طوفان الأقصى" زلزل إسرائيل بتداعيات مفتوحة"
تدمير غزة.. هل يساعد حكومة الاحتلال على تجاوز تبعات الهزيمة؟
أيام صعبة وثقيلة عاشتها حكومة نتنياهو بعد عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية وسجلت معها هزيمة ثقيلة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته وداعميه لا تزال أصداؤها تعصف بالمجتمع الإسرائيلي الذي تفاجأ من حجم القوة التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية الخاضعة للحصار في قطاع غزة، وقدرتها على نقل الحرب للداخل الإسرائيلي بعد أن ظلت إسرائيل لعقود تختار مناطق الحرب وتوقيتها.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله
مع دخول عملية طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يومها الرابع سجلت حصيلة العملية أكبر خسارة يتكبدها كيان الاحتلال منذ أكثر من 40 عاما، بعد أن أوقعت العملية نحو 800 قتيل وإصابة 2400 بالتوازي مع استشهاد أعداد كبيرة من الفلسطينيين جلهم من المدنيين الذين قضوا في الغارات التي شنها طيران العدو الإسرائيلي ردا على هذه العملية.
وحتى يوم أمس بدا أن عملية “طوفان الأقصى” لم تنته إذ استمر القتال بين المقاومين الذين اخترقوا العمق الإسرائيلي نحو العديد من المستوطنات بينما غرق الجيش الإسرائيلي بمحاولة إعادة الاستقرار وإحصاء الخسائر وسط حالة ارتباك وذعر تجلت في مطار بن غوريون الذي اكتظ بالمستوطنين الراغبين بالهرب بعد وقف الحكومة الإسرائيلية حركة الملاحة الحوية وتحويل كل مطاراتها المدنية إلى مطارات عسكرية.
هذا المشهد بدا مغايرا في الجانب الآخر حيث انخرطت معظم فصائل المقاومة الفلسطينية في العملية يتصدرها كتائب عز الدين القسام وحركة الجهاد الإسلامي وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب الشهيد ابو علي مصطفى وكدلك كتائب الشهداء التي هددت باستهداف المصالح الأمريكية في حال تدخلت بشكل مباشر لدعم إسرائيل.
تحت الطوفان
خلال ساعات قليلة من بدء عملية “طوفان الأقصى” صبيحة السبت الماضي بدا أن جميع المستوطنات المحاذية للشريط العازل المحاصر لقطاع غزة، تحت طوفان كبير من نيران مقاتلي المقاومة ونيران الصواريخ والطائرات المسيرة ومقاتلي الطيران الشراعي، في أكبر هجوم مباغت أرعب إسرائيل وهز كيان جيشها ومخابراتها.
العملية التي استهدفت وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية اعتمدت تكتيكا عسكريا نوعيا بدأ بهجوم بري نجح معه مقاتلو المقاومة بكسر الحواجز والتوغل نحو مراكز الجيش الإسرائيلي المنتشرة في غلاف القطاع، وصولا إلى المستوطنات التي فرضوا عليها سيطرة كاملة، وقتلوا خلالها عشرات الجنود الإسرائيليين وأسروا آخرين اقتادوهم إلى قطاع غزة فيما دكت آلاف الصواريخ مناطق مختلفة في إسرائيل التي كانت تغط في عطلتها الرسمية يوم السبت.
تسببت العملية بإرباك واسع في صفوف قوات العدو الإسرائيلي كونها نفذت بالتزامن من البر والبحر والجو وشملت العديد من التكتيكات الحربية التي تستخدمها المقاومة لأول مرة وأفلحت في اختراق الحواجز الإسرائيلية بمئات المقاتلين، الذي تمكنوا في ساعات قليلة من اقتحام المواقع الإسرائيلية في 21 منطقة جنوب الأراضي المحتلة عبر البر والبحر والمظلات الشراعية لتعلن إسرائيل بعدها حالة الطوارئ وإعلان الحرب وإغلاق سائر مطاراتها بوسط وجنوب إسرائيل.
والمثير للذهول كان فيما قدمه مقاتلو المقاومة من أداء نوعي بالتحليق فوق الأراضي المحتلة عبر المظلات الشراعية لمسافات طويلة ناهزت الـ 40 كيلومترًا حيث قاعدة تسالم العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن حماية محطة ديمونة للطاقة النووية وسط اشتباكات خلفت خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
ولم يكن التخطيط النوعي لحرب الصواريخ أقصل من ذلك، فقد سجلت القوات الصاروخية للمقاومة واحدة من أهم ملاحمها بأطلاق فصائل المقاومة أكثر من 4 آلاف صاروخ الحقت تجاوزت بانسيابية منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية ومنظومة باتريوت لتبلغ أهدافها في العديد من المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة وصولا إلى تل أبيب.
الحال كذلك مع سلاح الجو المسيَّر بعد ان فاجأت المقاومة الجميع بتطوير قدراتها والتحلق بحوالي 35 مسيَّرة انتحارية من طراز “الزواري” في جميع محاور القتال وهي أول طائرة مسيَّرة مطورة تدخل الخدمة في هذه العملية.
