الشاعر المرهف والنهر الدافق: الجابري.. مشوار عطاء ملأ الدنيا وأسر القلوب

الثورة / خليل المعلمي

ترجل عن صهوة الإبداع ورحل عن دنيانا أمس الأول الشاعر والأديب الكبير أحمد غالب الجابري بعد معاناة مع المرض عن عمر ناهز 87 عاماً، بعد حياة حافلة بالإنتاج الإبداعي الشعري المتميز، ويعتبر الجابري أحد رواد القصيدة الغنائية في اليمن حيث ترك أكثر من 200 قصيدة غنائية صدح بها أشهر الفنانين اليمنيين أمثال الفنان أيوب طارش والفنان محمد مرشد ناجي والفنان أحمد بن أحمد قاسم وغيرهم من الفنانين اليمنيين في كل أرجاء اليمن وتغنى بها اليمنيون طوال أكثر من ستين عاماً.
وقد نعت السلطة المحلية في محافظة تعز والمؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، وعدد من الكتاب والصحفيين الشاعر اليمني الكبير أحمد الجابري واعتبروا رحيله خسارة كبيرة لليمن، باعتباره أحد أهم الشعراء الغنائيين على مدى عقود من الزمن، والذي نذر عمره وإبداعه للوطن وأثرى المشهد الأدبي والفني والوطني اليمني، بما قدمه من إبداع خالد.
ولد أحمد غالب الجابري في مديرية دمنة خدير بمدينة تعز عام 1936م، تلقى دراسته الأولية في مدينة عدن، ثم سافر عام 1953م إلى القاهرة، وأكمل هناك دراسته الثانوية، ثم التحق بجامعة القاهرة كلية التجارة قسم إدارة أعمال، وتخرج منها 1966م، ثم انتقل إلى مدينة تعز 1972م وعمل بالتجارة، وعين مستشاراً لصحيفة 14 أكتوبر عام 1993م.
وحده الشاعر الجابري حلَّق بعيداً في فضاءات الجغرافية اليمنية، وكتب باللهجات العدنية، واللحجية، والبدوية، والحضرمية، والصنعانية، والتعزية بخصوصيتها الحجرية، فغنّى له الفنانون محمد مرشد ناجي، وأحمد بن أحمد قاسم، وأيوب طارش، وعبد الباسط عبسي، ومحمد سعد عبدالله، ونبيهة عزيم، وطه فارع، وبهجة نعمان، وعصام خليدي، وغيرهم من الفنانين.
ومن أشهر أغاني الراحل الشاعر الجابري قصيدة “لمن كل هذه القناديل” والتي غناها الفنان أيوب طارش، وقصيدة “ أخضر جهيش” والتي غناها محمد مرشد ناجي، وقصيدة “عدن عدن ياريت عدن مسير يوم” والتي غناها الفنان أحمد بن أحمد قاسم، وغيرها من القصائد التي تغنى بها هؤلاء الفنانون وغيرهم من فناني اليمن.
أكثر من 200 قصيدة وعمل إبداعي ما بين موشح وغنائي ووطني ومقاطع ملونة يحويها إصداره الفخم “عناقيد ملونة”، ولقد لخص الشاعر المرهف أحمد الجابري مبكرا نكران الجميع تجاهه في بعض أبيات قصيدته “أضاعوني “حيث يقول:
أضاعوني وهم أهلي وإني ..
إذا ما غبتُ، لا يلقون مثلي،
وكنت أظنهم أهلا ً لحبي ..
فلما جئتُ، لم أظفر بأهلِ..
وكان الفقيد الجابري يعيش طوال السنين الماضية في غرفة بمنطقة ريفية في منطقة الراهدة التابعة إداريا لمديرية دمنة خدير (جنوب شرق تعز)، وسط ظروف معيشية وصحية صعبة، ولخص معاناته الكبيرة في بعض أبيات قصيدته “صومعة الشاعر” في فترة بقائه وحيدا شريدا في كل من عدن والراهدة بتعز:
لي حُجرةٌ.. مثل جحر الفأر أنزله ..
ما ضقتُ ذرعاً به يا ليتهم علموا
يمتد بالشعر، رغم الضيق في سعةٍ..
لكن يضيقُ إذ ما امتد بي قدمُ،
ويتحدث فيها عن ثلاثين عاما قضاها في غرفة صغيرة في الراهدة وحيدا، فما أحزنها بصوت الفنان عبدالباسط عبسي :
لولاك ما كان الهوى يوماً لنا يا راهدة
قد عشتُ فيك منعما وحدي وكنت الشاهدة
مر الزمان ُ ولم تعد أيام عمري واعدة
حيفان لي، أعروق لي، وحدي أنا في الصومعة..
قلبي لمن يا راهدة؟؟ للراهدة..
ومن أشهر قصائده المغناة:
غصب عني
المي والرملة
ويا مركب البندر
على امسيري
ويا غارة الله
واخضر جهيش مليان
يا ناقش الحنا
لمن كل هاذي القناديل لمن
دندني
صنعاء
عدن عدن يا ليت عدن مسير يوم
يا ساحري يا هاجري
من العدين يالله بريح جلاب
يا بدر يا عديني
ألا ياطير يالخضر متى با لقاك الليلة؟
خذني معك
يا صبايا
وغيرها من القصائد التي تجذرت في ذاكرة اليمنيين عبر عقود من الزمن ولا يزالون يرددونها إلى الآن.

قد يعجبك ايضا