الاستعمار الدولي في البحر الأحمر.. يظهر من جديد

أ . د منصور الزنداني

 

 

يا قادة الدول الغربية الكبرى وبلا تحية :
منذ أشهر تحالفتم مع الصهاينة ضد غزة وقلتم أنكم لستم ضد الفلسطينيين وإنما أنتم ضد حماس ، تظنون أنكم أذكياء ، وكأن قيادة وأعضاء حماس قدموا إلى فلسطين من كوكب آخر ؟!
وكأن الشعب الفلسطيني لن يدعمها ولن يقف معها في طريق تحرير فلسطين ؟!
كل فلسطين ، وذلك ما خيب ظنكم ؛ لأن الأمر ذهب بعيدا عن مناوراتكم الفاشلة منذ أول لحظات تدخلكم ضد المقاومة الفلسطينية في غزة ، وأصبحتم أسرى ظنونكم التي أوقعتكم مع من تحالف معكم ومع الكيان الصهيوني في مستنقع غزة الذي كسر هيبتكم وغطرستكم أمام شعوبكم وأمام العالم أجمع.
واليوم عاد غباؤكم المعهود من جديد، تتحالفون كما تزعمون ضد فصيل سياسي يمني وليس ضد اليمن ، غير أنكم تخطئون كالعادة، فأنتم تتحالفون بنظرة استعمارية واستعلائية وهمجية وبمخالفة للقانون الدولي ضد اليمن لتسلبوها حقا من حقوقها السيادية الطبيعية المتمثل في سيادتها على مياهها الإقليمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وبحر العرب ، وتتباكون أن اليمن هي التي سببت قيام تحالفكم العسكري لأنها تمنع السفن من مواصلة إبحارها إلى وجهتها في ميناء ايلات المحتل من قبل الكيان الصهيوني ؛ مع أن قواتكم الدولية المشتركة 153 و 152 و 151 والمكونة من 39 دولة على رأسها :
أمريكا وبريطانيا وفرنسا والهند وإيطاليا وإسبانيا وكندا وأستراليا واليابان وسيشل والنرويج وهولندا واليونان وباكستان والبرتغال وتايلاند وتركيا ونيوزيلاندا وكينيا والفلبين وسنغافورة مع عدد آخر من الدول العربية وغيرها يدعمها أيضا أكثر من عشرين قاعدة عسكرية في جيبوتي وأخرى في كينيا والصومال.
إن هذه القوات وتجمعها بالقرب من مياه اليمن الإقليمية ليست جديدة بل هي موجودة من سنوات عديدة ، وفي الحقيقة أن هذه القوات المنتشرة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب هي التي تهدد الأمن القومي اليمني ، وهي التي تهدد سلامة الملاحة في البحر الأحمر .
وبرغم أننا في اليمن نمر بأزمات وطنية كبيرة نتيجة لخلافاتنا الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية إلا أن اليمنيين جميعا لا يختلفون في القواسم الوطنية المشتركة ومنها مسألة سيادة اليمن على برها وبحرها وجوها ، وأيضا نحن الشعب اليمني مجمعون في موقفنا الثابت في دعم اشقائنا في فلسطين حتى تتحرر أرضها من المحتل الكيان الصهيوني .
وكفصائل سياسية وطنية قد نختلف ونتفاوض لحل خلافاتنا من أجل مصلحة الوطن ، إلا أننا اليوم نجد أن العامل الدولي قد ذهب إلى ما هو أبعد من مسألة سلامة الملاحة البحرية في البحر الأحمر ، لقد وصل الأمر إلى مسألة استعمار البحر الأحمر بما في ذلك المياه الإقليمية لليمن ولكافة الدول العربية المطلة عليه والتحكم فيه خدمة للكيان الصهيوني .
