المهندس/ هلال الجشاري
لله في خلقه شؤون، فهناك من الحشرات ما هو ضار للإنسان ونافع في نفس الوقت، فهي إما أن تكون طعاماً لأنواع من الطيور وإما أن تكون حشرات نافعة تلتهم أنواعاً من الحشرات الأكثر خطراً على الإنسان والنبات والبيئة، وكما توجد أنواع من النباتات لا تصلح طعاماً للإنسان فهي فقط للحيوانات، وفي نفس الوقت هذه الحيوانات تمثل قيمة غذائية بلحومها وجلودها وصوفها، ولا غنى للإنسان عنها .
وعلى ذكر الجراد، فعند دراسة سلوكها وطبيعة الأراضي التي تتعرض لقدوم الجراد سنجد أنه يشكل مصنعاً من أفضل أنواع السماد للأرض بعد التهامه أجزاء من النباتات وبعض أوراق النباتات الخضراء ليفرغ في الأرض في نفس اللحظة مخلفاته العضوية ذات القيمة العالية كسماد عضوي يبعث في النباتات الحياة الأكثر نموًا وإخضرارا، ويشكل في ذات الوقت قيمة غذائية عالية للإنسان ولمعظم الحيوانات التي تتغذى عليها، وهنا ندرك حكمة الله في خلقه ولا بد من الأخذ بهذا التوازن البيئي بين كل المخلوقات وقياس مدى الفائدة والضرر، وتغليب الأكثر فائدة دون الإخلال بمعادلة التوازن البيئي التي يترك استخدام المبيدات الكيماوية في مكافحة أنواع من الحشرات دون حساب عواقب وخطورة ذلك على الإنسان والحيوان والبيئة بشكل عام.
وخلال هذه الأيام على ذكر ظهور لأسراب جراد هنا أو هناك واحتمال مرور أسراب من الجراد في بعض المناطق خصوصًا الصحراوية بالجوف ومأرب بالإضافة إلى تهامة وبعض مناطق في ذمار و…..، فنجد البعض في المقابل ينشر الخوف والرعب وأن هذه كارثة على الزراعة والبعض يقول إنها مريضة ولا تصلح للأكل وفيها وفيها … يكذبون ويتحرون الكذب، في الجانب الآخر تجد حالات استرزاق واستنفار واستنزاف من قبل بعض الجهات والمنظمات التي لا تعرف إلا المبيدات والدولارات، وهم بهذا يقتلون الناس والحشرات النافعة ويلوثون البيئة بالمبيدات والسموم وفي نفس الوقت تستغل فرصة لهذه المنظمات ومرتزقتها لصرف ملايين الدولارات تحت مسمى مكافحة الجراد الصحراوي وليتهم يبحثون عن حلول مكافحة أخرى ويتمعنون قليلا في معنى كلمة مبيدات فيبيدون الأخضر واليابس، وينطلقون ترافقهم الكاميرات في حملة إبادة شاملة، ولكن هذه الحملات ليست للجراد فحسب – كما ذكرنا- بل تستهدف أيضاً البيئة بأكملها بما فيها الإنسان والحيوان والحشرات النافعة، ولها آثارها المستقبلية وهذا يؤكد أن الجراد يمر مرور الكرام والسموم تبقى على الدوام .
