كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية أضخم تحد كوني أشعلها بعض المجانين وحاول بعض العقلاء تحويلها إلى فرصة لبدء مرحلة جديدة في تاريخ نضال أحرار العالم من أجل بناء منظومة مقبولة لنظام عالمي محوره: ميثاق الأمم المتحدة القابل للحوار والتطوير بناءً على تفاهمات دولية حول رعاية المصالح المشروعة للشعوب ويتطور بتطورها كأساس للشرعية الدولية التي تتبناها الحكومات باسم الشعوب كخادمة لها لا سيدة عليها حسب النظم السياسية الجديدة.
تقول ديباجة ميثاق الأمم المتحدة: (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية.
وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح).
وما تزال آثار الحربين بما أفرزته من ملايين الشهداء والجرحى والمعوقين والثكالى من أبرز علامات الوحشية المؤدلجة للإنسان والمبنية على دعاوى مريضة في التفوق العرقي والعنصري للنازية والفاشية، وهو مرض عقلي ونفسي مارسته وتمارسه الكثير من العقول المريضة بمختلف انتمتاءاتها الدينية والمذهبية والفكرية وعانت منه وما تزال الكثير من الأمم والشعوب والقوميات معاناة يغذيها الجهل والمرض العقلي والجسدي وانعدام الضمير، ومع ذلك فإن أحلام أحرار العالم بإلجام أوجه الوحشية التي أساءت استخدام الدين والفلسفات تخبو وتظهر باحثة عن نظام عالمي يقوم على العدل والحرية ويخلو من النفاق السياسي والمعايير المزدوجة في التعامل مع الحروب والأزمات في العالم بناءً على ما ترسمه المصالح غير المشروعة، ومن الأمثلة الحية ما جرى ويجري مع القضية الفلسطينية وآخر محطاتها هذه الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج والمشهود على مستوى العالم في غزة التي تدك ويباد أبناؤها منذ 7 أكتوبر من العام الفائت 2023وحتى لحظة كتابة هذه الأحرف في 15 يناير 2024، هذا النظام العالمي المنافق والمختل أعطى ويعطي الفرصة لهيمنة بضعة دول على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنساً وربيبتهم الكيان الصهيوني الأكثر انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وأكثرها عدوانية ونهباً لثروات شعوب العالم الثالث ودعما للعدوان في مختلف قضايا العالم وحماية أنظمة الاستبداد في البلدان التي تنهب خيراتها هذه الدول تبدو المهيمن على النظام الدولي ومن ذلك تغلب هذه الدول التي يطلق عليها تعسفاً وخداعاً (المجتمع الدولي) وإعاقتها تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعتمدت بموجبه وبأغلبية 153عضواً ومعارضة 10 أعضاء من ضمنها الدول آنفة الذكر والقرار يطالب فقط بالوقف الإنساني لإطلاق النار والإفراج الفوري عن جميع الرهائن وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ورغم الطبيعة الإنسانية للقرار وغالبية الرهائن غير فلسطينيين، إلا أن الدول المذكورة قد رفضته وهكذا مواقفها دائما في مختلف القضايا مثل العدوان على اليمن بدعم ما أسمي تحالف الشرعية الذي أطلق عليه كثير من المحللين اليقظين جداً (عاصفة الحزم ثم إعادة الأمل)!، هذا التحالف المعلن أحياناً وغير المعلن أحيانا أخرى حسب مقتضيات التكتيك السياسي وآلية تسيير ما يسمى المجتمع الدولي يسيِّر الشرعية الدولية وفق آلية يعززها إعلام كاذب ومخادع أوهم الرأي العام العالمي بأن كل ما قامت به أمريكا وما قادته وأشرفت عليه من حروب في اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا وكل الحروب الإرهابية بتمويل من بعض أنظمة الخليج إنما تقوم بها دعماً للديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وباسم المجتمع الدولي وكأنها صاحبة الحق الشرعي والوحيد في استخدام الشرعية الدولية، أي أن كل الجرائم في العالم يجري شرعنتها إن لم يكن في الواقع ففي العقول المستلبة، ولتذهب إلى الجحيم تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات جمعيتها العامة أو إلى سلة المهملات، إنها أمثلة صارخة لانفصال الأقوال عن الأفعال وعلى كون حلم العالم بنظام عالمي يقوم على العدالة والحرية والمساواة قد جرى اختطافه من قبل عصابة دولية يُطلق عليها ظلما وعدواناً (المجتمع الدولي)، وهو مصطلح حولته إلى عنوان لشركة استثمارية بضاعتها إشعال الحروب وتهريب المخدرات وخلق الأزمات والتدخل في شؤون الدول والتلاعب بأنظمتها ودعم المستبد منها وإدارتها وتغييرها، وعليه : لا يمكن أن يوقف ممارسات هذا المجتمع الدولي المتوحش المزور إلا قيام مجتمع دولي حقيقي مؤنسن والبداية دائماً من داخل الدول ومن شعوبها وليس من خارجها !.
نسيت أن أنسى الكلام
عاتبني السؤال المر
غاب مفتاح اليقين المستباح
وقوافل الشهداء والموتى تغالب بعض أوهام الطغاة.