اليوم اليمن في حالة مواجهة حقيقية مع الاستعمار الدولي الجديد ، وفي مسألة الانتصار لغزة ولأبنائها ، والمسألة لم تعد مسألة خلافات في وجهة النظر الحزبية بين أبناء اليمن ، انما نحن أمام أطماع استعمارية جديدة ، اليمن هو هدفها مما يوجب على الجميع وقف الحرب في اليمن والتوجه الجاد والصادق نحو صناعة سلام بإجماع وطني يمني دائم .
إن الشعب اليمني كله ليس له الآن إلا موقف واحد يتمثل في إيماننا المطلق بسيادة الجمهورية اليمنية ، والعمل على مواجهة المستعمر القادم من الغرب مع حلفائه ، والوقوف مع المقاومة الفلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني المحتل للأرض العربية الفلسطينية ، والذي يمارس أبشع الجرائم ضد الإنسانية في حرب مجنونة ظالمة في حربه على غزة وعلى أبنائها .
ولذلك نحن في اليمن ننظر أن تحشيدكم العسكري المضاف إلى التحشيدات السابقة في مياهنا الإقليمية هو تهديد لأمننا القومي ، كما هو تهديد صريح لا لبس فيه أيضا للأمن القومي العربي ولدول القرن الأفريقي .
إن أساليبكم اليهودية الصهيونية الشيطانية الشريرة هذه المرة لن تنفعكم لا في غزة ولا في اليمن ولا مع الشعوب العربية والإسلامية أو مع الجوار الإفريقي مهما كذبتم أو لفقتم من سرديات ، فقد عرفناكم جيدا فأنتم الخطر الحقيقي على السلم والأمن الدوليين في هذا العصر ، وتحالفكم شريك أساسي في حصار غزة وقتل نسائها وأطفالها ، وأنتم لصوص الأوطان ، عبيد الصهيونية العالمية ، وتحالفكم مهما أخفيتم من أسرار هو واضح لنا بأنه ضد اليمن وضد كل أبنائه ، وهو تجمع الشر المبتذل لنصرة الكيان الصهيوني ، كما أنه ضد غزة التي سالت دماء أبنائها على أيديكم جميعا .
إن تجمعكم الاستعماري الجديد أو كما تسمونه بـ « تحالف الازدهار» هو بالنسبة لنا تحالف الشيطان ، وهو لا يرهبنا ، على العكس من ذلك فهو يؤكد لنا في اليمن أننا على حق لأننا في اليمن ، وأيضا في كل أقطار العالم الثالث أصبحنا نعلم أن القاعدة السياسية تقول: ( اينما وقفت أمريكا أو الصهيونية العالمية فعليك أن تقف في الجانب الآخر منها ) ، لذلك نحن اليوم نقف مع من يدعم غزة ويعمل على وقف الحرب فيها ومع من يرفع الحصار عن أبنائها ويوصل لهم الماء والغذاء والدواء وسنستمر على هذا الاختيار ، لأن أمريكا وحلفاءها قد وقفوا مع الكيان الصهيوني المحتل للأرض الفلسطينية ، ولأن هذا الكيان هو العدو الصهيوني القادم من الغرب والشرق بهدف اغتصاب أرض ليست له بقوة السلاح وبدعم أمريكي وأوروبي ويمارس الجرائم بكل أنواعها وأشكالها ، وهو الإرهاب بعينه وبكل معانيه وهو قاتل الأطفال والنساء .
إنه عدو ليس فقط للشعب الفلسطيني بل للإنسانية والشعوب الحرة .
أيها المتحالفون المحتشدون في البحر الأحمر أنكم أنتم من يعلن الحرب على اليمن ، وأنتم من يعتدي على مياهها الإقليمية ، وأنتم من يهدد الأمن والسلم الدوليين في البحر الأحمر والمنطقة كلها ، وأنتم من جاء يشعل حربا لأننا لم نكن معكم ضد اشقائنا في فلسطين ، وأنتم تعرفون بكل تأكيد أن موقف اليمن ليس مخالف لمبادئنا ولا يكسر قواعد القانون الدولي ولا يهدد الملاحة البحرية في البحر الأحمر .
