فلسطين بين (جزار) بيروت و(جزار) قطاع غزة..!

طه العامري

 

 

حقا ما أشبه الليلة بالبارحة، ذات يوم من أيام صيف 1982م وتحت يافطة ( سلامة الجليل) حشد الإرهابي الصهيوني (أرئيل شارون) سيئ الذكر دباباته وطائراته نحو العاصمة اللبنانية بيروت والمهمة القضاء على الثورة الفلسطينية و( المخربين)  بقيادة أبو عمار، وكان أبو عمار على رأس بنك أهداف الإرهابي ( شارون)، إما بالاغتيال أو بالاعتقال ومن أجل ذلك ارتكب الصهاينة أبشع وأقبح الجرائم بحق أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني وطالت جرائمه سوريا، وعلى مدى أكثر من 80 يوما من عدوان همجي وبربري ودمار في حرب غير أخلاقية، كعادة حروب الصهاينة، وفي ظل دعم أمريكي _غربي للصهاينة، وصمت عربي مطبق حتى على المستوى الإعلامي، إذ كان الإعلام العربي خلال الاجتياح الصهيوني لبيروت مشغولا بمبارأة كأس العالم ودخول – ولأول مرة – فريق الكويت لنهائيات كأس العالم، فعرف العالم يومها اسم اللاعب الكويتي فيصل الدخيل أكثر من اسم أبو عمار ومن العدوان على بيروت..؟!
بعد أشهر تحرك النظام العربي في قمة عقدت بالمغرب قدّم خلالها النظام السعودي مبادرته للسلام باسم ولي العهد حينها عبد الله بن عبدالعزيز، المبادرة المذكورة هي مبادرة أمريكية _صهيونية بامتياز، وكاتبها هو الصحفي الصهيوني توماس فريدمان، وكان هذا كل ما قدمه النظام العربي لفلسطين..
غادر أبو عمار بيروت مع قواته في تغريبة ثانية باتجاه محطة إقامة ثالثة وكانت هذه المرة نحو تونس، بعد أن ضاقت دول جوار فلسطين بأهل فلسطين..!
اليوم.. تواجه فلسطين (جزارا) آخر هو (نتنياهو) جزار قطاع غزة  الذي لا يختلف عن أسلافه، فالإجرام عقيدة هذا الكيان ومنهجه وثقافته ولا شيء غير الإجرام يمكن أن تجده في عقائد وثقافة الصهاينة، والفارق بين إجرام شارون وإجرام تلميذه نتنياهو هو أن وسائل التواصل وتقنيتها اليوم أكثر فعالية من وسائل الماضي، إذ يعجز اليوم العدو أن يغطي على جرائمه كما كان في السابق.
لم يتغير الموقف العربي ولم تختلف مشاعره، ولم يحدث تطور في وعيه ورؤيته، وبذات الطريقة التي تعاطى بها النظام العربي الرسمي مع جرائم شارون في بيروت، يتعاطى النظام العربي اليوم مع جرائم نتنياهو في قطاع غزة مع الفارق أن القمة هذه المرة لم تعقد في المغرب التي عرفت تاريخيا بأنها حاضنة لأهم (محطات الموساد الصهيوني)، بل عقدت في الرياض _الحليف الأكثر مودة للعدو _وقمة مركبة، حيث اجتمع فيها الحكام العرب والمسلمون، فأطلق عليها القمة العربية_الإسلامية، بمشاركة 57 دولة ورئيس عربي وإسلامي، وبرعاية (سعودية).
وكأن التاريخ يعيد نفسه بصورة _مأساة ومهزلة _ لم تأت مخرجات القمة العربية _الإسلامية، حول جرائم العدو والجزار نتنياهو في غرة، إلا ترجمة ( لمبادرة العار) التي قدمتها البلاد المستضيفة للقمة _السعودية _ وكأنها توغل بحماية الكيان وجرائمه، وغير مستعدة لاتخاذ أي موقف وإن شكليا ضد العدو حليفها الوجودي والمتسبب الأول في وجود نظام آل سعود الذي يعد المصدر الوحيد المانح الشرعية الوجودية للكيان في فلسطين على ضوء وثيقة تنازل جد آل سعود عبد الرحمن بن فضل بفلسطين لبريطانيا ومنحها شرعية التنازل بها لمن ترغب مقترحا في صك التنازل بأن تمنح ( لإخوته  اليهود)، إن رغبت كان هذا التنازل قد حرر قبل أشهر فقط من صدور ( وعد بلفور)  المشؤوم..؟!
