هيرتزل وديمقراطية الدولة اليهودية المتوحشة!

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

بعض الدول الغربية ومنها بعض الأوربية وآلتها الإعلامية المهيمنة على مساحة كبيرة من ماكنة الإعلام والرأي العام العالمي تطلق على الكيان الصهيوني المسمى (إسرائيل) واحة الديمقراطية تحيط بها صحراء الاستبداد من كل جانب ، يدعم هذا التوصيف نظم الاستبداد في المنطقة العربية والإسلامية ويساعد المتعامين عن رؤية مايتعرض له الفلسطينيون من مجازر وجرائم ممنهجة مستمرة منذ خمسة وسبعين عاما ، ويعتمد المشروع الصهيوني على المنهج العلمي والتخطيط والدراسة لسرقة وطن اسمه (فلسطين) والعمل على إبادة وتشريد شعب اسمه الشعب الفلسطيني كما يتعمد الأكاذيب والضرب بالمسؤولية القانونية والأخلاقية عرض الحائط ، واعتماد قادة الصهاينة على العلم ساعدهم على هزيمة الغارقين في بحار الجهل والخرافات وهذا درس جدير بالتأمل وأخذ العبر في أسباب النصر والهزيمة حيث نرى كثير من القنوات الصهيونية تمارس أعلى درجات النقد لأبسط أخطاء قادتها في حين يعمد أصحاب الأرض المغصوبة إلى تأليه قادتهم رغم كل خيباتهم وفسادهم.
لقد امتلك الكيان الصهيوني آلاف المراكز ومؤسسات البحث العمي الموجهة لدراسة أحوال الفسطينيين والعرب وتراثهم ومكوناتهم وتحركاتهم وكل شئون حياتهم ، وفي المقابل لا يوجد في الدول العربية مجتمعة عشرة في المائة مما تمتلكه دولة الكيان بل ولم يفسح الحكام العرب المجال أمام أي جهود خاصة للعلماء وأصحاب المواهب والقدرات وتشجعهم على الإبداع والبحث العلمي ، ومعلوم أن الخاص في القضايا العامة والوطنية يخدم العام والعكس صحيح أيضاً ، والاهتمام بالعلم والثقافة هو المدخل لتلمس طريق الحرية والحضور الدولي والإنساني الفاعل والمؤثرالمعبر عن حجم الدول في الجغرافيا والتاريخ والحضارة وهو عامل فاعل في معرفة الحقائق بتجرد والبحث عن حلول عادلة جادة للمشاكل والأزمات وإنهاء النزاعات ونزع فتيل الصراع والبحث عن القواسم الإنسانية المشتركة بعيداً عن أي شكل من أشكال العنصرية ، وفي اعتقادي أن الكيان الصهيوني يقوم على فكرة عنصرية واضحة ، ومن مهام البحث العلمي الذي نوهت إلى ضرورة وجوده على أرض الواقع الفلسطيني والعربي العمل على كشف جوانب وعناصر أسباب العنصرية وفضح الأكاذيب التي تقوم عليها.
إن المحيط الفلسطيني والعربي برمته واقع بجسده ووعيه ضمن بنك أهداف هذا المشروع ، يدعم عنصريته مع الأسف كثير من كتب التراث العربي والاسلامي والكتب المقدسة التي يتم توظيفها باتجاهات تناقض مبدأ التعايش بين الأمم والشعوب وتصادم حقوق الانسان ، ومن أبرز مهندسي المشروع الصهيوني وأكثرهم حضوراَ وحيوية وبخاصة لدى الجمهور اليهودي :تيودور هيرتزل رئيس المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897 المتوفي عن أربعة وأربعين عاماً وألف أخطر كتاب محرك لليهود في العالم وهو في عمر الثالثة والثلاثين عاماً ويعد كتابه (الدولة اليهودية ) بمثابة خطة عمل لتنفيذ المشروع الصهيوني ، هذه الشخصية وهذا الكتاب لهما دلالة تستوجب الدراسة والتحليل كمؤسس لأخطر مشروع احتلال في العالم فالمؤتمر افتتاح للمشروع والكتاب يتضمن فلسفة للاحتلال وإنشاء دولة اليهود المقدسة ، وما أبشع استحلال الدماء باسم المقدس!، تصاحب ذلك بآلية إلصاق تهمة معاداة السامية بكل من ينتقد الصهيونية وأعمالها ، ومعاداة السامية تقوم على فكرة تنافي مبدأ العدالة والمساواة بين البشر وكتابهم المقدس (التوراة) يكرس في أذهان اليهود دعوى كونهم شعب الله المختار وأن من حقهم في سبيل تحقيق أهدافهم قتل الأطفال وارتكاب كل الجرائم مهما بلغت بشاعتها ، والتمييز فكرة صارت مرفوضة على مستوى الفكر الإنساني وما يضمن التعايش هوالحرص على احترام حقوق الإنسان.
يتحدث هرتزل في مقدمة الكتاب عما أسماه (فكرة استعادة الدولة اليهودية) وعلى إثر ذلك قامت الدولة المسماة (إسرائيل) وفق أسس علمية مخادعة ومن الطبيعي أن لا يتفق على إقامتها جميع اليهود لأن الاتفاق بين الناس مستحيل ولو كانوا ينتمون إلى ديانة واحدة أو حزب الإصلاح واحد أو منطقة واحدة بل ولوكانوا أبناء أسرة واحدة ، ويتركز مجمل مضمون الكتاب على النظر إلى المسألة اليهودية كشركة أطلق عليها في الفصل الثالث من الكتاب (الشركة اليهودية) ، وإذا كان أساس الدولة اليهودية المنشودة هدفها إنها حالات الاضطهاد التي تعرض لها اليهود في العالم أياً كانت حقيقتها فهل من المعقول أن يتم التفكير في حل مشكلة شعب على حساب معاناة شعب آخر هو الشعب الفلسطيني؟!، لا يمكن إنكار كون اليهود قد تعرضوا للاضطهاد في كثير من البلدان في العالم وأسبابه بحاجة إلى بحث ، والحقيقة أنه لا يساوي في نظر كثير من المتابعين عشرة في المائة مما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني إلى يوم الناس هذا والجرائم التي تنقل مباشرة عبر الأقمار الصناعية دون أن تهتز شعرة لحكام الغرب ومن علبت عقولهم أكاذيب الإعلام المؤدلج المريض إنه عالم تعجز الألسن والأقلام عن وصف معاييره المزدوجة وضمائر حكامه والمعاقين ذهنياً من شعوب العالم ؟!
الجنون المؤدلج يجتاح كل الضمائر
يروي حكايات بحار الظلمات التي تسكن العالم.

قد يعجبك ايضا