إن حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا مع ( إمارة مملكة البحرين العظمى ) قد وقفتم جميعا مع الكيان الصهيوني ووضعتم كل إمكاناتكم البشرية والعسكرية والمادية تحت تصرفه ، وتعلنون الحرب على اليمن كوكلاء مستأجرين له ، وقبل ذلك شاركتم العدو الصهيوني في جرائمه ضد الإنسانية في غزة ولا زلتم ، ولم تردعكم لا قوانين دولية ولا أخلاق ولا مكارم شعوبكم الذين خرجوا بالملايين ضد العدوان البربري على غزة وعلى أبنائها .
لكننا نقول لكم إننا في اليمن لا نرى تحالفكم الاستعماري الجديد ضدنا في البحر الأحمر وفي مياهنا الإقليمية إلا غثاء كغثاء السيل ليس له نفع أو قرار ، وسيفشل عاجلا ام آجلا ، وإن النصر عليكم هو بين أيدينا وهزيمتكم في منطقتنا هو من سيعجل النصر لفلسطين كل فلسطين وسيهزم جمعكم وعداً علينا لن نخلفه إن شاء الله ، لأن هذا الوعد هو وعد الشعب اليمني بكل أطيافه ومن خلفه كل الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم ، فلا تغركم قوتكم ، فاليمن مروِّض الإمبراطوريات العالمية وهو هازمها عبر التاريخ .
لقد جربتم قوتكم المدمرة في غزة وتحالفتم عليها وجمعتم جمعكم واستقدمتم مرتزقتكم من مناطق عديدة من العالم وجهزتم ( سيوفكم الحديدية ) وبوارجكم وغواصاتكم ومئات الطائرات الحديثة وعشرات الآلاف من الصواريخ والقنابل ( الغبية ) والسفن والغواصات النووية ، وحاصرتم أهلها ومنعتم عنهم الماء والغذاء والدواء .
( أي ظلم هذا الذي تصنعونه ؟! ) أي قانون دولي أو قانون دولي إنساني يجيز لكم ذلك ؟!
دمرتم أرض الرباط بكل ما أوتيتم من أسلحة ، فجَّرتم بيوتها ومساجدها ومشافيها ومدارسها وجامعاتها ، وقتلتم عن قصد الأطفال والنساء والصحفيين والأطباء والمدنيين والمدرسين والمزارعين بكل خسة وحقارة ورفضتم وقف الحرب ورفضتم السلام بهدف التهجير القسري لمن بقي جريحا أو معاقا من أبناء غزة .
قتلتم علماء غزة وأساتذة الجامعات فيها ، قمتم بكل ما هو دنيء ، قتلتم الأسرى والجرحى ولم تُبقوا لأخلاق الحرب وقوانينها شيئاً يذكر .
واستعجلتم الأمر لتتحركوا إلى المياه الإقليمية اليمنية لأنها أوقفت سفينة تتبع الكيان الصهيوني ومنعت بعض السفن من الوصول إليه لغاية إنسانية تتمثل في الطلب منكم فك الحصار على أبناء غزة وإيصال الدواء والغذاء لهم .
لقد شهدت عليكم شعوبكم وشعوب العالم أجمع ، وشهدوا على وحشيتكم وخبثكم ، وخياناتكم وإجرامكم لا فرق بينكم وبين هتلر ونازيته العنصرية .
أنتم الاستعمار الدولي الجديد نازيون بالأصالة مارستم جرائم حرب وإبادة جماعية حتى الثمالة ضد شعب محاصر لأكثر من عشرين عاماً برعاية ومشاركة من مؤسساتكم الوطنية والإقليمية والدولية الرسمية منها والأهلية وتحت إشراف مباشر من زعمائكم وأعلنتم صهيونيتكم أكثر من الصهيونية العالمية ذاتها ، ومع ذلك كله فقد صمد أبناء غزة أمام غطرستكم وعنصريتكم وهم قلة القلة في العدد والعدة ، وهاهم يوما بعد يوم يقتربون من النصر العظيم الذي يستحقونه بكل جدارة وأنتم تتجرعون الذل والهزيمة القاسية التي لم يسبق لها مثيل .
