عندما يحضر العسكر تكون الكلمة الفصل لفوهات البنادق ما هي احتمالات التدخل العسكري لإنهاء الانقلاب في النيجر ?
لم تتضح حتى الآن الخطوة التالية للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “إيكواس” بعد تمديدها المهلة التي حددتها لتدخل عسكري ينهي الانقلاب الذي أطاح بحكم الرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم فالخلافات العاصفة بين دول المجموعة قللت من شأن التهديد في وقت وصلت فيه العملية الانقلابية إلى نقطة اللاعودة، لتغدو النيجر البلد الذي يُصنف بأنه من أكثر الدول فقرا بالعالم تحت حكم مجلس عسكري يواجه خطر الحروب والفوضى.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله
لم تمض سوى ساعات على إعلان المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “إيكواس” عقد قمة جديدة لبحث تدخل عسكري محتمل ينهي الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم حتى تحركت عجلة التحضيرات العسكرية عبر الجيش النيجري لمواجهة ما اعتبره “عدواناً خارجياً” القى فيه باللائمة على فرنسا ليُكسب بذلك انقلابه زخما شعبيا فاق التوقعات.
ومدى سبعة أيام من عمر الانقلاب خطا المجلس العسكري الانقلابي بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، خطوات متسارعة لتكريس الأمر الواقع حيث علّق العمل بالدستور وأغلق الحدود البرية والمجال الجوي وفرض حظر التجوال، كما علق عمل مؤسسات الدولة وفرض بالتعاون مع الجيش سيطرة كاملة على المؤسسات السيادية وعيّن حكاما جددا موالين للجيش على المحافظات، واعتقل بعض مسؤولي الحزب الحاكم وبعض الموالين للرئيس بازوم وعين آخرين موالين للجيش، في تسارع افضح عن إصراره إكمال مشروعه بالانقلاب حتى النهاية.
ولم يضيع المجلس العسكري الكثير من الوقت فقد أرسل وفوده إلى دول الجوار المؤيدة للانقلاب وخصوصا مالي وبوركينافاسو وتواصل مع قيادات في مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية المتواجدة في مالي، ليعلن تاليا أن “هناك دولة أجنبية عظمى تعد لعدوان على النيجر” في إشارة إلى فرنسا التي أعلنت دعمها الحازم لمجموعة إيكواس” في ترتيباتها لعملية عسكرية في النيجر تقضي على الانقلاب وتعيد الرئيس والحكومة الشرعية إلى الحكم.
هذه التداعيات التي استبقت القمة المرتقبة لمجموعة “إيكواس” اثارت أسئلة على مستوى القارة الافريقية والعالم حول ما إن كان هناك فرص بإنهاء الانقلاب وإعادة الرئيس المنتخب وما إن كانت احتمالات التدخل العسكري المباشر تحت مظلة “إيكواس” كما حدث في ليبيريا وسيراليون وغينيا باساو ستؤدي إلى انهاء الانقلاب أم ستقود دول الساحل الغربي الافريقي إلى نفق حرب يخشى كثيرون أنها ستكون مدمرة ليس للنيجر وحسب بل للعديد من الدول المجاورة التي أعلنت من اليوم الأول تصديها لأي تدخل عسكري في هذا البلد الافريقي الفقير والغني بالموارد الطبيعية.
أسباب الانقلاب
يصعُب فصل الأسباب التي دعت إلى انقلاب مالي وبوركينافاسو سابقا، عن تلك التي دعت قادة الجيش في النيجر إلى الانقلاب، فالدول الثلاث كانت خاضعة للنفوذ الفرنسي منذ نيلها الاستقلال في ستينات القرن الماضي والأزمات التي تعانيها تكاد تكون واحدة.
وفقا لذلك لم يكن مفاجئا أن الحرس الرئاسي المنفذ للانقلاب قرر تطبيق السيناريو ذاته الذي اتبعه العسكريون في مالي وبوركينافاسو إذ حاول إرغام الرئيس بازوم على الاستقالة لكنه لجأ لاعتقاله مع أفراد عائلته بعد أن رفض الاستقالة تحت التهديد، وهي الخطوة التي استنهضت الغرب ومعهم المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “ايكواس” لمواجهة الانقلاب بعد أن أعلن الانقلابيون تشكيل مجلس عسكري حاكم حظي تاليا بدعم ومساندة من قوات الجيش.
وخلافا للتصورات التي رجحت وجود دور روسي في العملية الانقلابية، فإن المؤكد أن المجموعة العسكرية التي دبرت الانقلاب لم يكن لديها ارتباطات خارجية أو توجهات أيديولوجية، كما أنها لم تظهر أي مواقف معادية للغرب، ولم تظهر أي توجهات لاستبدال النفوذ الفرنسي بنفوذ روسي.
