ليس صعبا ان يستنتج المتابع تعريفا أوضح للنصر في الحرب الدائرة في غزة بعد طوفان الأقصى، وان كانت معركة طوفان الأقصى في اليوم السابع من أكتوبر تمثل نصرا كبيرا للمقاومة الفلسطينية، وواضحا، وناجزا، فان المائة يوم التالية، تمثل نصرا أيضا، لكن بتعريف آخر، هو ان المواجهة والصمود امام عدو مثل الكيان الصهيوني وجيشه المدجج باحدث أنواع الأسلحة، والتقنيات، والتكنولوجيا، مع ما يصاحبها من جسور جوية وبحرية لتزويده وإعادة ملء مخازنه من الأسلحة الامريكية والأوروبية، وعدم السماح له بتقديم أي صورة للنصر، او ادنى انجاز، في أي من أهدافه المعلنة، المتمثلة بسحق حماس، او استرداد الاسرى، او تامين مستوطني ما يمسى غلاف غزة، فضلا عن شمال فلسطين المحتلة، ناهيك عن مستوطني ام الرشراش ايلات، ان هذا العجز والفشل رغم فارق القوة يسجل حتما كنصر إضافي الى جانب 7 أكتوبر لصالح المقاومة والشعب الفلسطيني.
تزداد الأمور وضوحا اذا ما أجريت مقارنة بين خطاب المقاومة ووضعها، وبين خطاب العدو وقيادته من المجرمين في حكومة الحرب، وبالعودة الى ظهور الناطق العسكري باسم كتائب القسام، وهو يلقي خطابه الشامل بعد مضيّ 100 يوم من العدوان، مؤكدا أن بعض العمليات البطولية الملحمية الموثقة لم تنشر بعد، وهي توثق للخسائر الكبيرة للعدو الإسرائيلي، بالإضافة الى اشارته في بيانه الخاص بالمنسابة إلى أن سلاح المقاومة لا يزال بخير، وهو الامر الذي أكدته صليات صاروخية قسامية كبيرة انطلقت من شمال غزة نحو مدينة أسدود المحتلّة، كما ان الصورة القادمة من شمال غزة، مع انسحاب معظم قوات العدو من المنطقة، إلى خلف حدود قطاع غزة، وعودة بعض معالم الحياة بفتح بعض المحال التجارية فتح أبوابها، والامر الذي ازعج العدو اكثر هو ظهور الشرطة التابعة حركة حماس في الطرقات والأسواق، بخلفية من الدمار الهائل، عبر عنها أفيغدور ليبرمان، بأنها ((صور مزعجة بشكل خاصّ لعشرات الآلاف من سكان الغلاف، الذين ما زالوا بعيدين جداً عن العودة إلى الحياة الطبيعية ومنتشرين في جميع أنحاء البلاد»، مستنتجا بأن «هذه ليست الطريقة التي تدار بها الحرب، وليست هذه هي الطريقة التي تهزَم بها حماس).
تصريحات ليبرمان تعكس واقع المقلب الاخر، وتشير الى حالة من الانقسام والارباك والتخبط لدى قادة العدو، وحالة من الشك الممتزج بالتشاؤم لدى قطاع واسع من المحللين والمختصين العسكريين والسياسيين، كلها تؤكد فشل العملية العسكرية العدوانية على القطاع، فشلا ليس بحاجة الى مزيد من الأدلة عليه، فواقع الحال واستمرار الحرب بعد مائة يوم، وحدها تثبت ذلك.
محلّل الشؤون العسكرية لصحيفة هآرتس عاموس هريئيل رأى أن الحرب بعيدة عن تحقيق أهدافها المعلنة، وأنها (لا تقترب من انتصار حاسم». متهما الحكومة بالتستر على ذلك، مؤكدا انه من الصعب إخفاؤه، والامر ينسحب أيضا على محلل الشؤون السياسية في يديعوت احرنوت، ناحوم بارنياع، الذي اكد ان الجيش الصهوني استسلم للنتائج المحدودة للحرب، اما مدير «معهد الأمن القومي»، اللواء احتياط تامير هايمان، فلفت الى أن الكيان وصل «إلى نقطة اتخاذ القرارات الحاسمة»، وأن «المعضلة الآن أصبحت سياسية»، وليس لدى المستوى السياسي برأيه سوى خيارين، اما الذهاب إلى صفقة تبادل الأسرى التي توسّطت فيها قطر، بما من شأنه أن ينهي الحرب من دون أي تكلفة سياسية، ولكن مع احتمال أن تبقى «حماس» في الحكم، او الذهاب إلى اتفاق إقليمي مع السعودية بوساطة أميركية. وحتى في هذه الحالة، فإن الحرب سوف تنتهي من خلال صفقة تبادل، ولكن ثمنها سوف يكون على هيئة موافقة إسرائيلية على العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية، التي سوف تعود للسيطرة على غزة.
وجه اخر للمقارنة، هو ان الولايات المتحدة والغرب الداعم لكيان العدو، بدأت تتململ، وتطالب نتنياهو بالانتقال الى المرحلة الثالثة التي يصفونها بانها اقل زخما، وكشف موقع اكسيوس، ان بايدن وغيره من كبار المسؤوليين الأمريكيين يشعرون بالإحباط المتزايد من نتنياهو، ورفضه لمعظم الطلبات الامريكية، وقال احد المسؤلين للموقع: ان الوضع سيء، ونحن عالقون وصبر الرئيس بدأ ينفد.
لكن بالنسبة للمقاومة، ومن حديث المتحدث العسكري باسم كتائب القسام، تحصل على دعم أوسع، يوما بعد آخر، مؤكدا أن مساحة المعركة في الأيام المقبلة ستتجاوز حدود القطاع على نحوٍ أكثر زخماً. وبعد تحيته المقاومة في لبنان واليمن والعراق ونعي شهداءهم، اكد ان على رسائل المقاومة بتوسيع العمليات في الأيام القادمة.
هذه هي الصورة اذن، ثقة وانتصار وثبات لجانب المقاومة، بينما يعيش العدو حالة من التخبط والارباك والشكوك لدى العدو ومن خلفه أمريكا والغرب، بعد مائة يوم من المواجهة، رغم ما نتج عنها من مآس ودماء ودمار.