انتصارات نوعية
مجريات العملية العسكرية النوعية للمقاومة ونتائجها أفصحت أنها كانت مخططة منذ فترة ليست قصيرة في خطوة مثلت بحد ذاتها انتصارا للمقاومة الفلسطينية في تحييدها القدرات المخابراتية الإسرائيلية والتحرك بحرية في منطقة صغيرة نسبيا تخضع لحصار بري وبحري وجوي.
ولعل اهم إنجازات هذه العملية أنها أظهرت هشاشة غير عادية للجيش الإسرائيلي وأجهزته المخابراتية إلى الحد الذي وصف معه محللون سياسيون إسرائيليون ما حدث بأنه “حرب العار”.
ذلك أن العملية أسقطت لأول مرة أسطورة الجيش الذي لا يقهر، كما أسقطت سمعة جهاز المخابرات الإسرائيلي الذي يوصف بأنه الأكثر من حيث الكفاءة والإمكانيات والقدرات على مستوى العالم وعكست بالمقابل حجم التفوق النوعي في صفوف المقاومة التي عززت الثقة لدى الشارع الفلسطيني والعربي بقدرتها على تغيير المعادلات في الوقت والزمان المناسبين.
والإرباك الإسرائيلي كان واضحا في طول وعرض الأراضي العربية المحتلة، بعدما تمكن أبطال المقاومة من نقل الحرب إلى الداخل الإسرائيلي وتكبيد العدو خسائر هائلة، وأكثر من ذلك نجاح المقاومة في تأمين خطوط الامداد للمقاتلين المتوغلين في المستوطنات الإسرائيلية التي فقدت فيها إسرائيل السيطرة عليها كليا، في عملية أعادت إلى الأذهان المشاهد التي رآها العالم بعد حرب أكتوبر 1973م.
هذه الانتصارات لم تكن الوحيدة، فقد وضعت العملية العسكرية حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في حالة صدمة عجزت معها عن الحركة وغرقها في محاولات إحصاء عديد ضحاياها وخسائرها المادية، في مشهد اضطر نتنياهو معه إلى تجاوز حكومته بالمصادقة على قرار إعلان الحرب ضمن ما أطلق عليه عملية “السيوف الحديدية” ضد قطاع غزة.
أما الجيش الإسرائيلي فقد بدا مضطربا ومشتتا وغارقا في محاولات إعادة التموضع والانتشار بالتزامن مع حالة هلع كبيرة في صفوف حكومة نتنياهو التي استدعت أكثر من 150,000 جندي من قوات الاحتياط للخدمة العسكرية في تداعيات دراماتيكية انعكست بقوة ثقة الشارع الإسرائيل بقدرة حكومته على المواجهة وشروعه بالهرب جماعيا عبر المطارات، وصولا إلى الأداء الاقتصادي العام حيث شهدت الأسواق المالية الإسرائيلية خلال ساعات قلية تراجعا كبيرا بلغ تجاوز عتبة الـ 5.3% .
فشل مخابراتي
عندما تحدث رئيس “الموساد” الإسرائيلي السابق إفرايم هاليفي عن عملية “طوفان الأقصى” بالقول إنها “هجوم فريد من نوعه يفوق الخيال” كان الرجل دقيقا، فالعملية حققت نجاحا اسطوريا في اختراق العمق الإسرائيلي للمرة الأولى متجاوزة الحواجز العسكرية والمخابراتية والمنظومات الصاروخية الدفاعية مسجلة انتصارا هز الكيان الإسرائيلي وجيشه الذي لم يتمكن من الرد إلا بعد مضي 6 ساعات على بدء العملية.
الحال كذلك في عدد الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة والتي تجاوز عددها في الساعات الأولى للعملية العسكرية، 3 آلاف صاروخ تم تصنيعها في قطاع غزة الخاضع للحصار دون أن تتمكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية من اكتشافها أو اكتشاف أي عمليات تجريبية أو تدريبية لها.
ولم تستطع حكومة الكيان تحديد النطاق الكامل للعملية العسكرية ولا النطاق الكامل للهزيمة الإسرائيلية والعنصر الوحيد الذي بقي شاخصا للجميع هو هزيمة إسرائيل على كل المستويات العسكرية والاستخباراتية والأمنية.
وحتى اليوم الثالث ظلت الأوساط السياسية الإسرائيلية تحلل حجم ومستوى الفشل المخابراتي الذي منيت به، لتعلن بوضوح المستوى المتقدم لعملية “طوفان الأقصى” الذي ازاح قدرات أجهزة المخابرات جانبا ومنح العملية عنصر المباغتة الذي أربك الردود الإسرائيلية وفاقم الخسائر بصورة كبيرة.
وكان لافتا أن معظم تكوينات الجيش الإسرائيل ظلت عاجزة عن أي رد سوى بسلاح الطيران الذي شرع بشن غارات هستيرية استهدفت المناطق السكنية في قطاع غزة، ما قدم دليلا كبيرا على حالة الإرباك في صفوف الجيش الذي بدا متعثرا وخارج الجهوزية بعد أن اسرف قادته بالتصريحات التي تقول إنه في أعلى درجات التأهب.
