نتيجة للتحولات الطارئة لمواكبة العصر الرقمي لما أحدثه من انتشار واسع جراء استخدام تقنية الإعلام الرقمي، ودون إدراك أن تلك التقنية ستكون سلاحاً جديداً من قبل الدول الكبرى أطلق عليه (الحرب الناعمة)، ليحل محل السلاح التقليدي بهدف السيطرة على دول العالم الثالث، إذ لم تعد الجيوش وحدها تقرر مصير الحروب، ورجحان أحد الأطراف المتقاتلة، إنما بالمعلومات التي يملكها كل طرف حول الطرف الآخر ومدى سرعة انتشارها وتأثيرها.
وقبل ظهور الإعلام الرقمي كان الإعلام يتطلب امكانات مادية باهظة ما جعله محصوراً بيد الدول والحكومات والاحزاب والجماعات أو الشركات.. فعمل الغرب على إيجاد وسائل مباشرة للتواصل مع الشعوب بدلا عن الإعلام التقليدي..
ومما يكشف ذلك المخطط ما أشار إليه التقرير رقم (1352) الصادر في 1964/4/27، الذي تمت مناقشته في دورة الكونجرس الأمريكي الـ (88)، والذي أكد في مضمونه على «تحقيق مكاسب وأهداف سياسية خارجية، من خلال التعامل مع الشعوب الأجنبية بدلاً عن الحكومات باستخدام أدوات وتقنيات الاتصال الحديثة، مع إمكانية القيام بإعلامهم والتأثير في اتجاهاتهم، بل وجرفهم وجبرهم على سلوك معين، يؤدي في النهاية إلى ممارسة ضغوط حاسمة على حكوماتها، وهذا ما ظهر في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد الإعلام الرقمي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي: الفيس بوك، وتويتر وواتس آب وغيرها”، والتي لعبت دوراً مؤثراً، تمثل في قدرة وسائل التواصل الرقمية على تشكيل الاتجاهات وتوفير عوامل الاستقطاب للتأثير على المواطن، وفي ساحات مفتوحة الحوار، بهدف زعزعة أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية المناهضة لسياسة الهيمنة والاستكبار العالمي، حيث تصدرت مواقع التواصل فيس بوك ذلك المشهد، وقد كشف تقرير حول شبكات الهاتف المحمول عن زيادة كبيرة في استخدام الفضاء الرقمي، حيث وصل مستخدمو فيس بوك الى ما يقارب 3 مليارات في العالم يليه يوتيوب ووتس آب بأكثر من ملياران، فيما كان التويتر اقل من بين تلك الوسائل حيث وصل لأكثر من نصف مليار فقط..
وقد تحول الفيس بوك وتويتر من الشؤون الاجتماعية إلى الاهتمامات بالشؤون السياسية للدول، وأصبحت الصفحات السياسية تفوق الصفحات الرياضية والفنية فيما لم تدرك الحكومات مستوى وحجم المسؤوليات لرعاية الفئات العمرية الحرجة من الشباب، فتم استغلال تقنيات التكنولوجيا والبطالة؛ ليجد الشباب فيه متنفساً للتعبير عن آرائهم السياسية التي لا يستطيعون الجهر بها في العالم الواقعي الذي يعيشونه، غير مدركين لإبعاد ومرامي تلك المخططات الخبيثة التي تستهدف هوية الأمة..
ليكتشف الجميع الحقيقة مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في معركة طوفان الأقصى مع بروز مشكلة تراجع نسبة المحتوى المندد بالمجازر والإبادة الجماعية ووحشيتها وبشاعتها ضد المدنيين في غزة بوصفها جرائم حرب..
وبالتزامن مع استئناف عدوان كيان الاحتلال الصهيوني واستمرار حرب الإعلام الرقمي مع تلك الحرب العدوانية بحجب التدوينات الداعمة والمساندة للشعب الفلسطيني، لارتكاب المجازر الوحشية وعزل غزة عن العالم الأمر الذي يخالف حرية التعبير ويعد تحيزا سافرا من الشركة الامريكية المملوكة لمارك اليهودي.. وفي إطار حملة التسويق للرواية الإسرائيلية.. في محاولات سافرة لحجب الحقيقة التي هزت العالم والرأي العام الدولي..
