الكيان الصهيوني.. من أزمة (الحدود) إلى أزمة (الوجود)..؟!

طه العامري

 

 

فجّرت معركة ( طوفان الأقصى) الكثير من الأحداث والتداعيات على الكيان الاستيطاني الصهيوني الذي قضى 75 عاماً على أرض فلسطين محتلا أرضها وطارداً ومشرِّداً ومهجِّراً وقاتلا ومعتقِلاً لشعبها، صاحب الأرض والحق الشعب العربي في فلسطين الذي دفع ثمناً باهضا في معركة الاستقلال التي بدأها في مواجهة الاستعمار البريطاني، الذي غادر فعلا أرض فلسطين بعد أن سلمها لاستعمار آخر هو الاستعمار الصهيوني إيفاءً من بريطانيا لوعدها الذي قطعته للعصابات الصهيونية بجعل فلسطين وطنا قوميا للصهاينة ومن أجل الوفاء بهذا الوعد جاءت بريطانيا في بداية القرن الماضي واحتلت فلسطين ورغم المقاومة العربية للاحتلال البريطاني واندلاع الثورات فقد واجهت بريطانيا المطالب العربية بالسجون والمشانق والتهجير للثوار العرب في فلسطين، حتى عام 1948م حين قامت (بريطانيا العجوز) بتسليم فلسطين وأرضها ومقدساتها للاحتلال الصهيوني بدلاً من تسليمها لأصحاب الحق والأرض، متعمدة لتمرير مخططها التآمري بجعل فلسطين أرض لدولتين عربية و( صهيونية) وقد استأجرت وبدعم أمريكي بضعة دول هامشية في الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي صوتت على قرار تقسيم فلسطين وهو القرار الوحيد الذي قبلت العصابة الصهيونية بجزءا منه والمتصل بحقها في إقامة كيانها، فيما الشق الآخر من القرار القاضي بإقامة دولة فلسطينية لم يعترف به الكيان الصهيوني مستغلا رفض العرب لقرار التقسيم _حينها _ والمؤسف أن العرب الذين رفضوا قرار التقسيم سارعوا بذات الوقت إلى تهجير الجاليات ( اليهودية) من دولهم إلى داخل فلسطين..؟!
على مدى 75 عاماً عمل الكيان على تأمين نطاقه الجغرافي، وهو الذي لم يقر دستوراً له ولم يقر حدوداً له، والمؤسف أن المنظمة الدولية بقرارها منحت الكيان مساحة واسعة من الجغرافية الفلسطينية رغم صغر عدد المستوطنين الصهاينة مقارنة بالمساحة التي منحت لعرب فلسطين وهم أغلبية سكانية وعددهم يزيد ثلاث مرات _حين صدر قرار التقسيم _عن عدد المستوطنيين اليهود أو الصهاينة…؟!
على مدى 75 عاماً ظل العدو منهمكاً في التوسع وسياسية الاستيطان وتأمين حدود الجغرافية التي يستولي عليها بصورة مضطردة، على حساب الأراضي العربية التي حددها قرار التقسيم الأممي..؟!
كانت القوى الاستعمارية الواقفة خلف هذا الكيان قد مكّنته بصورة سريعة من امتلاك عوامل القوة العسكرية، إذ ما أن أعلن عن قيام هذا الكيان عام 1948م حتى سارعت أمريكا ودول أوروبا إلى تقديم كل أشكال الدعم المادي والعسكري والمعنوي ومنحه قدرات عسكرية غربية وأمريكية تجعله في حالة تفوق على كل الجيوش العربية مجتمعة، فقدمت فرنسا مفاعل ديمونة النووي وأحدث الطائرات الحربية والعتاد الحربي ومثلها فعلت بريطانيا وأمريكا، فيما ألمانيا قدمت دعماً مادياً هائلاً للكيان وصل عام 1977م إلى قرابة ( 45 مليار دولار) والذي تصل قيمته الفعلية بسعر اليوم إلى قرابة ( ترليون دولار) ..؟!
