بالرغم من استخدامه سياسة الأرض المحروقة بحق المدنيين في غزة:السيوف الحديدية تتكسر وتفشل في استعادة هيبة الردع المفقودة
الثورة / احمد السعيدي
للأسبوع الثاني على التوالي يحاول الكيان الصهيوني التغطية على فشله السياسي والعسكري والاستخباراتي في عملية طوفان الأقصى البطولية بحرب السيوف الحديدية التي استخدم فيها سياسة الأرض المحروقة على المدنيين في قطاع غزة، وعندما عجز عن القضاء على قادة حماس أو حتى إيقاف رشقاتهم الصاروخية وعملياتهم الخاطفة على أراضيه قرر الانتقام من المدنيين وقتل أكثر من 700 طفل فلسطيني – حسب تقارير الأمم المتحدة- ليثبت فشله في الرد على عملية اخترقت تحصيناتهم وزرعت فيهم الوجع الكبير الذي سيظل عالقاً في أذهانهم لعقود قادمة من الزمن…
تحذيرات سابقة
عملية “طوفان الأقصى” جاءت بعد أيام من تحذير حركة حماس للكيان الصهيوني من تدنيس المسجد الأقصى التجرؤ على مسرى الرسول محمد، والاعتداء على المرابطات هناك، وارتكاب مئات المجازر بحق المدنيين، واليوم صدقت عبارات ذلك التحذير وتفجر غضب الأقصى، وغضب الأمة الفلسطينية، وهذا يوم العدو ليفهم أنه قد انتهى زمنه”، وأنه “بدءاً من اليوم ينتهي التنسيق الأمني، وعلى كل من لديه بندقية أن يخرجها فقد آن أوانها”، لوضع حد لكل جرائم الاحتلال، وانتهى الوقت الذي يعربد فيه دون محاسبة، وقد اثمرت عملية الرد الفلسطيني عن أسر قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال نمرود ألوني، بينما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية سيطرة عناصر من حركة “حماس” على ثلاث بلدات بمناطق محاذية لقطاع غزة، كما كشفت عن أسر الحركة عددا كبيرا من الأسرى الإسرائيليين، ومن بينهم ضباط كبار واحتجاز عناصرها اكثر من 100 رهينة، بدورها، أظهرت مقاطع فيديو بثتها “القسام” سيطرة مقاتليها على مستوطنات في غلاف غزة وقتل جنود وأسر آخرين والسيطرة على آليات عسكرية إسرائيلية وسحبها إلى قطاع غزة، كما أظهرت مقاطع فيديو أخرى صادمة لإسرائيل انتشرت على مواقع إخبارية إسرائيليين جلبتهم “حماس” أحياء إلى قطاع غزة.
ارتباك الكيان الصهيوني
صور مقاتلي القسام وهم يسيطرون على شوارع المستوطنات في غلاف غزة، أربكت إسرائيل وأحرجتها إلى حد كبير، وبينما أعلن الجيش الإسرائيلي أن عناصر “حماس” تسللوا إلى 10 مناطق عبر البر والبحر وربما الأنفاق وعبر المظلات من الجو، أكد وزير دفاع الكيان الصهيوني يوآف غالانت أن إسرائيل ستصد الهجوم وأن “حماس” ستدفع ثمنا باهظا، معلنا استدعاء القوات الخاصة “اليمام وشلداغ ودوفدوفان” إلى مواقع التسلل في غلاف غزة، وأطلق الجيش الإسرائيلي اسم عملية “السيوف الحديدية” في مواجهة عملية “طوفان الأقصى”، وبدأ قصف مواقع في قطاع غزة في بداية مواجهة يبدو أنها ستطول، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في اللحظات الأولى للهجوم إن “حماس” ستدفع ثمنا لا تتوقعه، وخاطب الإسرائيليين بقوله: “إننا في حالة حرب وليست مواجهة أو عملية” وطلب من مواطنيه الانصياع لأوامر الجيش وقوات الأمن.