والقراءة الموضوعية تعطي تفسيرا للانقلاب بكونه واحدا من تجليات صراع الدولة العميقة والتي ظلت تتفاعل تحت الرماد منذ فوز الرئيس محمد بازوم في الانتخابات عام 2021، وتفاقمت أكثر مع خروج دول مجاورة عن دائرة النفوذ الفرنسي بانقلابات عسكرية شجعت المجوعة العسكرية الانقلابية في النيجر القيام بخطوة مشابهة، مستغلة التحولات الدولية بالانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، يمكن أن يمنح النيجر فرصة للخروج الآمن من عباءة النفوذ الفرنسي الذي يرون أنه السبب الأول في الأزمات التي تعانيها بلادهم منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي.
وحتى وقت قريب كان يُنظر إلى النيجر بكونها واحدة من أكثر الدول استقرارا بين دول الساحل الغربي لأفريقيا ساعدها على ذلك أنها تصدرت الترتيب السابع بين أكبر دول العالم المنتجة لليورانيوم، ناهيك بكونها واحدة من اهم دول العالم الغنية بالذهب والمعادن الثمينة.
لكن الواقع في الداخل النيجري كان مختلفا، فالمناخ السياسي المتأزم جعل المؤسسة السياسية الحاكمة تدير أجندات خارجية مضطربة فاقمت من التحديات الأمنية واضعفت دور المؤسسة العسكرية وحشرت البلد في أزمات اقتصادية جعلتها تتصدر الترتيب السادس ضمن أكثر الدول فقرا في العالم.
بلغت الأزمة القصر الرئاسي في العاصمة نيامي حيث كان الرئيس المنتخب محمد بازوم على وشك أن يصدر قرارا بإقالة قائد الحرس الرئاسي عبد الرحمن تشياني غير أن الرجل استبق القرار باعتقال الرئيس مع أفراد عائلته واعلانه تعليق العمل بالدستور وتعليق عمل المؤسسات وتشكيل مجلس عسكري انتقالي للحكم برئاسته.
والاحتقان في القصر الرئاسي بدا وكأنه نتيجة لتراكمات سياسية اقتصادية سابقة، حيث يعتقد كثيرون أن فوز بازوم بالانتخابات عام 2021 بنسبة 55 % اعتمد على إرادة خارجية أعادت إنتاج المؤسسة السياسية القديمة دون أن يمنح البلد استقلالا سياسيا ينهي سطوة النفوذ الخارجي الذي أنتج خلال 13 عاما من التجربة الديموقراطية الوليدة في النيجر هوة بين المؤسسة السياسية المنزوعة القرار والمؤسسة العسكرية التي لم تجد سبيلا لتجاوزها سوى بالانقلاب.
والمؤكد أن باريس فشلت في إنتاج آليات تعويض متوازنة للنيجر من عوائد استثمارها لمواردها الاقتصادية المتمثلة بالذهب واليورانيوم وغيره من المعادن الثمينة منذ سبعينات القرن الماضي وهو الفشل ذاته الذي عانت منه العديد من دول غرب افريقيا منذ استقلالها عن فرنسا.
وفقا لذلك حظي الانقلاب العسكري بتأييد مؤسسة الجيش التي رأت أن موارد البلاد تُنهب في الوقت الذي تعيش فيه النيجر ظروف فقر عصيبة فشلت معها الدولة من بناء المؤسسة العسكرية التي ظلت عاجزة عن التصدي للتحديات الإرهابية التي تهدد استقرار الدولة.
الموقف الغربي
بعيدا عن المواقف الدولية والأفريقية المنددة بالانقلاب العسكري، كانت المواقف الفرنسية هي الأكثر حساسية، بعد الاتهامات التي ساقتها المجموعة العسكرية الانقلابية لباريس بمحاولة التدخل العسكري والدفع بمجموعة “إيكواس” للقيام بالدور نيابة عن فرنسا.
وعلى ان المواقف الفرنسية كانت واضحة بعدم الرغبة في التدخل العسكري المباشر في هذا البلد الخاضع للنفوذ الفرنسي منذ نيله الاستقلال الا أن المواقف المتشددة التي ابدتها باريس انعكست تاليا على مواقف مجموعة “إيكواس” بصورة مثيرة للريبة، ما عزز الشكوك من تحركات فرنسية من تحت الطاولة للتدخل وحشر النيجر في حالة فوضى كرد على تهديد الحكم الانقلابي للمصالح الفرنسية في هذه الدولة الأفريقية الفقيرة.
كان واضحا في ردود الفعل الفرنسية غضب باريس من الانقلاب الذي اطاح بالرئيس بازوم فالنظام السياسي للنيجر شكل أهمية قصوى لباريس التي خسرت بالإطاحة به 15 % من معدن اليورانيوم الذي تعتمد عليه لتشغيل 56 مفاعلا نوويا تنتج الكهرباء و70 % من محطات إنتاج الطاقة.
