العدوان الصهيوني والصحة النفسية لأطفال غزة

د. محمد النظاري

 

 

ما تحدثه الحروب على الأطفال، من تأثيرات لا يمكن حصرها في مكان أو بحث أو كتاب.. فالآثار تبلغ حدا لا يمكن استيعابه أو تصوره، خاصة عندما يكون آتياً من جهة كالكيان الصهيوني، الذي لا يراعي أي مواثيق أو عهود أو اتفاقات دولية، بل ويرتكب جرائمه، حتى تحت مظلة الأمم المتحدة وبدعم مباشر من أمريكا والغرب، وسط خنوع تام من الدول العربية والإسلامية.
الكارثة التي تحل بفلسطين مفجعة وخاصة ما يتعرض له قطاع غزة، الذي يضم اكثر من مليوني فلسطيني، والمصيبة تشملهم جميعا، ولكننا هنا سنتطرق إلى تأثيرات حرب الإبادة الدينية ويجب التركيز على الدينية، كون الكيان الصهيوني يريد تطهير فلسطين من كل ما هو إسلامي، (وهيهات له النجاح في ذلك، في ظل شعب يقاوم)، نعود للأطفال الذين هم أكثر تضررا، نظراً لوضعهم الجسدي والنفسي والعاطفي، فالطفل هو الحلقة الأضعف في معادلة أي حرب… فجأة يجد نفسه بلا والدين يرعيانه، ولا جدران بيت تأويه، ولا أياد حنونة تطعمه، ولهذا فهو يمر بحالة الصدمة النفسية، ويدخل حالة اكتئاب مزمنة، ويفارقه النوم، وتلازمه الكوابيس والصراخ.
خلال اليومين الماضيين شاركت في المؤتمر العلمي الدولي الثاني للصحة النفسية والعلاج النفسي، الذي نظمته جامعة الزيتونة ومستشفى الرازي بالعاصمة الليبية طرابلس، وشاركت فيه عن جامعة البيضاء بالجمهورية اليمنية ببحث “تأثير الكوارث الطبيعية نفسيا على الأطفال”، وتطرقت فيه لما يعانيه أطفال مدينة درنة الليبية، جراء إعصار دانيال، والذي خلف آلاف الشهداء، وكذلك تطرقت لكارثة زلزال المغرب في منطقة الحوز.. والكارثتان كان تأثيرهما على الأطفال كبيرا، لا سيما على المستوى النفسي.. ونسأل الله الرحمة للشهداء منهم، والشفاء للمصابين والعودة للنازحين.
عودة لما يتعرض له أطفال غزة من إبادة دينية ممنهجة، من قبل العدو الصهيوني، الذي يرى فيه الشاب المقاوم في قادم السنوات، ولهذا يعمل بكل الطرق، إما لقتله إن استطاع، أو قتل أسرته وأهله وأصدقائه، وتدمير محيطه، ليخلق منه طفلا مثقلا بالأمراض النفسية، معقدا من الحياة، راغبا في ترك بلده.. وكل تلك سياسات يسعى اليهود للوصول إليها، بغية تحويل قطاع غزة إلى مستوطات جديدة.
إن ما حصل في عملية طوفان الأقصى المباركة، مثل رعبا كبيرا للصهاينة، قادة وشعبا وحلفاء، فقد ظهر المقاوم الفلسطيني (الذي كان بالأمس طفلا) وأصبح اليوم شابا مقاوما، من اجل الدفاع عن أرضه ودينه، وهو يقتل الصهيوني، ويأسر جنوده، ويدمر عتاده العسكري ويؤثر في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، مما جعل الصهاينة يسارعون لمحاصرة فلسطين المحتلة، نحو بلدانهم الأصلية، في منظر ارعب الصهيونية العالمية وأمريكا ودول الغرب، فلسان حالهم يقول : هذا ما يفعله الفتية في غزة، دون توازن في القوى العسكرية والاقتصادية، فكيف لو اجتمع المسلمون علينا، وهذا يمثل مصدر قلق مستمراً لهم.
استغرب من الشباب العربي، الذي يرى ما يحدث لأطفال وشباب وشيوخ ونساء فلسطين، ويصر على تجاهل ذلك في كل وسائل تواصله الاجتماعي، بل والمحزن أنه مهتم في الوقت ذاته باللاعبين واللاعبات والراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات، في صورة لا تمثل نضج الشباب العربي، ولا الفتية الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم، والذين آمنوا بالله فزادهم هدى، وتركوا ملذات الحياة في روما، ليثوروا لدينهم.. فكم من شبابنا اليوم من يثور لدينه، ويغضب لانتهاك حرمات المسلمين في فلسطين؟!.
ان استمرار القصف اليومي للبيوت والمشافي والمدارس والطرقات، يصيب الأطفال بالرعب المستمر، مما يولد لديهم سلوكات مضطربة، وإذا لم يتم تداركها بالدعم النفسي والعلاج النفسي، سوف تتفاقم حالتهم سوءا، بل يكونوا عرضة للانتهاكات الجسدية ويمكن للجماعات الخارجة على القانون، تدريبهم وتشكيلهم، كيفما تشاء، خاصة أولئك الذين فقدوا الأهل والمسكن، وتشردوا، جراء ذلك.
لقد اهتم الإسلام بالطفل، حتى في المعارك، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يوصي القادة والجند، بعدم التعرض للطفل، نظرا لعجزه، ولكونه ليس شخصا محاربا.
وللتربية دور مهم في تنشئة الأطفال على الصلاح ومحبة الوطن والدفاع عنه، وطاعة الوالدين، ومنبع ذلك الأسرة الصالحة، فيقول صلى الله عليه واله وصحبه وسلم فيما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة: (كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه).
ففي حالة الحروب، يقوم المجتمع الكافر، بأخذ الأطفال المسلمين، وتغيير ديانتهم، حتى يسهل عليهم التأثير عليهم، ويعبونهم ضد الإسلام والمسلمين، حتى يصبحون في مقدمة من يحاربونه.
إن أطفال فلسطين اليوم بحاجة ماسة لمن يتبنى قضيتهم العادلة، ليس لنقلها لحكام العالم أو الأمم المتحدة أو المنظمات التي جلها يهود، بل حملها للشباب العربي المسلم في كل مكان، لتصل مظلوميتهم إليهم، وفي ذلك أجر كبير، كونه صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم” بمعنى أن المهتم بأمرهم هو منهم…
فحددوا موقفكما أخي الشاب وأختي الشابة… هل أنتما من المسلمين، إن كنتما كذلك، فهذا ادعاء، ولكل دعوى بينة، وبينة قولكما إنكما مسلمان، تقوم فقط على ما تمارسانه من قول وفعل في الاهتمام بإخوانكما المسلمين، وما دون ذلك فهو ادعاء باطل..
نسأل الله تعالى أن يحفظ أطفالنا وأطفال المسلمين، أينما كانوا في اليمن وفلسطين وليبيا والمغرب وكل بلدان المسلمين، ونسأله النصر للإسلام والمسلمين.

قد يعجبك ايضا