توقيت مثالي
أهمية العملية البطولية انها جاءت في وقت تقول فيه إسرائيل إن قواتها في أعلى درجات التأهب خشية عمليات فلسطينية في الضفة أو هجوم من قطاع غزة، وهي متأهبة أبعد من ذلك لاحتمال اندلاع حرب متعددة الجبهات، لكن الهجوم الذي بدأه مئات من عناصر “حماس” على الحدود وبدا أنه مخطط له منذ فترة ليست قصيرة، أظهر هشاشة غير عادية للجيش الإسرائيلي وقوات الأمن إلى الحد الذي وصف معه معلقون إسرائيليون ما يحدث بأنه “حرب العار”.
وقال موقع “والا” العبري: حقيقة إن التنظيم تمكن من مفاجأة أفضل الاستخبارات وأكثرها خبرة في العالم والاستهزاء بأقوى نظام أمني في الشرق الأوسط، وأنه تمكن من السيطرة على الحدث لساعات طويلة، لن تمحى من أذهان اللاعبين في المنطقة.
من جانبها، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعد خمس ساعات على بدء هجوم “حماس”: إن مقاتلي “القسام” اخترقوا خط الدفاع بأكمله في محيط قطاع غزة، والجيش يحاول السيطرة على ما يحدث، وأضافت أن الصورة قاتمة، وأن مراكز الأمن في إيرز وزيكيم تحت سيطرة عناصر “حماس”، وحتى منتصف نهار أمس لم تكن إسرائيل أعلنت بوضوح ما يجري.
مشاهد مخزية ومعجزة كبرى
مشاهد الاذلال للكيان الصهيوني كانت موثقة ومعبَّرة عن الحالة المزرية التي وصلت اليها جحافل الاحتلال، وابلغ عبارات قيلت في ذلك المشهد كلمات الكاتب العربي عبدالباري عطوان الذي أكد أن على الأرض وفي مستوطنات غلاف غزة المغتصبة، تحققت المعجزة الأكبر في زمن عربي استحالت فيه المعجزات، وشاهدنا دبابة “ميركافا” ذليلة مهانة في مستوطنات غلاف غزة، وعاجزة عن حماية مستوطنيها، ورجال المقاومة يجرون جنرالاتها وجنودها منها مثل الخرفان يتوسلون الرحمة، وفي مشهد آخر رأينا المستوطنين يهربون دون هدى في حالة من الذعر والرعب غير مسبوقة، ويصدرون صرخات النجدة دون مجيب، وأضاف: الصور الحية، بالصوت والصورة لا تكذب، فالمقاومة قتلت أكثر من مائة جندي إسرائيلي وأصابت المئات، وأسرت مثلهم أحياء وأمواتاً، واحتفظت بهم في أماكن آمنة لاستخدامهم كورقة قوية ستؤدي إلى تبييض جميع السجون الإسرائيلية من الأسرى المناضلين والمناضلات الشرفاء، وجرى توثيق هذه الصور وتم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه حرب إعلامية أخرى لها وقع الصاعقة على معنويات العدو وجيشه وشعبه، وصرح: أن هذه أكبر ضربة قاتلة عسكريا وسياسيا ومعنويا للمؤسسات الإسرائيلية الثلاث، العسكرية والأمنية والسياسية منذ خمسين عامًا، وبالتحديد منذ حرب تشرين عام 1973م، لأنها استهدفت عمق الكيان الصهيوني “الآمن”، فعندما يهرب المستوطنون ويتدعثرون بجثث جنودهم، ويتصلون بالشرطة، ويتوسلون الجيش وقوات الأمن لنجدتهم، ولا أحد يستجيب لاستغاثتهم، فإن هذا قمة الانهيار للجيش الإسرائيلي الذي يحتل المرتبة الرابعة كأقوى جيش في العالم، إن لم يكن قد انهار فعلا، وليس في طريقه للانهيار.
