دون حواجز وبسقف مفتوح، تمارس أمريكا وصايتها العلنية على مجموعات التحالف التي تتنازع المصالح في المناطق المحتلة، لتتحدث باسمهم وهي تمارس هوايتها في تعقيد الوصول إلى سلام دائم في اليمن.
بالأمس، ما إن جرى الكشف عن جولة مفاوضات جديدة بين صنعاء والرياض، حتى ظهر غُراب الشؤم «ليندر كينج» باستفزازاته المعهودة واشتراطه ما يسميه الحوار اليمني – اليمني.
محاولة أمريكا الإيحاء بحرصها على المصالحة بين اليمنيين ما هي إلا كلمة حق يراد بها باطل، فما يعنيها من كل المشكلة اليمنية، هو ثروة اليمنيين، يؤكد ذلك إصرارها الواضح على ربط مسألة صرف المرتبات بحوار صنعاء مع مجموعاته في المناطق الخاضعة لقرار التحالف، وهو ما ينسجم مع نوايا واشنطن التي كشفت عنها منذ وقت مبكر بالإبقاء على حالة الغليان بين اليمن وأشقائها الخليجيين.
وخلال اليومين الماضيين جرى تداول خبر وثيقة مسربة من البنتاجون الأمريكي، تؤكد هذه الحقيقة بوقوف واشنطن ضد تنفيذ مطلب اليمنيين بصرف مرتبات الموظفين، إلا أن الوثيقة حاولت في عين الوقت الإيحاء بأن تأكيد المجلس السياسي الأعلى على صرف المرتبات دائما، إنما يأتي بقصد الحصول على المال، من خلال تلاعب الوثيقة بجوهر مطالب المجلس الإنسانية للسلام، وتمرير صياغات تُبين مستوى الإفلاس في التأليب ضد صنعاء.
تذكر الوثيقة بأن «مطالب صنعاء بأن يدفع السعوديون رواتب القطاع العام، بما في ذلك العاملين في الجيش والأمن، خارجة عن المألوف»، والحقيقة هي أن غير المألوف هو هذه الصيغة المشوهة، فصنعاء لم تطلب من السعودية ذلك إلا باعتبارها المتصدرة للعدوان والمتحكمة بايرادات النفط والغاز اليمني إلى جانب أمريكا، ما يعني أن الأمر يتجاوز هدف الحصول على المال في ذاته لتوزيعه كمرتبات، إلى كونه مسألة مرتبطة بالكرامة والسيادة اليمنية.
ويؤكد ذلك أيضا، ما كشف عنه رئيس المجلس السياس الأعلى مهدي المشاط قبل أيام، من أن السعودية وافقت على دفع المرتبات ولكن من خزينتها، فإذا كان الأمر مرتبطاً فقط بالمال لكانت صنعاء وافقت على ذلك فورا، لكنها رفضت هذه «الجَزَرة» المشبعة بالسموم والمبيدات التي تُفقدها مذاقها وقيمتها، فصنعاء -وهذا هو الأصل- لا تطلب منحة أو وديعة وإنما التمكين من الحصول على الحقوق الوطنية السيادية من ثروات البلد وبصورة مباشرة دون أن يمر عبر وسيط سعودي أو غيره، لا أكثر ولا أقل.
وبالعودة إلى ظهور غراب الشؤم ليندر كينج بتصريحاته المعرقلة لتقارب جديد في التفاوض مع السعودية فإنه مُتوقع، فأمريكا عبرت صراحة منذ نحو عام بأن مسألة دفع المرتبات أمر متطرف وتعجيزي وغير قابل للتنفيذ، ولكنه إنما يعيد التذكير بحرص واشنطن على استمرار الحالة غير المستقرة لهذه المنطقة لما يدرّه لها ذلك من مكاسب.
في هذه الجولة من المفاوضات، سيتعين على السعودية وبصورة ملحّة- إن كانت جادة في السعي نحو السلام- أن تكون عند مستوى استحقاقات هذا السلام، ولن تكون أمريكا أدرى من الرياض بمصلحة السعوديين، كما أنه سيكون من الحكمة عدم توقع استمرار هذه الحالة من الاستهداف لليمن دون أن يكون لليمنيين تحرك لفعل شيء، وقرار هذا الفعل حتما سيأتي وإن تأخر الأمر لأكثر من عام، ثم ما هي إلا لحظة ستفصل بين ما يسميه الأمريكان هدنة وبين ضربة قد تأتي موجعة للنظام السعودي، وحينها ربما لن يكون بالإمكان إعادة عقارب الساعة إلى الخلف.
الحزم مطلوب هذه المرة لتجاوز هذه الصورة المتخيلة القاتمة التي لا يريدها أحد، وسيكون على أمريكا التكيف مع الواقع الجديد، شاءت أم أبت.
أما مسألة الحوار اليمني – اليمني، الذي يتشدق به ليندركينج عند كل جولة مفاوضات، فإن القيادة في صنعاء كثيرا ما أكدت على حتمية هذا الأمر، إنما على أساس من التحرر الكامل من أي تأثيرات خارجية، إذ لا يمكن تحقق هذا الأمر تحت العصا الأمريكية أو تأزيم الواقع الاقتصادي والتحكم بمعيشة الناس كورقة ضغط من أجل تمرير ما يريده البيت الأبيض.