الميزة المثلى ربما في عملية «طوفان الأقصى»، أنها مثلت الضربة الاستباقية، لمعركة كان يحضِّر لها الكيان الصهيوني ضمن استهدافه المستمر للفلسطينيين.
ويعلم الجميع أنه منذ أسابيع والكيان يتوعد بعملية كبيرة وحاسمة، حسب تصوره، لتحييد قدرة المقاومة، ليس فقط على تنفيذ عمليات هجومية وإنما حتى عن الدفاع عن النفس، وقبل أيام حذرت المقاومة وأوصلت الرسائل بأن الكيان قد بيّت النية لمعركة جديدة.
وحين لم يكن هناك من يتحرك لنزع فتيل الانفجار، كان من الطبيعي أن تبدأ المقاومة بضربتها الاستباقية لشل حركة الكيان، فكانت عملية «طوفان الأقصى»، إلا أن العملية مثلت مفاجأة بكل المقاييس سواء بتحقيق عنصر المباغتة أو القدرة في تحديد الأهداف مرورا بعمليات الأسر لجنود الكيان وحتى الاحتفاظ بمن قُتل منهم.
العملية الاستثنائية التي صفعت الكيان الصهيوني ومن ورائه أمريكا وباقي الداعمين، كما وصفعت دول التطبيع، لا يبدو أن تأثيرها سيكون عابرا وإنما سيستمر طويلا خصوصا مع ما كشفت عنه من حقائق استراتيجية ستقف عنده طويلا المنظومة الصهيونية.
لم تكن مفاجأة العملية في جرأة المقاومة على المباغتة ولا بالظهور بهذه القوة والعنفوان، وإنما بما كشف عنه من هشاشة وضعف في العمل الاستخباراتي للكيان، في المقابل التفوق الاستخباري للمقاومة التي رصدت فكانت دقيقة في تحديد الزمان والمكان وتحقيق الأهداف.
مئات القتلى والجرحى وعشرات الأسرى بين ضباط، حصيلة قاتلة جدا للجيش الذي سوق لنفسه كما سوقت له أمريكا بأنه الجيش الذي لا يقهر، لتصدم المفاجأة المستوطنين وهم يبحثون عن إجابة لتساؤلهم: أين جيشهم من كل ما يحدث؟ وأين القبة العنكبوتية؟
عندما عقد الكابينت الإسرائيلي اجتماعه الطارئ لتدارس ما يحدث، لم يستطع الخروج بأي قرارات، لا لشيء وإنما لكون الصدمة كانت أقوى من أي إجراء يمكن اتخاذه، ففعل مقاوم بهذا الحجم، لا شك بأنه نسف جدوائية كل تلك الإجراءات والاعتداءات التي شنها جيش الاحتلال على مواقع المقاومة وكل مساعي التضييق عليها من حصار وإغلاق للمعابر، لذلك فإن عجْز الكابينت يبدو منطقيا، فماذا عساه أن يفعل أكثر مما فعل.
مع ذلك سيكون من الطبيعي التوقع الآن بأن الكيان سيشن ضربات ضارية انتقامية على منازل الفلسطيتيين، لكنها لن تنجح في إزالة ما رسخته العملية من حقائق جديدة على أرض الواقع، فالكيان لم يعد ذاك «البعبع» الذي تحدثوا عنه كثيرا، وإنما كيان قابل للضرب والطرق وتأثير ذلك ليس بالأمر السهل فهو أولا يحتل مكان يجعل منه هدفا سهلا للدول الإسلامية ولا بد عليه مراعاة ذلك في حساباته، كما أن مستوطنيه فقدوا الثقة بقدرته على حمايتهم، خصوصا وأن هجمات المقاومة لم تعد تلك الخجولة محدودة التأثير وإنما هجمات جيش دولة.
وإلى جانب ذلك أيضا، نجحت عملية الأمس بأن تُفقد الاحتلال ميزة التفرد بحسابات ردة الفعل من واقع تصوره بالقدرات المحدودة للمقاومة، ما يعني أنه سيفكر عديد المرات قبل أن يتجرأ بتنفيذ أي هجوم على الأراضي الفلسطينية.
كما أن الأكيد الآن أن مجلس الأمن الدولي سيتحرك لتبني الموقف الإسرائيلي بدعم من دول الشر وسيلتزم الضعفاء الصمت، وسيصبّ مجتمع النفاق جام غضبه على المقاومة الفلسطينية وسيأسفون لقتلى الكيان، وسيغضون الطرف عن مئات القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين الذين سقطوا اليوم في هجمات جيش الاحتلال على غزة، وسيعزز ذلك فقط من ازدواجية معايير هذا المجتمع المنافق الذي دائما ما كان يصيبه «العور» عند النظر في قضايا العرب والمسلمين وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
Prev Post
كيف مرّ يوم «الطوفان» على الكيان الإسرائيلي «طوفان الأقصى».. يفرض معادلة المقاومة في مواجهة الاحتلال
Next Post