هكذا أصبح نظام مجلس الأمن الدولي ومن خلفه الداعم والمسيطر الوحيد أمريكا ، ما جعل الفكرة تنفذ إلى كل أعضاء مجلس الأمن الدولي لأن أمريكا هي صاحبة المشروع وهي المهيمنة ، فقد تقدمت بقرار تحدث عن ما أسموه الدفاع من قبل كل دولة عن سفنها التي تمخر البحار ، وأسقطوا تماماً ثقافة الدفاع عن النفس ، باعتبار أن الثقافة الأمريكية تجعل النفوس مُباحة بالذات إذا كانت عربية وعلى وجه الخصوص فلسطينية ، فالدم الفلسطيني في قاموس أمريكا مُباح بل ومشروع ، بينما السفن محمية ولها شروط خاصة عندما تسير في البحار ، أي نظام هذا؟ وأين ذهب قانون المبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية؟ وأين حقوق الإنسان التي يتحدثون عنها؟! ها هو الأمر ينقلب رأساً على عقب وأصبحنا نتحدث عن حق السفن بعد أن سقط حق الإنسان في الحياة وحقه في العيش والسيادة والاستقلال، وأصبح للسُفن قيمة خاصة مُقابل انتهاك حق وحرمة الإنسان .
هذه هي الثقافة التي أصبحت سائدة اليوم !! ومن يريد أن يستفيد أكثر عليه أن يتابع جلسات مجلس الأمن الدولي ، أقول الدولي تجاوزاً أما الحقيقة فقد تحول إلى مجلس الأمن الأمريكي ، فهي التي ترى أن ذبح أبناء غزة أعمال إنسانية وبقاءهم على وجه الحياة أعمال شيطانية ، هذا هو توصيف بلينكن للحقوق والحريات، ففي ما كان يسرح ويمرح في الأراضي المحتلة وأصوات المدافع والصواريخ تدوي في السماء من خلفه، كان الناطق باسم الخارجية الأمريكية يقول إن أمريكا لا توافق على إيقاف إطلاق النار في غزة إلا بعد أن تتحقق أهداف الكيان الصهيوني ، ألم أقل لكم أن الحياة تغيرت والقوانين تبدلت وأصبحت لغة القوة هي السائدة وهي الشيء الذي يحظى باحترام أمريكا ومن سار في فلكها !! والغريب أننا نسمع أشخاصاً في غزة وفي الدول المحيطة بها لا يزالون يراهنون على المجتمع الدولي وعلى مجلس الأمن وعلى أمريكا بالذات، وهم يعلمون علم اليقين أن تل أبيب هي واشنطن وواشنطن هي تل أبيب ، وإذا انحدر الموضوع قليلاً فيضاف إليهم لندن وبرلين وباريس، كل هذه الدول تخدم غاية واحدة وهي حماية الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية المحتلة ، أقول الكيان الصهيوني وفق التوصيف الذي وضعه وزراء الإعلام العرب عندما اجتمعوا في الكويت عام 1975م، فلقد حددوا في نفس المؤتمر المصطلحات التي يجب أن يعتمدها الإعلام العربي والإسلامي لهدف نصرة القضية العادلة للشعب الفلسطيني ، فكان القرار بأن تُحذف دولة ما يُسمى بإسرائيل من كل الأدبيات وتحل محلها عبارة الكيان الصهيوني الغاصب ، لكن الأمور والأحوال تبدلت بعد مبادرة كمب ديفيد وبدأ التطبيع منذ تلك اللحظة يسري كسريان النار في الهشيم ، حتى مجلس مقاطعة البضائع الصهيونية الذي كان مقره في دمشق وكان يعقد اجتماعات دورية يحضره ضباط الارتباط من كل الدول العربية ، هذا المكتب أزالوه من الوجود وانمحى أثره بفعل الضغط الأمريكي من قبل أوروبا ، لأنهم كانوا يدركون ما معنى أن تتحول المقاطعة إلى قرار عربي شامل ودوره في إسناد القضية العادلة للشعب الفلسطيني ، لذلك ركزوا عليه حتى تم إسقاطه وكانت مصر هي السباقة في هذا الجانب، فلقد مارست الفعل في العلن بعد أن طبعت مع الكيان الصهيوني ، بينما كانت دول الخليج تمارس نفس الأسلوب في السر وجاءت قنوات الإفك ممثلة في الجزيرة والعربية والحدث وكل القنوات المدجنة لتفرض هذه القاعدة وتحولها إلى أمر واقع ، للأسف الشديد بدأت تتداولها حتى وسائل إعلام محور المقاومة غير مُدركين لخطورتها ودورها في تمييع الحق العربي وإسقاط لاءات المقاطعة التي وضعت مُنذ عقود .
كل هذه العوامل لاشك أنها تضعنا أمام حقيقة هامة تؤكد أهمية ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية ودورها البارز في عودة ثقافة المقاطعة الحقيقية إلى الواجهة واستبدال تلك المصطلحات الزائفة التي دفعت عرب الجنسية إلى السباق على التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني لضمان حماية أمريكا ووضعتها في المحور المواجه للحق العربي .
وعليه فإننا نخاطب كل الشرفاء في الوطن العربي والأمة الإسلامية بأن يسقطوا تماماً من حساباتهم الرهان على ما يسمى بمجلس الأمن الدولي ويعتبروا هذا الكيان مجرد خطيئة من خطايا التنظير البشري الذي فشل تماماً في إيجاد ضوابط تحمي الإنسان من نفسه وتحمي الدول من ذاتها، وبالتالي لابد أن يبحث العالم بالذات في العالم الثالث عن نظام جديد قادر على حماية الضعيف من القوي ، ونصرة المظلوم من الظالم ، هذا إذا كُنا نريد للحياة أن تستمر ويستمر عطاؤها ، لا أن نركن إلى ما يُسمى بتحالفات الازدهار والرخاء فهي مصدر للخراب والدمار .
أقول قولي هذا وأسال الله أن ينصر الحق ويخذل الباطل ، إنه على ما يشاء قدير ، وهو من وراء القصد ..