فشل استراتيجي
هذه العملية عبَّرت عن فشل ذريع وهزيمة استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ دولة الكيان، والتي سيؤرخ لها كحدث مفصلي في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني وحتى العربي، ما أنجزته وحققته تعجز عنه دول كبرى بإمكانيات عسكرية ضخمة، ويذهب إلى حد تحقيق المعجزات في ظل غياب المعجزات، وكذلك إلى حد كسر حدود اللا ممكن….نعم كسر حدود اللا ممكن .. جيش له دولة بكل إمكانياته وقدراته العسكرية والتسليحية والتكنولوجية والسيبرانية والمخابراتية والاستخبارية ، تنهار قدراته الدفاعية في زمن قياسي، ويعجز، رغم كل التجهيزات المحيطة بقطاع غزة، من (دشم) وسواتر وحواجز وجدران اسمنتية واسلاك شائكة والكترونية وقوات عسكرية وأجهزة إنذار وعربات مدرعة ودبابات ومسيَّرات على مدار الساعة في الجو، عن وقف اندفاعات ألف مقاتل فلسطيني بسيارات دفع رباعي ودراجات نارية ومن فوق الأرض وغزوهم لكامل مستوطنات غزة ومواقعه العسكرية التي جرى تطهيرها، دون أن تتكون صورة واضحة للقيادات الصهيونية بكل مستوياتها العسكرية والسياسية والأمنية عما يحدث، نعم هذه المعركة حسمتها الست ساعات الأولى، حتى لو هدمت دولة الكيان غزة على رؤوس ساكنيها، فهزيمتها استراتيجية وفشلها عميق ومخيف ومرعب، و”كي” الوعي لجنود ومستوطني دولة الكيان حصل، وهو سيحفر لسنوات طويلة في وعيهم وذاكرتهم ويضرب على وتر نفسياتهم ومعنوياتهم ومشروعية بقائهم في مستوطناتهم وفي هذه الدولة الطاردة التي أضحت أزماتها وانقساماتها اكبر مما تحتمل.
سلسلة من الإخفاقات الإسرائيلية
تحظى عملية “طوفان الأقصى” بأهمية استراتيجية كبرى نظرًا إلى أنها تؤسس لتغيير الواقع الذي حاولت إسرائيل تكريسه في قطاع غزة منذ انسحابها الأحادي الجانب منه في عام 2005م، وأدت هذه العملية المباغتة إلى انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع غزة وحكم حركة حماس فيها، فضلًا عن كشف الفشل الذريع لمختلف مكونات المنظومة العسكرية والأمنية التي استندت إسرائيل إليها في تنفيذ استراتيجيتها؛ ما أدى إلى تكبّدها خسائر بشرية جسيمة بلغت ضعفي مجمل خسائرها في حرب عام 1967م، سقط غالبيتهم في اليوم الأول من العملية، وفاق فشل المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية فشلها في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973م، والذي يعرف في المصطلحات الإسرائيلية بالتقصير (همحدال)، وسيتمخض عن ذلك، مهما كانت نتيجة الحرب على غزة، تداعيات كبيرة داخل أجهزة الدولة وفي المجتمع الإسرائيلي، ويؤجج الجدل حول من يتحمّل المسؤولية عن هذا الفشل غير المسبوق، الذي سقط نتيجته نحو 4200 بين قتيل وجريح، فضلًا عن اهتزاز ثقة الإسرائيليين بمنظومتهم الأمنية والعسكرية وقدرتها على حمايتهم ويُسجَّل الفشل الأكبر للأجهزة الأمنية في إخفاق الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والمخابرات العامة (الشاباك) في توقّع العملية أو الوصول إلى معلومة بشأنها.
