فيما تزيد أمريكا من رصيد بيانات الإدانات المتشنجة، تزيد القوات المسلحة اليمنية في عملياتها البحرية من رصيد العمليات العسكرية ضد أهداف الكيان الصهيوني.
ومع كل عملية لقواتنا البحرية أو سلاحنا الجوي تتآكل أكثر؛ الخيارات أمام الكيان الأمريكي، وتتضاءل حيثيات التبرير لاتخاذ أي خطوة حمقاء تجاه اليمن، فكل الظروف ضدها، كما أن تسعة أعوام من العدوان كانت كافية لأن تتشكل لديها قناعات راسخة بأن اليمنيين عصيون على التهديد، ففي ذروة المعاناة من القصف والحصار خرج اليمنيون بصوت واحد: «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل» و”هيهات منا الذلة».
وإلى ذلك فإن، افتقار مجرد التفكير بارتكاب أي حماقة، إلى الدوافع الموضوعية، يزيد من تعقيد اتخاذ قرار من هذا النوع، فضلا عن أنه يشكل فعلا انتحاريا، ستفقد معه أمريكا الكثير من المصالح، والهالة التي خدعت بها أنظمة الارتهان لعقود.
الفشل في تجاوز هذه الحقائق كما يبدو هو الذي يصنع هذا الارتباك والمناخ المتوتر في مفاصل الإدارية الأمريكية، وهو الذي يمثل سندا موضوعيا لظهور التحليلات الأمريكية والدولية على ذاك النحو الذي لاحظناه خلال الأيام الماضية، والتي تصفع واشنطن بحقيقة أن اليمن لا يخضع للتهديد، وقادر على المواجهة، وأن المآل الذي يمكن أن تصل إليه أمريكا من أي تصعيد مع اليمن لن يكون إلا الخزي.
أمريكا منذ البداية اعتمدت سياسة التهويل والترهيب بأمل أن يحقق ذلك، الردع الذي تأمله للقوات اليمنية كي تتوقف عن الاستمرار في استهداف الكيان وسفنه التجارية، ولما فشلت هذه الطريقة التقليدية، بدأت بتحركات خجولة، من الدعوة لتحالف، مات قبل أن يولد، الى تحريض الكيانات الموالية له في المنطقة لإشغاله، إلى التهديد بعودة حرب التحالف العقيمة.
أمريكا التي تحترق حاليا وهي تحاول تجديد سياسة الهيمنة على الجزيرة العربية والشرق الأوسط بسبب مخاوفها من نجاح روسيا والصين والدول المناهضة لسياستها في سحب بساط النظام العالمي من أسفلها، تدرك أن أي تصعيد تلجأ له لن يكون في صالحها وسيفقدها ما بقي من الهيبة الدولية.
أما إذا تصدّر الكيان الصهيوني مشهد الفعل عملا بتهديدات النتنياهو المحمومة، وهو الذي يترنح داخل كيانه المحتل من شدة ضربات المقاومة، وذهب لتنفيذ وعيده بالتحرك للدفاع عن مصالحه حسب أباطيله فإنه حينها سيكون على أمريكا ان تبلع لسانها وأن تنزوي في احدى الزوايا، وتفكر فقط في كيفية الخلاص من المأزق، إذ أن عمليات صنعاء قد تشهد تصعيدا أكبر يرتفع معه سقف المطالب اليمنية أكثر فلا يقف عند حد السماح بدخول المساعدات إلى غزة وايقاف العدوان، وإنما إنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والخروج من المنطقة، وحينها سيقف كل العالم الحر مع هذه المطالب.
ومنذ اليوم الأول لعدوان الصهاينة على غزة، كان موقف صنعاء واضحا، وهو رفض وإدانة الهجمة الوحشية ضد الفلسطينيين، معلنة وبوضوح الدخول في معركة «طوفان الأقصى»، وهي بذلك لم تكن معتدية، ولم تتجاوز القوانين الدولية كما تفعل أمريكا وإسرائيل، ولكنها خالفت أو تمردت على ما يمكن الاتفاق بأنه انقلاب عربي على القضية الفلسطينية، بعد أن صارت الأنظمة إلى بلكونات المشاهدين تتابع العروض اليومية لمسلسل الإجرام الصهيوني المنفلت من كل القيم والأعراف ومن أخلاقيات الحروب.
لم يكن بالإمكان القبول بالتماهي مع الرغبة الأمريكية لتمكين العدو من حرية العبث بحياة الفلسطينيين دون اي رادع، كما لم يكن بالإمكان التعامل مع الكيان الصهيوني المختل كسلطة فوق القوانين والمبادئ الدولية بحيث يستمر بانتهاكات إلى ما لا نهاية بلا أي عقاب، لذلك تحركت صنعاء حاملة هَمّ القضية انتصارا للمستضعفين، وترجمة لإيمانها بأن ذلك حق وواجب، مع استيعابها لما يعنيه ذلك وما سيثيره من مواقف ضدها من قبل أمريكا ومن هُم في صفها، ولهذا ظهرت ثابتة على موقفها رغم كل التهديد والوعيد.