بيد أن المجازر بحق الشعب العربي في فلسطين لا تنحصر في نطاق بيروت وغزة بل تمتد منذ عشرينيات القرن الماضي وإن كانت أبشعها ما حدث خلال عامي 1947/1948م وأشهرها كانت في دير ياسين، وكفر قاسم، مع الأخذ في الاعتبار أن الفلسطيني يواجه مجازر واعتداءات الصهاينة بصورة يومية على مدى 75 عاما، مرحلة لم يمر خلالها يوم واحد دون أن يعتقل فيها مواطن فلسطيني أو يستشهد أو يُهجر، أو يحاكم.. !!
إن جرائم العدو التي نشهدها اليوم، ما هي إلا امتداد لعقيدة وثقافة العدو، في ذات الوقت فإن رد الفعل النظام العربي الذي تجسد في قمة الرياض هو الآخر يمثل امتدادا لمواقف النظام العربي الذي أصبح برمته أسير مواقف الأنظمة العربية الوظيفية، أي التي تقوم بأدوار وظيفية خدمة للعدو لأن مصير هذه الأنظمة مرتبط وجوديا بمصير هذا العدو..!
هنا أتذكر ذات يوم وفي إحدى القمم العربية، كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يتحدث عن أهمية الإعداد والاستعداد للمواجهة مع العدو الصهيوني، فرد عليه الملك فهد بقول (فخامة الرئيس لسنا بحاجة لحرب مع إسرائيل وهناك وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها لحل الخلاف مع إسرائيل، لأن أي حرب مع إسرائيل يا فخامة الرئيس ستعيد المنطقة مائة عام للوراء)، وبتلقائية رد الرئيس الأسد على الملك بقوله (جلالة الملك هذا هو المطلوب أن نعود مائة عام للوراء، لأنه وقبل مائة عام لم يكن موجود في وطننا كيان اسمه إسرائيل)؟!.. كان النظام السعودي هو المعارض الدائم لفكرة مواجهة الصهاينة، وكان دائما سلبيا في كل ما يتعلق بالكيان وإن كان يقدم المنح والمساعدات بعد كل مجزرة وبعد كل جولة من جولات المواجهة بين الشعب العربي في فلسطين وبين الصهاينة..؟!
مجتمعيا يعد المجتمع السعودي هو المجتمع العربي الوحيد الذي لم يذهب أي من مواطنيه للالتحاق بالثورة الفلسطينية وإن حاول بعض أبناء المنطقة الذين يعيشون تحت وطأة القهر والاستبداد الالتحاق بالثورة فإن من تمكن منهم حرم النظام عليه العودة، وإن عاد يزج به بالسجن مدى الحياة أو يعدم بتهمة مناهضة النظام لأن أبناء المنطقة الشرقية في مملكة آل سعود حياتهم لا تختلف كثيرا عن حياة أبناء الشعب الفلسطيني في كنف الاحتلال الصهيوني..!
الخلاصة.. إن مجازر نتنياهو لن تكون نهاية الحلم الفلسطيني ولن تعيق مسيرة الثورة والمقاومة نحو الدولة والحرية والاستقلال وتطهير وطنهم من رجس الاحتلال الصهيوني رغم أنف رعاة الكيان وسدنته وحراسه في المنطقة والعالم..
إن ملاحم غزة البطولية قطعا تختلف عن ملحمة بيروت التي انتهت بخروج أبطالها قسرا وقهرا، لكن ملحمة غزة تستمد شرعيتها من انتمائها المتجذر بالأرض، فالمقاومة تسطر ملحمتها في أرضها دفاعا عن شعبها ووطنها وسيادة وطنها المحتل، إنها مقاومة متجذرة بالأرض بأقدام ثابتة راسخة متأصلة، وعلى (  جزار غزة) أن يدرك أن ( السنوار)  ليس ( عرفات)،  رحمة الله عليه، الذي غادر بيروت ذات يوم بأبطاله لأن هناك من لم يكتف بالخيانة، بل زاد عليها محنة التهجير، وكانت تلك التغريبة التي تجرعها أبو عمار وغادر على أثرها بيروت هي من دفعت عرفات للقبول ( بفخ أوسلو)  كما وصفه، ولكنه كان الفخ الذي عاد الثورة للداخل بغض النظر عن النتائج وإن كانت مؤلمة.
(السنوار) لن يغادر غزة ولا فلسطين بل نتنياهو من سيغادر غزة محملاً بالعار والهزيمة، وكما استقال معلمه جزار بيروت وغادر جيش الدفاع الصهيوني ملعونا، ليتحول للميدان السياسي فإن نتنياهو سيغادر غزة ذليلا ولكن إلى السجن الذي هرب منه إلى غزة..؟!.

قد يعجبك ايضا