ولم يكن هذا وحسب سببا في الشكوك من نية باريس حشر النيجر في دوامة حروب طويلة، إذ أن المعروف عن المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا “ايكواس” تبينها النهج السلمي التدرجي في التعامل مع الأزمات السياسية في دول افريقيا ومنها الانقلابات، في حين كان تعاطيها مع انقلاب النيجر مختلفا كليا عن أسلوبها في التعاطي مع انقلابات مشابهة في دول مجاورة، بعد أن أعلنت على الفور ترتيبات لتدخل عسكري محتمل ينهي الانقلاب ويعيد السلطة المنتخبة.
وفي حين بررت “إيكواس” قرارها بخشيتها من انتقال عدوى الانقلابات إلى الدول الافريقية مع استمرار تساقط الأنظمة السياسية المنتخبة هناك على وقع الانقلابات العسكرية واحدا تلو الآخر إلا أن هذا المبرر لم يكن مقنعا لكثير من العواصم الافريقية التي أعلنت رفضها خيار التدخل العسكري في النيجر بل وذهبت بعضها إلى اعتباره عدوانا عسكريا عليها.
مع ذلك هناك من رأى أن قرار “إيكواس” بشأن التدخل العسكري في النيجر لردع الانقلاب كان متسرعا ومتطرفا، بل أن البعض عده استجابة لضغوط فرنسية وهو ما فسر المواقف المعارضة المعلنة من 5 دول أعضاء في المجموعة هي تشاد ومالي وبوركينافاسو والجزائر وكذلك نيجيريا الرئيس الحالي لـ “إيكواس” والتي أعلنت بصوت واحد رفضها القاطع للتدخل العسكري.
فرص التدخل العسكري
المواقف المعارضة المعلنة من خمس دول أعضاء في “إيكواس” للتدخل العسكري قلل فرص هذا الخيار وهو ما بدا واضحا في موقف المجموعة غداة انتهاء مهلة الأسبوع التي حددتها المنظمة للانقلابين والتي انتهت الأحد الماضي وتم تمديدها بصورة غير معلنة دون أي تحركات عسكرية.
والمُرجح أن المهلة الأخرى التي أعلنها الاتحاد الأفريقي حتى 11 أغسطس الجاري ستقود إلى النتيجة ذاتها، في ظل الانقسام في المواقف بين الدول الأفريقية ذاتها والانقسام في بين الدول الأوروبية التي ترى أن دعم فكرة التدخل العسكري في النيجر يعني كذلك التدخل في غيرها من دول الساحل التي شهدت انقلابات مشابهة، بما يعني دخول منطقة غرب افريقيا وربما القارة الأفريقية بالكامل في نفق حرب لن تنتهي.
ومن جانب آخر فإن التهديد الذي أطلقته “إيكواس” بالتدخل العسكري المباشر فقد بريقه وربما لم يعد مطروحا، كون أي تدخل عسكري سيتطلب بالضرورة اجماعا وتنسيقا مشتركا بين قوات الدول الـ 15 الأعضاء في المجموعة وهو أمر يصعب تحققه بعد إعلان مالي وبوركينافاسو وغيينا، دعمها للانقلاب وتلويحها بمواجهة “إيكواس” فضلا عن الموقف المعارض لكل من غيناء كوناكري وتشاد والجزائر وكذلك نيجيريا التي اقر برلمانها رفض لمشاركة في أي تدخل خارجي.
وتتناقص فرص التدخل العسكري عبر “إيكواس” نتيجة الانقسام الحاصل بين العواصم الغربية حول هذا الخيار بما في ذلك الولايات المتحدة التي كانت أعلنت في بداية الانقلاب التزامها بإعادة الرئيس المنتخب ديموقراطيا للحكم، غير أن موقفها تغير كليا بالتصريحات الصادرة تاليا عن البيت الأبيض التي تحدثت عن تضاءل احتمالات عودة الرئيس المنتخب.
ذلك أن أي تدخل عسكري في النيجر حاليا قد يهدد استقرار هذا البلد ما يعني أنه لن يكون هناك شيء لخط أنابيب الغاز العابر للصحراء، والذي كان من المفترض أن يمد دول الاتحاد الأوروبي بما يصل إلى 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويا.
ومن جانب آخر فإن احتمالات التدخل العسكري الفرنسي المباشر تبدو ضعيفة للغاية، في الوقت الراهن، ومن غير المرجح أن تقدم باريس على خطوة كهذه في بيئة جغرافية واسعة معادية لها ليس في النيجر وحسب بل بكل دول الساحل الغربي وخاصة الدول التي خرجت للتو من عباءة الوصاية الفرنسية.
مع ذلك فإن احتمالات التدخل الفرنسي غير المباشر واردة، من خلال دعم القوات الموالية للحزب الحاكم والرئيس المعزول، وهو الأمر الذي تحدث عنه قادة الانقلاب مؤخرا حيث أكدوا أن فرنسا تحضر مجموعة عسكرية تابعة للرئيس بازوم لاستعادة الحكم، وهي الخطوة التي دعت المجلس العسكري الحاكم حاليا إلى اتخاذ قرار بمنع تصدير اليورانيوم إلى فرنسا.