تمكّن الكيان خلال الفترة 1948_2010م إلى تحقيق توسع جغرافي بعد أن احتل الجولان العربية السورية وجزءاً من الأراضي العربية في لبنان، وفيما اضطر الكيان على إرجاع ( سيناء المصرية باتفاقية سلام) حيّد بموجبها دور مصر في معركة تحرير فلسطين، فإنه واصل التوسع الاستيطاني واقتطاع المزيد من أراضي الدولة العربية التي حددتها الأمم المتحدة، حيث لم يُبقي منها سوى أقل من 9٪ من أراضي الدولة الفلسطينية التي حددها قرار التقسيم..؟!
بيد أن معركة ( طوفان الأقصى) أخرجت العدو من دائرة الاهتمام ( الحدودي) إلى دائرة أشد خطورة وأشد مرارة على العدو الذي لم يكن يوماً يتوقعها أو يتوقع الخوض فيها وهو القادر الذي لديه التفوق النوعي والتقني والعسكري والحضاري والاستخباري على كل دول المنطقة، وإنه _أي العدو _يتباهي بقدراته العسكرية وتفوقه الذي مكّنه من احتلال أراضي ثلاث دول عربية وتدمير قدراته العسكرية في ستة أيام _ حرب 1967م_ ورغم ما حدث في أكتوبر 1973م إلا أن العدو أستطاع أن يحول الواقعة من هزيمة له إلى مكسب استراتيجي له وهزيمة سياسية للعرب بعد أن أبرم اتفاقية ( كمب ديفيد _المشؤومة مع مصر السادات برعاية أمريكية)..؟!
عَزلُ مصر منح العدو مساحة أكبر من العربدة والغطرسة فذهب إلى العراق عام 1981م وضرب المفاعل النووي العراقي والمجمع الصناعي العسكري، وفي عام 1982م دخل للعاصمة اللبنانية بيروت والهدف تصفية الثورة الفلسطينية، وفعلا عمل على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد أن كان وبدعم أمريكي ورجعي عربي من إخراجها من الأردن عام 1970م بعد (مذبحة أيلول الأسود) والتي شاركت فيها قوات النخبة الصهيونية إلى جانب الجيش الأردني..؟! أعود وأقول أن معركة (طوفان الأقصى) أجبرت العدو ولأول مرة في تاريخيه على أنه ينهمك في التعاطي مع أزمة (الوجود) التي أنسته أزمة الحدود، وأزمة الوجود بالنسبة لهذا الكيان كانت خارج دائرة الوعي والاهتمام، كيف لا، وهو القادر الذي لا يقهره أي جيش عربي ولا يجرؤ أن يتعرض له أي نظام عربي، وهو المتفوق وعلى مختلف الجوانب الحضارية..؟!
غير أن المقاومة أجبرته وقهرته وأذلته وأهانته وعرّته وأسقطت كل أساطيره وأجبرته بالتالي أن ينهمك في التفكير الجاد في (أزمته الوجودية)، الأمر الذي دفع أمريكا وبريطانيا والغرب للهرولة إلى الكيان لشدّ أزره ومساعدته للوقوف على قدمه بعد الصدمة وحالة الانهيار التي أُصيب بها الكيان بكل مؤسساته ليتضح أن هذا الكيان هو حقاً كما وصفه السيد حسن نصر الله، إنه (أوهن من بيت العنكبوت) …؟!
كما أكدت معركة طوفان الأقصى أن تحرير فلسطين لن يأتي، لا عن طريق الجيوش العربية الكلاسيكية، ولا عن طريق المفاوضات والحوارات واستجداء المنظمات الدولية ومجلس الأمن الذين عجزوا عن القيام بدورهم وإن في نطاق البُعد الأخلاقي والإنساني، لكن تحرير فلسطين سيكون على أيدي المقاومة التي أجبرت وحدها العدو على الانهماك في التعاطي مع أزمته الوجودية، ولم تعد فكرة (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)..؟!

قد يعجبك ايضا