نؤكد لكم أننا في اليمن مع غزة سنستمر في ذلك حتى يستعيد الشعب الفلسطيني ارضه المغتصبة ، ونحن ضد الظلم اينما كان ، ذلك هو عُرفنا نُصرة المظلوم وتلك هي أخلاقنا النبيلة .
وطالما وقد شكلتم تحالفكم المشؤوم ضد اليمن فقرارنا الجمعي هو مواجهتكم إن اعتديتم علينا لتتعلموا من ذلك درسا تطبيقيا لم تعرفوه أبدا في جميع حروبكم على العالم التي بلغت المئات من الحروب في كل القارات خلال القرن الماضي ومطلع القرن الواحد والعشرين .
لقد أخطأتم أيضا هذه المرة خطأ كبيرا وخالفتم قواعد القانون الدولي وفشلتم في تمرير قرار عبر مجلس الأمن يشرعن تحالفكم ضد اليمن . فعدتم لتشكيل حلف دولي خارج الشرعية الدولية ، إنكم بذلك تسقطون شرعية وأساس النظام الدولي المعاصر.
يجب عليكم أن تعودوا إلى رشدكم وإلى الحق المسطور في قوانينكم الدولية ، خاصة وأن اليمن لم يمارس إلا حقاً من حقوقه التي شرعها القانون الدولي والتي تؤكد للجميع أنه في حالة العداء أو حالة الحرب مع دولة أخرى ، فله منع سفنها الحربية بل والمدنية من المرور الآمن أو البريء عبر مياهها البحرية الإقليمية وله أن يوقف السفن التجارية المشتبه بها للتفتيش حتى تلك التي تحمل سلعاً مدنية قد يستفيد منها الطرف الآخر في حربه معها والمهدد لمصالحها ، وفي هذه المسألة هذا الطرف الآخر هو الكيان الصهيوني الذي اخترتم أن تكونوا شركاء له في عدوانه على غزة وأهلها وفي تهديده المستمر الذي لم يتوقف بإعلانه المستمر بشن حرب على اليمن ومياهها الإقليمية ، وقد صرح بذلك كل مسؤولي الكيان الصهيوني بما في ذلك رئيس حكومتهم المجرمة ، وأنتم الآن شركاؤه في حربه وفي جرائمه العنصرية ضد غزة وأبنائها وفي تحالفكم معه ضد أمن اليمن وضد حقوقه السيادية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب وخليج عدن ولن نقبل منكم ذلك وعدوانكم على اليمن ليس له أي مبرر أخلاقي أو قانوني والمبرر الوحيد الذي نعرفه هو أنكم تعملون بكل إصرار فقط على حماية الكيان الصهيوني حتى لو حاربتم العالم ، ولكم مثال في ذلك أن العالم صوت في الجمعية العامة الأمم المتحدة بـ153 صوتا لوقف الحرب في غزة والبعض منكم وهي عدة أصوات صوتوا لصالح استمرار الحرب والبعض منكم أيضا بلع صوته وغادر القاعة .
إنها الحضارة الغربية الأمريكية الصهيونية ذات الطابع الاستعماري لم تتغير ولم تتبدل ، وما يؤكد ذلك هو كيف منعتم مجلس الأمن الدولي من القيام بمهامه الموكلة إليه بحسب ميثاق الأمم المتحدة عندما وقفت أمريكا وحيدة حين استخدمت حق الفيتو لتعطيل قرار يدعو إلى وقف الحرب على غزة .
وأخيراً نقول لكم: العالم يتغير من حولكم ، أعيدوا نظرتكم السادية تجاه شعوب العالم الأخرى .
الأمن والاستقرار والسلام والتنمية بأبعادها الكونية غايات غالية ، اذا عرفنا وسلمنا بأن العالم ليس أمريكا وحلفاءها فقط ، كما أن أمريكا وحلفاءها ليسوا كل العالم .
*عضو مجلس النواب اليمني- أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ـ جامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا