أهمية هذه الثقافة وأثر غيابها في واقع الأمة
ثقافة الشهادة وروحية الاستشهاد صنعت طوفان الأقصى الغزاوي الحلقة الثانية واليماني
الفرز والتمييز وأهميته في تنمية الوعي
أجيالنا ومستقبل الثورة الجهادية
ثقافة الشهادة مشروع لتعزيز الروح الثورية الجهادية
الثورة / خالد موسى
الفرز والتمييز وأهميته في تنمية الوعي
ثقافة الجهاد والشهادة من أهم انعكاساتها في ميدان الحياة والتحدي والصراع مع الأعداء من الكافرين والمنافقين أنها تصنع حالة فرز بين المؤمنين والمنافقين، وتشكل حالة تمييز بين الأعزاء المعتزين بعزة الإيمان بالله، وبين الجبناء الحريصين على الحياة القابلين بحياة العبيد و الأنعام، والراضين بحياة الأغنام التي تساق من وإلى حظائرها، وتورد إلى مرعاها، ويقدم لها مأكلها ومشربها حتى يأتي دورها للذبح أو الموت، وشعوب المسلمين اليوم البعيدة عن الثقافة القرآنية والثقلين والمؤمنة بشرعية الأنظمة الطاغوتية المحسوبة على الإسلام، والحاكمة باسم الإسلام هذه الشعوب -مع الأسف-تؤمن بشرعية من لم ينالوا عهد الولاية من الله ممن قال الله عنهم(لا ينال عهدي الظالمين) تلك الأنظمة التي تشعل الحروب والفتن وتقدم القتلى خدمة لليهود والنصارى، وفي الجبهة التي ترضى عنها اليهود والنصارى لا في الجبهة التي يرضى عنها الله.
«فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا».
إن القرآن الكريم ببصائره وبيانه ونور آياته الهادية إلى الصراط المستقيم وإلى سواء السبيل يمثل الزاد الإيماني لكل المجاهدين الذين يطلبون إحدى الحسنيين ويخوضون الغمرات، ويأنسون بالموت ولا يمكن أن يضعف إيمانهم، ويقل وعيهم مهما كانت الدعايات والأراجيف بل إن وصايا الشهداء، ومشاهد تضحياتهم واقتحاماتهم، وعباراتهم الخالدة كفيلة بصناعة وعي عال وقوي تسقط أمامه كل العوائق والأكاذيب وتتلاشى معه وساوس شياطين الإنس والجن قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ.
إن حالة الفرز تتجلى أكثر عند احتدام المواجهة بين الحق والباطل، وبين قوى الخير والشر، وبين المستضعفين الواعين والمستكبرين المضلين الذين يزينون طغيانهم بعناوين براقة، وشعارات زائفة، ويقدمون أنفسهم كمصلحين حريصين على مصالح الناس كما يفعل طغاة وفراعنة اليوم سيرا على خطى فرعون بني إسرائيل الذي وثق الله موقفه الكاذب في القرآن ليكون درسا مهما لمعرفة خطاب الفراعنة: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ.
لقد كشف القرآن الكريم حالة الفرز، وأظهر ما تكنه صدور المنافقين ومرضى القلوب، ووثق ما سيتنطق به ألسنتهم من كلمات، وتتداوله ثقافتهم المنحطة من عبارات سيئة تقلل من عطاء الشهادة، وتطعن في ثقافة الاستشهاد قال الله تعالى: الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
وقال عنهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ* وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.
فحالة الفرز بين المواقف الإيمانية لعشاق الشهادة وعشاق الحياة الدنيئة قائمة والمنافقون لا يكتفون بالحياد، والسعي لإضعاف الروح المعنوية لعشاق الشهادة، والمحبين للقاء الله بل يسعون بخبث ومكر إلى لوم المجاهدين بعد عودتهم أو زيارتهم من المعركة أو الجبهة، وضرب نفسياتهم واستدراجهم والوصول بهم إلى الشعور النفسي بالندم على الجهاد في سبيل الله.
أجيالنا ومستقبل الثورة الجهادية
مستقبل الثورة الجهادية ومسار التحرك الثوري ضد الظلم والظالمين، والطغاة المستكبرين يجب أن يبقى خالدا وحيا وإرثا بين الأجيال تتوارثه جيلا بعد جيل إلى يوم القيامة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الارتباط الروحي، والتمسك الواعي بالقرآن وقرناء القرآن السابقين بالخيرات الذين قدموا للأجيال إرثا جهاديا مقدسا، وتجربة ثورية عظيمة، ومنهجا نضاليا أسهم في إعادة صياغة التاريخ، وأثمر حرية للمستضعفين.
مستقبل الثورة الجهادية مرتبط بمدى ومستوى المحبة والتولي الصادق لصفوة البشرية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أصلحوا فساد الأمة، وأنقذوها من الهوان والذلة في المنعطفات التاريخية الحساسة وعلى رأسهم الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة الذي ترك للأجيال والشباب إرثا كبيرا من الإباء والشموخ والصمود والصبر والتحدي إرثا بقيت حيويته عبر القرون رغم كيد الكائدين وسعي الساعين لمحوه إلا أنه وصل إلى الأجيال كمشروع ثوري ونموذج جهادي راقٍ تستلهم منه الأجيال دروس الخلاص والانعتاق من المستكبرين كل المستكبرين على مستوى ساحة الإسلام الداخلية والخارجية، وهذا الحضور الثوري له شواهده ومصاديقه العملية في واقع اليمن والأمة، على مستوى حيوية المشروع القرآني والمسيرة القرآنية، وعلى مستوى محور المقاومة ورجالها الحسينيين الكربلائيين الذين يرفعون شعار “هيهات منا الذلة” ويتمثلون قول الشاعر في الاستهانة بالخطوب والمخاطر.
وإن لم يكن إلا الأسنة مركباً **فلا يسع المضطر إلا ركوبها.
تساؤلات أخيرة
كيف وصل اليمن إلى المستوى القوي والموقف المتقدم الذي يؤهله لضرب الكيان الصهيوني؟
كيف أصبح اليمن مصدر قلق ورعب للأعداء؟
بفضل من؟
وبجهود من؟
وبإعداد من؟
وبتحرك من؟
من الذي أسس لمثل هكذا مواقف وقرارات وخطوات تغيظ الأعداء؟
وماذا يعني أن تصبح اليمن وقيادتها وأنصارها قوة كبرى تهدد وتكون عند مستوى وحجم التهديد لأمريكا وإسرائيل؟
ماذا يعني ألا نبالي بتهديد ووعيد أمريكا والغرب الكافر؟
ما هي الثقافة التي أهلت أنصار الله قادة وأفرادا وشعبا ليكون بهذه الشجاعة والجرأة والإقدام؟
الإجابة على كل التساؤلات
إنها التربية الإيمانية للثقافة القرآنية التي تربي رجالها على مائدة القرآن والتمسك به والتولي والتسليم لأعلامه الهداة الذين يربون الأمة على العزة والكرامة والتضحية والفداء وإعلاء كلمة الله وإقامة دينه.
إنها ثقافة الشهادة التي تشهد الحقائق والوقائع والأحداث على أنها الثقافة التي تجعل للحياة قيمة وقوة وفاعلية وأثرا يمتد من الحياة الدنيا إلى الحياة الأخرى وصدق الله القائل: وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ.
* عضو رابطة علماء اليمن