حين أعلنت صنعاء- وعلى لسان قائدها سماحة السيد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي- نصرة الأشقاء في قطاع غزة في مواجهة العدوان الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا، لم يكن يستعرض كبقية القادة العرب والمسلمين الذين يوظفون قضية فلسطين لتحقيق مصالح سياسية خاصة، أو لتسخيرها في حملات العلاقات العامة، بل كان موقف سيد اليمن وقائدها ينطلق من قناعة ومسؤولية قومية وإسلامية وأخلاقية، قناعة تؤمن أن فلسطين قضية محورية للأمة وأن الواجب الاصطفاف إلي جانب أشقائنا في فلسطين في مواجهة عدوان صهيوني عالمي، عدوان لم ينحصر بين الصهيوني المحتل لأرض فلسطين وبين أهل الحق والأرض الواقعين تحت الاحتلال ومن تكفل لهم كل القوانين والتشريعات الدولية حق مقاومة المحتل، بل اصطف صهاينة العالم بكل قدراتهم المادية والعسكرية والاستخبارية، بما في ذلك أساطيلهم وبوارجهم البحرية وطائراتهم وأقمارهم الصناعية، مُحْكِمين الحصار على قطاع غزة ومن فيها من الأطفال والنساء والشيوخ وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة من أطعمة ومياه وأدوية ووقود، وأمام العالم الذي التزم الصمت يرتكب الأعداء مجازر بشعة يندي لها جبين الإنسانية، هذا إن كان في هذا العالم بقايا إنسانية..!
لم يتوقف الأمر هناء بل ذهب صهاينة العالم- ممثلين بأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإلى جانبهم طبعا كيانهم اللقيط- يهددون أنظمة دول جوار فلسطين وقطاع غزة ويهددون دول العالمين العربي والإسلامي من مغبة تقديم أي شكل من أشكال الدعم المعنوي والمادي والإنساني لمواطني فلسطين في قطاع غزة، بما في ذلك تحريم إدخال الغذاء والمياه والأدوية والوقود، وكأن الصهيونية العالمية قد أصدرت حكمها بإعدام الشعب العربي الفلسطيني ليس في قطاع غزة- الذي يعد إيقونة النضال والمقاومة- بل وفي الضفة والقدس وكل أراضي فلسطين..
من هذا المنطلق جاء موقف اليمن، ممثلا بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي بإعلانه الانخراط الميداني لنصرة شعب فلسطين ومقاومته المشروعة، مؤمنا أن المدى المتاح لليمن في ترجمة هذا الاصطفاف يتمثل في استهداف السفن الصهيونية في المياه العربية ولليمن في البحر الأحمر وعليه سيادة أهملتها عمالة وارتهان وتواطؤ نظام سابق، هذه السيادة البحرية كانت أحد أسباب تصفية الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي ونظامه حين فكّر في فرض السيادة اليمنية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب..!!
اليوم الأمر مختلف في صنعاء والهوية والتوجه والإرادة والتحكم بالقرار السيادي الوطني، صنعاء اليوم ليست صنعاء التي كانت عام 1977م ولا هي صنعاء التي عرفت حتى عام 2014م، بل إن صنعاء عام 2023م تختلف بكل المقاييس عن صنعاء التي عرفها العرب والعالم، لهذا جاء موقفها في الانخراط في معركة طوفان الأقصى انطلاقا من ثوابتها الراسخة وإيمانها المطلق بعروبة وإسلامية المعركة، وليكن البحر الأحمر وباب المندب أول المتارس في المعركة ولتذهب الصواريخ والمسيرات اليمنية إلى عمق الأراضي المحتلة داخل الجغرافية الفلسطينية، لتدك معاقل العدو، وبغض النظر عن التأثير المادي وما قد تخلفه صواريخ ومسيرات اليمن فإن الموقف المبدئي كاف لإحداث التأثيرات المعنوية في قلب العدو بغض النظر عن المدى الذي قد يذهب إليه رعاته من صهاينة العالم وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا الذين أعلنوا مؤخرا أنهم يبحثون عن ( محارم) ترافقهم لحماية الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وخطوة كهذه ستضع هذه الأطراف و( محارمها) من الخونة والعملاء في دائرة الاستهداف المؤلم، لأن صنعاء حينها قد لا تستهدف بالضرورة أرتال الحراسة المفترضين في البحر والمضيق وإنما سيكون أمامها متسعا ومديات رحبة يمكن التعامل معها وهي أكثر تأثيراً وأسرع فعالية، ويدرك ( محارم) أمريكا هذا جيدا فاليمن لن تقاتل طواحين الهواء بل ستهدم أعمدة الطواحين من جذورها، وكما قلنا سابقا ولفتنا الأنظار، أن مصالح أمريكا وكل صهاينة العالم وأذنابهم من الصهاينة المستعربين ثمنا في حسابات صنعاء لا يتعدى أكثر من 50 باليستياً و50 مسيرة مع الاستعداد لمضاعفة السعر أن تطلب الأمر، مع العلم أن ( كازينو دبي) لن يتجاوز ثمنه خمسة باليستيات وخمس مسيرات وهذا كافٍ لأن يعيد دبي للزمن الصحراوي، ولن تكون الرياض وأرامكو أكثر سعرا منها، أما التهديدات التي تطلق من هنا وهناك نحو صنعاء فهي عائدة على أصحابها لأن صنعاء وعلى مدى تسع سنوات قد امتلكت كل أسباب ومقومات المناعة وتعرف جيدا كيف تحصن نفسها وتحمي سيادتها من علوج الصهاينة عربا كانوا أو عجما.