وما زاد من مرارة هذا الفشل الاستخباراتي، في دولة طالما تبجّحت بقوة أجهزتها الأمنية، وقدراتها التجسسية حول العالم على المستويين التقني والبشري، أن الفشل نتج من قطاع غزة الذي تراقبه هذه الأجهزة وتجمع المعلومات عنه على مدار الساعة بمختلف الوسائل البشرية والإلكترونية، أما الفشل الثاني الكبير فتمثل في هشاشة الجدار الأمني الذي بنته إسرائيل حول غزة، وراهنت على قدرته في منع المقاتلين الفلسطينيين من اختراقه، حيث تمكن مقاتلو حماس من اختراقه والعبور من خلاله بأعداد كبيرة إلى أكثر من 20 موقعًا، فقد بنت إسرائيل منذ انسحابها الأحادي من قطاع غزة، جدارًا من الإسمنت المسلّح على طول حدود القطاع البالغة نحو 65 كيلومترًا، وبعمق 7 أمتار في باطن الأرض، و7 أمتار فوقها، ونصبت فوقه أحدث أجهزة الرقابة الإلكترونية، كما أقامت عليه أبراجَ مراقبة في مواضع مختلفة لرصد كل حركة خلفه، ويتمثل الفشل الثالث في إخفاق الجيش الإسرائيلي في حماية قاعدته العسكرية الواقعة بالقرب من الحدود الشمالية لقطاع غزة، وفي حماية النقاط العسكرية العديدة وأبراج المراقبة الممتدة على طول حدود القطاع، فضلًا عن فشله في حماية أكثر من 20 مستوطنة واقعة في غلاف القطاع داخل ما يسمى “الخط الأخضر”؛ إذ تمكنت الوحدات العسكرية لحماس من اقتحامها وفرض سيطرتها عليها، موقعةً خسائر بقوات الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن المختلفة.
نكبة الأسرى
يمثل مصير الأسرى الإسرائيليين من المدنيين والعسكريين الذين تحتجزهم حماس عقدةً مهمةً في حسابات العملية العسكرية التي تعتزم إسرائيل تنفيذها في غزة. وتذهب التقديرات إلى أن عددهم يصل إلى 130 أسيرًا، على أقل تقدير، وهو أكبر عدد على الإطلاق يقع في يد المقاومة الفلسطينية في تاريخ الصراع مع إسرائيل. ويولي الرأي العام الإسرائيلي أهمية قصوى لمصيرهم، وهو أمر يضعف تحرك الحكومة الإسرائيلية ضد غزة، وبناءً عليه، حاولت الحكومة الإسرائيلية إعطاء انطباع بأنها ذاهبة باتجاه استعادة هيبة الردع التي فقدتها، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالأسرى، وقد جاء هذا الموقف نتيجة إدراكها أنها لن تستطيع استعادتهم أحياءً من دون عقد صفقة مع حماس، تشمل الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والحكومة الإسرائيلية غير جاهزة حاليًا لعقد مثل هذه الصفقة.
الانتقام من المدنيين
وبعد مرور أسبوع على ذلك الهجوم التاريخي، فشل الكيان الصهيوني في تحقيق أي نصر عسكري يستطيع اعتباره رداً على ما حدث ولكنه شن غاراته العنيفة على المنازن والمدارس والمستشفيات وأوقع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين وارتكب العديد من المجازر بحق النساء والأطفال، ويحاول جاهداً في اجتياح قطاع غزة أو أجزاء منه وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني، كما هجر إخوانهم في أحداث عام 48، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تغيير مواقف الدول الكبرى التي تدعم حاليًا الكيان الصهيوني بقوة، ويسعى على ما يبدو من خلال حملة القصف الجوي المكثّف إلى تهجير السكان، وتأليبهم على حكم تسبّب لهم بالحصار والحروب والكوارث، وفق إسرائيل، لكن الحقيقة ان أهالي قطاع غزة مستعدون للشهادة على تراب أرضهم ولن يتركوا خيار المقاومة مهما حصد الكيان الصهيوني من الأرواح.