تقرير: يحيى جارالله
من تحت رماد الظلم والقهر والاستبداد، اندلعت شرارة ثورة الـ 14 من أكتوبر، التي أشعل جذوتها الثوار الأحرار من جبال ردفان الشامخة، معلنين ميلاد فجر الحرية والانعتاق من الاستعمار البريطاني البغيض الذي جثم على الشطر الجنوبي من الوطن لنحو 128 عاماً.
تعد ثورة الـ 14من أكتوبر التي فجرّها الثوار الأحرار عام 1963م، واحدة من أبرز الثورات اليمنية العربية التي قامت ضد أعتى إمبراطورية استعمارية، وأجبرتها على الرحيل منكسرة وذليلة وخانعة أمام ثبات وعزيمة وإصرار الثوار الأحرار على نيل الحرية وتحقيق الاستقلال.
شكل اندلاع الثورة من جبال ردفان بداية مرحلة الكفاح المسلح، الذي استمر طيلة أربع سنوات ابتداء من العام 1963 حتى إعلان الاستقلال، على الرغم من العمليات العسكرية والقصف الذي شنته القوات البريطانية ضد الثوار، بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة.
استمر الكفاح المسلح على الرغم من المؤامرات التي حاول الاحتلال من خلالها إحداث شرخ في جبهة المقاومة غير أنها واصلت عملياتها ضد مواقع الاحتلال وكبدته الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وأجبرته بعد ذلك على منح الاستقلال لجنوب اليمن في الـ30 من نوفمبر 1967م.
إلا أن ذكرى هذه المناسبة الوطنية العظيمة، تأتي للعام التاسع على التوالي في ظل الاستعمار الجديد الذي عاد إلى المحافظات الجنوبية في العام 2015م، تحت مسمى التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي.
إذ مثل تواجد قوات التحالف منذ العام 2015م، إنتكاسة وبداية لحقبة استعمارية جديدة بحكم ما تمارسه دول الاحتلال السعودي الإماراتي من انتهاكات وجرائم بحق المواطنين وتدخلات سافرة تمس بسيادة اليمن.
يتطابق الاحتلال الجديد في تحركاته وأطماعه مع سلفه البريطاني الذي يُعد هو الآخر شريكا أساسيا في العدوان على اليمن ويسعى من خلال شراكته تلك إلى تحقيق حلمه بالعودة إلى جنوب الوطن.
تُعتبر بريطانيا من الفاعلين الدوليين الأساسيين في العدوان على اليمن، وتمارس استراتيجياتها الاستعمارية القديمة الجديدة عبر الإمارات من خلال احتلال معظم السواحل اليمنية الجنوبية والغربية.
كما أن العدوان والاحتلال الجديد في جنوب الوطن يقوم بل ويعتمد على الإرث والخبرة البريطانية كونها صاحبة العلاقات والروابط مع القوى المحلية العميلة سواء في اليمن أو في بعض دول الخليج.
وعملاً بذات النهج الاستعماري البريطاني، تقوم الإمارات اليوم بدعم المجلس الانتقالي العميل وأحزمته الأمنية وإعطائه حكماً ذاتياً للمحافظات الجنوبية ليضمن للإمارات وبريطانيا المصالح والطموحات الاستعمارية.
ولعل من أوجه التشابه بين الاحتلال البريطاني وسلفه السعودي الإماراتي أيضاً السياسة الاستعمارية المتبعة لتعزيز سلطات الاحتلال والتي تقوم على تغذية الصراعات المناطقية والتيارات الانفصالية في المحافظات الجنوبية تماماً، كما كانت تفعل بريطانيا من خلال دعمها للمشيخات والسلاطين قبل العام 1967م.
ومثلما كان الاحتلال البريطاني يسيطر على الجزر والممرات المائية الاستراتيجية اليمنية، تتسابق دول العدوان السعودي الإماراتي اليوم ومن ورائها قوى دولية أبرزها أمريكا وبريطانيا وفرنسا على احتلال الجزر اليمنية والسيطرة على نفس الممرات المائية التي تتحكم في خطوط التجارة العالمية.
كان الهدف الرئيس للاحتلال البريطاني لجنوب الوطن نهب الثروات، وحرمان أبناء البلد من حقوقهم وثرواتهم، الذي يتطابق مع ما يقوم به تحالف العدوان اليوم، عبر أدواته المحلية بإحكام سيطرته على كل منابع الثروة، وبطريقة الاستعمار القديم نفسها يسخّر ثروات وموارد اليمنيين لمصالحه ويحرمهم منها.
تعود ذكرى ثورة أكتوبر اليوم في ظل واقع مرير تعيشه المحافظات المحتلة أفرزته تسع سنوات من الحرب تزامناً مع استمرار تدخل دول الاستعمار القديم الجديد في شؤون البلد، وما تقوم به من تعميق للأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية ودعم للكيانات والمليشيات المناطقية المسلحة ونهب للموارد والثروات، والتي كان لها انعكاسات خطيرة على حياة ومعيشة الشعب اليمني، خصوصا في المناطق المحتلة.
حيث تصطلي المحافظات المحتلة من الوطن اليوم بنيران احتلال بغيض يُمارس القمع والنهب والعبث بمقدرات وثروات اليمن، ويعمل على تعطيل المنشآت والمصالح الخدمية والاقتصادية في المحافظات المحتلة، محولاً حياة المواطنين فيها إلى سلسلة من الأزمات، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي زاد من حدتها انهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
تبرز مسألة الاحتلال السعودي الإماراتي لجنوب اليمن كأحد أهم القضايا الوطنية، التي تشغل الحيز الأكبر من اهتمام القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، وتؤكد على الدوام الالتزام الوطني والديني والأخلاقي بطرد الغزاة وتطهير كل شبر من الأرض اليمنية، وصون السيادة الوطنية، في البر والبحر والجو.
ومن هذا المنطق ترى قيادة الثورة وكافة الأحرار من أبناء الشعب اليمني أن الاحتفال بذكرى ثورة الـ 14 من أكتوبر والثلاثين من نوفمبر يظل منقوصاً مادام هناك جندي إماراتي أو سعودي أو أمريكي على تراب الوطن شماله وجنوبه.
وعلى ضوء ذلك تبرز أمام الشعب اليمني اليوم مهمة ملحة وضرورية في مواصلة نهجه الثوري، في التصدي للعدوان الذي كان من أهم أهدافه إعادة الوصاية على اليمن، وحرمان الشعب من تحقيق طموحاته في بناء دولة قوية واقتصاد وطني متحرر من التبعية للخارج، وتعزيز قدرات البلد الدفاعية والهجومية التي بدأت تتحقق على الرغم من الظروف الصعبة.
وعليه فإن المضي قُدماً في مواجهة العدوان ومرتزقته هو السبيل الوحيد أمام أبناء الشعب اليمني من أجل تحرير البلد، واستعادة سيادته وموارده وثرواته، وإعادة بنائه وصناعة مستقبل أجياله، بعيداً عن الهيمنة والوصاية.
وكما احتفل اليمنيون ذات يوم بخروج آخر جندي بريطاني من جنوب الوطن، لابد أن يحتفلون عاجلا أم آجلا بدحر قوى الغزو والاحتلال الإماراتي السعودي من كافة الأراضي اليمنية.