننتظر يا ابن اليهودية، إنه لجهاد نصر أو استشهاد، إن طريق الجنة محفوف بالمخاطر لدى المجاهدين، لكنهم يؤمنون به إيماناً راسخاً لا يدخله شك ولا ريب)، أما الطرف الآخر فلا يهتم بجنة ولا برضوان الله، إنما يطلب جزاءه في الدنيا مالاً يتمتع به، ولذلك فإنه يذهب إلى المعارك مدججاً بأحدث أنواع الأسلحة التي تحميه من الموت ابتداءً من الحفاظ الذي يحميه من الخروج من الدبابة حتى لا يتعرض للقنص من أبطال المقاومة، إضافة إلى أجهزة الإنذار والإضاءة والاستشعار عن بعد، وفي ميدان المعركة نجد أن الطيران التجسسي الذي يعتمد عليه العدوان الصهيوني يسجل بالصوت والصورة ساحة الميدان، والطيران الحربي الذي ينزل أطنان القنابل المحرمة دوليا لإبادة السكان والأحياء بالإضافة إلى الدبابات والمدرعات وغيرها من القاذفات للصواريخ والمدافع ذاتية الحركة، ولكن انهارت المعنويات وخارت القوى الداعمة وغيرها، وانتفض الأبطال من بين الركام والحطام ليؤدوا الواجب المقدس في إرسال العدو إلى حيث وصل المجرمون السابقون الذين أرادوا أن يستولوا على ارض الرباط، مسرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولى القبلتين وثالث الحرمين.
إنها معادلة قد تكون غير متكافئة لدى المحللين العسكريين والسياسيين بحكم التفاوت في امتلاك الإمكانيات واستخدامها وبين العمل والتحرك وفق الموجود والمتاح، لكن التمايز يكمن في الاستمساك بحبل الله وإستمداد معونته وتأييده، والاستمساك بالإمكانيات المادية وعبادتها ، وهذه المعادلة هي ذاتها التي سار عليها المؤمنون في السابق واللاحق، لأنها مستمرة ومتجددة طالما أن هناك حياة، وان هناك إيماناً وكفراً قالها المؤمنون (قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) البقرة(249) وهذه القلة هي التي صنعت المعجزات في هزيمة الكفر والطغيان، ورجحت مبادئ العدل والإيمان، وليس معنى ذلك أننا قد حققنا الانتصار المرجو على الصهاينة ومن تحالف معهم من خلال هذا الصمود الأسطوري، بل إن الانتصار الأكبر سيتحقق حين يندحر الغزاة، ويعود الحق لأهله، ويعود المشردون إلى وطنهم الذي شردوا منه، ويتخلصون من المنفى، وهنا تتحقق المقولة: إن بين النصر والهزيمة صبر ساعة، وذلك هو وعد الله الذي لا يخلف وعده، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)، (النساء: 104)، فما أصابكم أيها المؤمنون من الآلام والجراحات والظلم، قد عانى المجرمون منه أضعافاً كثيرة، إلا أنكم ترجون من الله ما لا يرجون، ترجون نصره ورضوانه وتحقيق وعده لكم، لكنهم ليسوا كذلك، ولذلك يجب على رجال المقاومة الصبر وابتغاء رضوان الله أولاً وقبل كل شيء، قال تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، لن ينقص ثوابكم، بل يجزيكم خيراً كثيراً.

قد يعجبك ايضا