المؤسسات التعليمية ليست ساحة للصراع السياسي والديني!



ثمة من يستدعى التاريخ ليحاكم الحاضر ويبني على هذا الحكم واقعاٍ جديداٍ بعيداٍ عن العقل ومحاذير المنطق.
في المدارس الحكومية يكون هذا الاستدعاء خطيراٍ وتكون هذه المحاكمة في عقول المؤمنين بها أكثر خطورة تخرج ليلى من مدرستها مثقلة بما سمعت من مدرستها عن هذا الشقاق التاريخي.. المدرسة تقح في صحابي وترى في غيره الحق..

في أغلب الحصص تترك المدرس المخصص وتذهب إلى التاريخ للمجيء بصراعات لا علاقة للحاضر بها وتصر على فرض واقع جديد في الفصل الدراسي .. والطالبة المخالفة لها بالرأي على خطأ وهي الصواب الدائم فيما تقول.. الطالبات يحاولن حرف مسار النقاش والعودة إلى الدرس فيما المدرسة تمضي غير مبالية با الطالبات.
الكثير من الحصص تمضي والمعلمة في مهمة على يبدو ممنهجة للاستقطاب الطائفي في واقع يغلي بالصراعات خارج أسوار المدارس.
المعلمة هنا تعمل على نقل الصراع إلى أسوار المدارسة.. الطالبات ضقن ذرعاٍ هناك من يخالفها الرأي بالطبع وهناك من يتفق معها لكنهن يجمعن أن المدرسة للتعلم فقط وليست لشيء آخر.
المدارس مرت على مدى السنوات الثلاث الأخيرة في غليان دائم سياسي في البداية وديني تالياٍ في العام 2011م هيمن الوضع على إقحام السياسة في التعليم.. الصراع السياسي انتقل إلى المدارس وخاض المدرسون مع الطلبة صراعاٍ سياسياٍ أثر على الدراسة وصراعاٍ سياسي بين الطلبة أثر على العلاقة الاجتماعية فيما بينهم وذهب إلى ما هو أبعد عندما نال من التعليم وكاد أن يقضي عليه.
معلم مع الثورة وآخر ضدها والطلبة بين سماع هذا وسماع ذاك.. الجميع من الطلبة يتلقون متناقضات تتمثل فيما بعد بصرعات نفسية تقضي على العقل وتحل الصراع السياسي مكان التعليم المحض.
بعد كل حدث سياسي يحدث الأمر ذاته ولازلت أتذكر قبل حرب صيف 94م عندما كنا ندرس الثانوية في المعاهد العلمية التي فرضت على بعض الأرياف بسبب غياب المدارس .. الكثير من المعاناة كنا نتلقاها من بعض المدرسين الذين كانوا من جنسيات مختلفة .. الكثير منهم كان يقدح في بعض الزعامات الناصرية البعثية والاشتراكية كنا حينها نرفض هذا الأمر.. نشتكي لا أحد يسمع.. كان الشحن السياسي مستمراٍ دون مراعاة أننا جئنا للتعليم. وليس لسماع المحاضرات السياسية التي تصب في نهاية المطاف في صالح حزب بعينه.
التغيرات السياسية في مرحلة ما تلعب دوراٍ سليبا في أروقة المدارس والجامعات, انصراف جزئي للتعليم لصالح السياسية.. هكذا تكون المحصلة النهائية عندما ينشغل المدرسون بالشحن السياسي في فصل دراسي لا يحتمل سوى المنهج ومقرر هذا المنهج بالتحديد.
هذا لا يعني كما يقول الطالب وائل بشر في الصف الثاني الثانوي أن الطلبة بعيدين عن السياسية لكنه يتمنى أن تكون المدرسة للتعليم فقط والسياسية لها مواقع أخرى حد قوله.
ويضيف الطالب بشر: معظم الطلبة لهم انتماءاتهم المختلفة لكن المدرسة ليست ميداناٍ للسياسية فور الدخول في التسوية السياسية بين القوى المتصارعة برز الصراع الديني كرافد لتغذية الصراع في المدارس الحكومية.
وزير التربية والتعليم عبدالرزاق الأشول شدد على إبعاد المؤسسات التعليمية عن الصراعات السياسية والمناكفات المذهبية.
جاء هذا عقب حادثة تفجير مدرسة طارق بن زياد بمنطقة الصرم محافظة عمران كانت المدرسة تضم 30 فصلاٍ دراسياٍ استهداف التعليم في هكذا أمر أخذ جانبي العنف عن تدمير المؤسسات التعليمية والتدمير للعقل من خلال الصراع الديني على أثر رجعي .. وهنا تكون الخصومة مع التاريخ إحدى الاشكاليات التي تعمل على تدمير العقل ابتداء من المدرسة وانتهاء بميادين الإنتاج.
هذا لا يعني أن كل المدرسين يقبلون بما يحدث في بعض المدارس من صراعات سياسية ودينية هناك من يرفض الخوض في السياسية داخل المؤسسة التعليمية كما هو حال المدرس نبيل الجهمي الذي ينتقد بشدة زملاء له شغلتهم السياسية والمذهب عن الاهتمام بالتعليم.
نبيل يقول إن مهمة المؤسسة التعليمة هو التعليم لا الخوص في صراعات جانبية تؤدي بالطلبة إلى مشاكل نفسية وعداءات هم في غنى عنها.
كثير من المدرسين الذين التقيتهم يرفضون هكذا صراعات ويؤكد البعض منهم أن تسيس التعليم خطير على العملية التعليمية برمتها.
يقول مدير أحدى المدارس في منطقة معين بأمانة العاصمة الطلبة لا يتحملون أعباء الممارسة السياسية لأن ذلك يؤثر سلباٍ على التعليم والطلبة في النهاية في غنى عن الصراع الدائم بين القوى السياسية.
ويضيف نحن نشدد على إبعاد الطلبة في المدرسة عن الصراع الديني والسياسي من خلال منع المدرسين من الخوض في ذلك بالفصول الدراسية.
مخرجات الحوار أكدت على ضرورة إعادة صياغة المناهج الدراسية والارتقاء بها وضرورة تبني الدولة استراتيجية واضحة المعالم للمناهج الدراسية في التربية الوطنية والإسلامية والحرص على عدم تحيزها لمذهب بعينه.
هناك إجماع على إبعاد الصراعات الحزبية والمذهبية حرصاٍ على عدم تأثر التربية والتعليم سلبياٍ في أدائها المهني.
في المدرسة التي قامت المعلمة فيها بتكريس تعاليم المذهب استدعاء للتاريخ في خدمة السياسية اضطررن الطالبات إلى رفع شكوى إلى إدارة المدرسة.
إدارة المدرسة تعاطت مع الشكوى ومنعت المعلمة من الخوض في نقاشات دينية مذهبية وسياسية تغذي الصراع.
وقالت الطالبة ليلي بعد الشكوى لم نعد نسمع من المعلمة سوى الحصة الدراسية المقررة في المنهج.
ما هو مطلوب من الإدارات المدرسية هو الحرص على النأي بالمدارس عن الصراعات التي تزرع الحقد ولا تخدم التعليم عامة.

قد يعجبك ايضا