والكارثة أن تلك السياسة العمياء، مسنودة بقانون الاتحاد الاوروبي الجديد الخاص بوسائل التواصل الاجتماعي.. ما يشكل تحيزا كليا متعمداً من قبل هذه الشبكات.. وهو ما يثبت زيف وكذب الادعاءات المغلفة بالديمقراطية وحرية التعبير وسقوط هذه الشبكات أخلاقيا في التحكم لصالح سرديات مضللة في الوقت الذي كان يفترض بها الحياد..
وكانت تلك المواقع قد بدأت حربها الرقمية من خلال تحيزها في الحرب الروسية الأوكرانية لصالح اللوبي الصهيوني في أوكرانيا، وما تلا ذلك من مصادرة لحق العرب والمسلمين وغيرهم من أحرار العالم في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم من خلال ممارسة حجب وتقييد الوصول إلى المحتويات التي تصب لصالح فلسطين وغزة.. فضلاً عن الفرز الانتقائي العنصري للمحتويات وتسهيل انتشار الأكاذيب التي تروج للروايات الإسرائيلية.. ومحاصرة الحسابات الداعمة والمؤثرة في إظهار حقيقة الحرب الصهيونية على غزة، والتي استهدفت المنددين بالجرائم الصهيونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتيك توك ويوتيوب..
مما أجبر الداعمين لحقيقة ما يجري في قطاع غزة إلى اللجوء إلى منصات X وتيك توك، ويوتيوب بسبب القيود الشديدة التي فرضها فيس بوك على مستخدميه.. فيما ظل مستخدمو فيسبوك يواجهون تلك الانتهاكات من خلال ما عرف بالخوارزميات..
وقد لاحظ مستخدمو فيس بوك تعنت الموقع تحت مبررات واهية منها أنها تحذف محتوى ينتهك سياساتها الخاصة بالصراعات، وذلك من خلال التلاعب بتطبيقات الذكاء الاصطناعي..
وقد لاحظ المتصفحون عدم وجود أو انتشار أي من منشوراتهم الداعمة لفلسطين..
وظهرت خطط الخوارزميات كآلية تتبعها وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم المحتوى المقدم سواء بإظهار منشورات لأشخاص بعينهم تتلاءم مع اهتماماتهم أو بحجب محتوى معين عن آخرين لأسباب معروفة.. بما في ذلك تحجيم المشاهدات..
وقد تم ابتكار طرق للتحايل على الخوارزميات، كأن تكتب حروفاً متقطعة أو تكتب بعض حروفها بالانجليزي مثل كلمة غ zة لتجنب حظر المحتوى أو ترك مسافة بين حروف الكلمة وربما الفصل بين الحروف بفاصلة أو علامة معينة أو كتابة الكلمة بدون نقاط..
والخوارزميات فكرتها لو أن شخصاً لديه 5 آلاف متابع سيصل منشوره إلى 50 شخصا وإذا حصل تفاعلاً أكثر سيصل لعدد أكبر.. وهناك كلمات لدى الذكاء الاصطناعي لأسباب معينة يتم ادخالها لتحجيم المحتوى المراد من خلال تلك الكلمات وفي أحيان أخرى حجبه.
يبدو أننا كعرب ومسلمين نصدم بحرب رقمية خطط لها الغرب بذكاء للوصول إلى هذه النتائج بحيث يكون قادراً على تطويع تلك التقنية لصالحه لأنه يمتلكها ويسيطر عليها لعزل خصومه عن العالم.. وهو ما يتطلب منا البحث عن البدائل الممكنة والمتاحة لمواجهة الحرب الرقمية والعمل على امتلاك وسائل وتطبيقات خارج نطاق سيطرة العدو، وصولاً للتحرر من الوصاية الغربية على الإعلام في الفضاء الرقمي..