بأي حال، لا يمكن القبول باستمرار هذه العربدة الصهيونية في الأراضي الفلسطينية دون أن يكون هناك رادع، تستمر المجازر بحق النساء والأطفال وتستمر المأساة بمنع كل وسائل الحياة، لا ماء ولا غذاء ولا غاز ولا وقود لتشغيل مضخات المياه، وأجهزة المستشفيات ولا دواء, حتى مسكّنات الألم والمضادات الحيوية ممنوعة من الدخول الى غزة لينكشف زيف الشعارات الدولية.
كل المواثيق والقوانين والمبادئ والبروتوكولات انهارت في فلسطين على أيدي الفاشيين والنازيين من بني صهيون، فأي حصانة هذه التي يتمتع بها الكيان، حتى مع رفض دول محسوبة على أمريكا وأوروبا، كإسبانيا وفرنسا وبلجيكا لكل هذه الجرائم، يتجاوز قادة الكيان كل ذلك ويستمرون.
أصبح الأمر يدفع بالضرورة الى وقفة دولية لمراجعة تحديث النظام العالمي واستئصال نتوءاته المشوّهة لقواعد التعايش العالمي والانتصار فيه للقيم الانسانية، وبحيث يواكب ذلك انهاء حالة الاستقواء لدول الشيطان، وأمريكا على نحو محدد، التي تعيش على الدعاية والبهرجة والإبهار، صار الوقت لأن يتم تحجيم تأثيرها وإنهاء كذبة القوة التي تتمتع بها، فهي لا تُذكر إلا بحالة الخضوع التي تتسم بها باقي الدول، ضعيفة الإيمان بذاتها.
في فلسطين المحتلة يستغل النتنياهو هذه الحالة العالمية التي يُسيّرها اللوبي الصهيوني الأمريكي ليستمر في قتله للحياة، بل ويؤكد استمرار عمليته حتى إنهاء أي نبض مقاوم للاحتلال، فيما بعض قادته يدعون لاستخدام السلاح النووي لإبادة الشعب الفلسطيني، بينما يفضّل البعض الآخر التهجير لهم من أرضهم، وبالتزامن تقتل القنابل الأمريكية المئات يومياً، ثم يظهر بايدن ليتحدث صراحة أنه لا مجال حتى لحل الدولتين، لأن إسرائيل لا تريد، وهي ضمنياً رغبة أمريكية.
في سبتمبر/ أيلول 1993 خدّرت اتفاقية أوسلو الأنظمة العربية، فذهبت هذه الأنظمة تحتفي بما اعتبرته انجازاً ونهاية منصفة للنضال الفلسطيني من أجل نيل حريته والاستقلال بدولته، حين اقتضت الاتفاقية حل الدولتين، والصحيح أن الاتفاق المشؤوم مثّل شرعنة لوجود الكيان في أرض لا تمت له بصلة، ومع ذلك ووفق ما قاله بايدن حرفياً، يرفض الكيان حل الدولتين، وهذه البجاحة ماهي إلا انعكاس طبيعي لحالة التنمر على الاتفاقات التي استكانت فيها وإليها، الأنظمة العربية لتتخلص من القضية التي أحرجتها كثيراً وكشفت عورتها وعجزها عن مواجهة عصابة صنعتها دول الغرب لإرهاب المنطقة.
واليوم أصبح العرب يبحثون عن أمان فقط للشعب الفلسطيني ولو في ظل الاحتلال، المهم هو أن يتخلصوا من هذه القضية التي تمثل لهم (وجع رأس)، ولذلك ذهب الكيان الصهيوني يبطش كيف يشاء ويعيد رسم جغرافيا الأرض المحتلة حسب مخططات الإحلال للصهاينة بدلاً عن أصحاب الأرض، وذهب ينهش بمستوطناته من أراضي الضفة والقطاع وصار للمستوطنين غلاف مستوطنات والفلسطينيين في مآوي للنازحين، ضارباً بذلك اتفاق اوسلو عرض الحائط، دون اعتبار لأي نقد.
ومع التحرك اليمني العملي الجاد انكشفت هشاشة النظام الدولي، وتبيّن أن استرجاع الأرض المحتلة مسألة لا تتطلب إلا التفافاً عربياً وإسلامياً ليخرج فيها المحتل ولتُذعن أمريكا وحاشيتها للإرادة العربية.
حتى الآن كل الشارع العربي تقريباً مؤيد للضربات اليمنية، كما هناك أيضا أنظمة مؤيدة، لكنها تخفي ذلك لأنها رهنت معيشتها على المعونات الخارجية، وأخرى باعت سيادتها وقرارها مقابل استمرارها في الحكم.
رغم هذا، تحركت اليمن وهي تعلم بكل هذه الظروف ولم تعوّل على الأنظمة بقدر تعويلها على الله سبحانه أولا ثم قدراتها الرادعة وصوت أبناء الشعب اليمني والشعوب العربية الحية.
ولأن تحرك اليمن لم يكن لجني مكاسب وإنما عن قناعة وإيمان بضرورة ردع هذه الغطرسة الأمريكية الصهيونية وإنهاء حالة الاستضعاف للشعب الفلسطيني والعبث بحياته من قبل الاحتلال ودول محور الشر، وفق مخطط القوة الاستعمارية، لذلك لا يعني اليمن أن تحشد أمريكا ما تحشد وأن يُرعد الكيان ما أرعد، وما عاد الأمر بالنسبة لليمنيين يقف عند حد إنهاء الحصار والعدوان وإنما إنهاء الاحتلال.. والمعركة مستمرة.