على المدى، كانت رفاهية الشعوب مؤشر على استقرار البلد، وعلى حيوية العمل الإنمائي فيه.
في اليمن سحق تحالف الشر الناس، فسقطت الرفاهية من حساباتهم لتتصدر الهموم المعيشية كل الأهداف والغايات والأولويات لديهم.
وقبل نحو عام تطرق السيد القائد إلى «الوضع المزري» في مؤسسات الدولة، وفي مناسبة إحياء ذكرى الإمام زيد الماضية أكد على ضرورة التغيير الجذري في عمل هذه المؤسسات، ليتخذ قرار البدء بهذه التغييرات في كلمته بمناسبة العيد التاسع لثورة ٢١ سبتمبر، وسيطلق مرحلتها الأولى ليلة ذكرى المولد النبوي الشريف من اجل تحريك المياه الراكدة في تنمية حياة الناس.
يؤكد هذا المسار التصاعدي – الذي اتبعه السيد في هذا الجانب، والذي جعله أولوية ثانية بعد أولوية مواجهة العدوان في سياق بناء اليمن الحديث القوي – على إدراكه ضرورة التحرك فيه على النحو الذي يمكن أن ينتهي إلى تحولات في واقع معيشة الناس وفي إيقاع الحياة التطويري، وبما ينسجم مع أهداف الثورة وتطلعات اليمنيين.
وينطلق السيد القائد في هذا من حقيقة أن الإطعام من الجوع (الاقتصاد) والتأمين من الخوف (الأمن)، هما جناحا الاستقرار واستمرار الحياة وتعميرها وتحقيق التحولات فيها، ولذلك جاء إعلانه عن البدء في الإصلاح المؤسسي بتغييرات جذرية تلبي حاجة الناس، وتخفف عنهم وطء سنوات العدوان العجاف، كما تعكس الإرادة الوطنية باستمرار الحياة وتحقيق الإنجازات، واهتمام السيد القائد بالتغيير نحو الإصلاح، يأتي في سياق موضوعي وطبيعي تتطلبه المرحلة خصوصا مع النجاحات التي تحققها المؤسسة العسكرية والأمنية.
العمل على مبدأ الإصلاحات والتغيير الجذري إنما ينطلق من حاجة المرحلة إلى هذه المواكبة والتلازم في التحولات بين مبدأيّ (الأمن والاقتصاد)، ما يعني وجوب إعمال الاجتهاد في استغلال كل الطاقة المتاحة المادية والبشرية لإحداث اختراق في جدار الهموم المعيشية للناس، فلا تبقى إدارة المؤسسات مجرد تسيير لأعمال، لا تحل مشاكل قائمة ولا تستطيع أن تصنع البدائل.
في عرض العيد التاسع لثورة ٢١ سبتمبر، أثبتنا القدرة على قهر الصعاب والتحديات وتحويلها إلى فرص بصورة مثيرة لكل العالم، ولا يستقيم مع هذا الإنجاز والتحول المشهود أن تبقى غُصّة التأخر في إحداث تنمية تنعكس بصورة واضحة ومباشرة على حياة الناس، ولا نتحدث عن رفاهية في الوقت الراهن، وإنما (أطعمهم من جوع).
ومع الاتفاق على أننا نعاني من تخمة في المؤسسات، إلا أنه في حال لم تشمل عملية التغيير دمجاً لبعضها، فإنه بالإمكان التعامل معها كأمر واقع والاستفادة منها لتساهم في صنع التحولات إذا ما جرى توظيفها بشكله صحيح، وإخضاع المشاكل أو مواطن الضعف للنقاش ولو في إطار كادر الجهة ذاتها، مثل هذا الأمر كفيل بتفجير الطاقات والخروج برؤى يمكن العمل عليها.
الكثير جدا من الجهات لا تزال تعاني من مشاكل داخلية تتصدرها معاناة موظفيها بسبب تواطؤ المجتمع الدولي مع تحالف الشر في قطع وصول المرتبات اليهم، بالتالي فكادر يعمل بنفسية محبطة، من المستحيل أن ننتظر منه إبداعاً في الإنجاز أو نفسية هادئة ومستقرة في التعامل مع الناس من طالبي الخدمة.
السيد القائد يتحرك في توجهه بثقافة القرآن ويدرك أن هناك واقع مختلفاً وأفضل يمكن تحقيقه لكنه ربما يتطلب تغيير النظرة إلى مفهوم الإدارة للعمل، بحيث يغادر المدير حالة التكاُّس، في الروتين اليومي، ويستشعر أمانة المسؤولية بأداء مهام جهة العمل التي يديرها، على قاعدة التحديث والتطوير وإحداث التحولات على الصعيدين الداخلي متمثلا بأدوات العمل (كادر العمل)، والخارجي متمثلا بالمخرجات (الإنجاز)، التي ينتظرها الناس، بحيث يصير هناك معنى لتراكم الخبرة لجهة الاستفادة من مقترحاتها ورؤاها في إحداث أي تطوير ما.
الترحيب الرسمي والشعبي الذي لقيه حديث السيد القائد عن التغيير الجذري لعمل المؤسسات، يعكس من جهة اتفاقا على أنه لا يزال هناك ما ينبغي عمله لمواكبة هذه اللحظة من الشعور بالانتصار في امتلاك القوة الضامنة لأمن البلاد، بواقع ضامن لمعيشة المواطن واستقراره، وانتقاله من حالة التخلف المزمن التي يعيشها منذ عقود، وعلى الأقل أن يكون هناك حركة مترجمة لأي طموح أو تطلع ومغادرة الجمود.
ولعل انعكاس مثل هذا التوجه – الذي يأتي من قمة هرم البلاد – لا يقتصر فقط على سيادة العدل والنظام ومعالجة مكامن الضعف، لكنها ستؤسس لثقافة جديدة، هي ثقافة التغيير فلا يظن المسؤول أنه دائم في وظيفته، وأن مقياس نجاحة هو حالة الرضى لدى المواطن بالاستناد إلى النظام والقانون بطبيعة الحال.