نتائج وسيناريوهات
طالما افترضت إسرائيل أن المقاومة الفلسطينية وتحديدا حركة “حماس” صارت ضعيفة ولم تعد قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية تهدد الكيان الإسرائيلي، وهو الافتراض الذي انهار كليا يوم السبت الماضي وأرغم إسرائيل على إعادة النظر في فرضياتها الأمنية بشكل كامل.
والنتائج التي خلصت اليها عملية ” طوفان الأقصى” سترغم إسرائيل بلا شك على إعادة صياغة ما حدث مرات ومرات، فالإقرار بالفشل العسكري والأمني والمخابراتي لن يكن سهلا على ما يوصف بأنه أقوى جيش في الشرق الأوسط وواحد من اقوى أجهزة المخابرات في العالم.
ورغم التوقعات التي تشير إلى أن غزة ستتحمل هذه المرة حجما هائلا من العنف الإسرائيلي في إطار ما سمته حكومة نتنياهو ” المرحلة الأولى” إلا أن هذا العنف سيكون في الواقع فاقدا لمعاني الانتصار، وسيظل حاملا لمعاني الفشل والهزيمة تجاه أسوأ كابوس ستعيشه حكومة الكيان من مقاومة محاصرة لا تمتلك أي قدر يذكر من الإمكانيات قياسا بما يمتلكه جيش الاحتلال.
وعلى أن العملية العسكرية للمقاومة نجحت في تحقيق أهدافها العسكرية من الساعات الأولى، فقط نجحت أيضا في تحقيق أهدافها السياسية ولا سيما في كسر السياجات المعنوية للحصار الذي تفرضه إسرائيل على فصائل المقاومة في قطاع غزة لأكثر من 15 عاما.
طوال هذه السنوات سعت إسرائيل إلى اضعاف السلطة السياسية “لحماس” بداخل قطاع غزة كما سعت إلى تقويض قدرة فصائل المقاومة بداخل القطاع بالتأثير على المعادلات السياسية والعسكرية للصراع، لكن المعادلة اليوم تغيرت كليا، بعد أن أثبتت المقاومة قدرتها على التأثير وأنها لا تزال تمثل رقما مهما في معادلة السلام والحرب وأكثر من ذلك دورها الحاسم والمؤثر في كل منعطفات مسيرة السلام.
ولعل المشاركة الواسعة لفصائل المقاومة في هذه العملية التي قادتها “حماس” قدمت الدليل على سقوط الرهانات الإسرائيلية وصلابة الحاضنة الشعبية للمقاومة، كما قدمت دليلا على فشل الحصار في بناء أو هدم مفاعيل القوة.
الأرض المحروقة
المؤكد أن إسرائيل الجريحة من عملية ” طوفان الأقصى” ستلجأ إلى سياسة الأرض المحروقة إذ ليس لدى جيشها أو طيرانها الحربي أي أهداف محددة يمكن أن تستهدفها في الغارات التي تشنها حاليا على قطاع غزة في إطار ما سمته المرحلة الأولى من عملية “السيوف الحديدية” التي لم تعلن أي تفاصيل بشأنها.
والمرجح أن يبقى قادة الكيان حذرين في الإعلان عن خطوات عملية الرد وأهدافها، بما فيها خطوة الاجتياح البري لقطاع غزة، استنادا للتصريحات التي تحدثت عن عشرات الآلاف من الجنود المقاتلين، الذين يتجهون حاليا نحو قطاع غزة.
مع ذلك فإن العنف الذي اتسمت به الغارات الإسرائيلية على القطاع المحاصر وقطع الخدمات الأساسية عن سكانه، سيقود حتما إلى ارتدادات سياسية سلبية على إسرائيل وعلى حكومة نتنياهو، فتكاليف محاولاته إعادة الاعتبار للقوة الإسرائيلية بتحويل قطاع غزة الذي يقطنه مليونا فلسطيني إلى ركام كما قال، ستكون لها تكاليف باهظة.
وما يحتاجه سكان غزة الذين أصبحوا معزولين تماما عن العالم نتيجة المواقف الدولية المنحازة لإسرائيل، هو تغيرات جذرية في المواقف الدولية باتجاه السلام الذي تراهن فيه المقاومة على القوة لإعادة إسرائيل اليه.
ولا يزال من غير الواضح ما إن كانت حكومة الكيان الإسرائيل ستستجيب لجهود الوساطة العربية لوقف الحرب الشاملة التي تشنها على قطاع غزة، لكن الثابت أن المقاومة وضعت في حساباتها الرد الإسرائيلي العنيف بنقلها أكبر عدد من الأسرى نحو قطاع غزة، سعيا لاستخدامهم كورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية ودفعها لمفاوضات يمكن أن تنهي حرب الإبادة التي تقوم بها اليوم في قطاع غزة.