وللعلم فقد نفذت عدة حملات رش بالمبيدات ومن خلال تجربتنا السابقة فإن حملات الرش ليست مجدية اقتصاديًا ولا تفي بالغرض سواء من خلال ارتفاع تكاليف الحملات أو عدم القدرة على السيطرة على أسراب الجراد وسرعة انتقالها وتحركها من منطقة إلى أخرى وكذلك انتشارها في عدة مناطق بوقت واحد، وكذلك -كما ذكرنا- المخاطر البيئية المصاحبة لمكافحة الجراد عن طريق الرش بالمبيدات وقتل الأعداء الحيوية، كما أن الرش ببعض الأنواع من المبيدات لا يقتل الجراد بل يكسبها مناعة، وقد لا تموت أغلبها فتذهب من منطقة إلى أخرى وقد تهدد حياة كثير من البشر الذين يأكلونها إذا كانت قد تعرضت للرش بالمبيدات السامة وخصوصًا البعض الذي يأكل من الجراد دون طبخها وتعريضها للنار، كل هذا وغيره يصعب جداً عمليات المكافحة للجراد والرش بالمبيدات الكيماوية، وهنا ينبغي علينا أن نوقف هذا العبث ولنكن صادقين مع أنفسنا ولنبحث عن تقنيات للمكافحة أكثر أمانًا واقتصادية للوصول إلى إجراء عمليات مكافحة عملية وأكثر فعالية واستخدام المكافحة الطبيعية واليدوية، كما هو مطلوب تفعيل دور المرشدين الزراعيين والمرشدين المحليين لتوعية المجتمع وإحياء العادات والتقاليد والأعمال القديمة التي كان يقوم بها اجدادنا من خلال عمل الأخاديد الترابية ودفن يرقات الجراد أو عمل الأشباك الكبيرة والمكافحة اليدوية الطبيعية و….الخ، خصوصاً ان طور الجراد الضار هو طور الحورية أو ما يسمى الدبا، أي الجراد الزاحف الصغير الذي لم يصل لمرحلة الطيران، وهذه الطرق وغيرها كان يعمل بها أجدادنا في مكافحة الآفات والحشرات الزراعية واستطاعوا بذلك الحفاظ على المزروعات ومكافحة الآفات الضارة والحفاظ على الحشرات النافعة وبنيت حضارات على الزراعة وكانت اليمن مهد هذه الحضارات مما يتطلب منا العمل ببدائل المكافحة ونفعل المشاركة المجتمعية والطرق الطبيعية التقليدية في المكافحة واستخدام كل ما هو صديق للبيئة هذا إن تطلب تنفيذ عمليات وحملات مكافحة أساسًا، وإن كنا صادقين نركز جهودنا وأبحاثنا وإمكانياتنا في مكافحة الحشرات الضارة الاخرى التي تكبد المزارعين خسائر كبيرة والمستفيد الوحيد هي شركات المبيدات (السموم) فكل ما يحصل عليه المزارع يذهب به إلى سوق تداول المبيدات لشراء مبيدات والمكافحة، معتقداً أنه سيقضي على هذه الحشرات وغير مدرك أن هذه الحشرات قد اكتسبت مناعة من هذه المواد من المبيدات واستخدامها لا يسمن ولا يغني من جوع، بل يكسبها مناعة اكثر واكثر وعلى سبيل المثال حشرة أو دودة التوتا ابسلوتا التي تدمر محاصيل الطمامطم و…. وكذلك حشرة أو دودة الحشد الخريفية التي تدمر محاصيل الذرة و…… آفات دخيلة على بلدنا لا نعلم من أين أتت، وللأسف نلحظ التركيز من الجهات المعنية والمشاريع والمنظمات و……. الكل مركزون بكل عتادهم وعدتهم وسلّوا سيوفهم على الجراد هذه الحشرة الطيبة رقيقة القلب ورشيقة القوام التي تستخدم وتستهلك غذاء غنياً بالبروتين، في حين الأحرى البحث عن أسباب دخول هذه الآفات الضارة المذكورة (توتا ابسلوتا، الحشد الخريفية) وكيف اكتسبت مناعة من المبيدات رغم قوة المبيدات التي استخدمت في مكافحتها وكيفية مكافحتها والحد من مخاطرها، اما الجراد فاتركوه للمجتمع وهو سيتكفل بمكافحته يدويًا ميكانيكيًا ويوفر عليكم مكافحته.
فالله سبحانه وتعالى خلق المخلوقات وأراد للأرض أن تعمر وأراد للحياة أن تستمر، فكان من تلك المخلوقات الجراد، هكذا قضت مشيئة الله أن تستمر الحياة بوجود الجراد، ولا يزعم زاعم أن الجراد خلق عبثا، فللجراد دور في المحافظة على البيئة وتساعد أحياناً في تخليص النباتات من أمراض تصيبها مثل المن وبعض أنواع من الفطريات وكما نعلم أن الجراد جند من جنود الله فيرسله إلى أرض فتعود أكثر نباتاً واخضراراً وقتها، ويحوّل بقايا النباتات والأوراق إلى سماد عضوي، فإذا هطل المطر أعشبت وازدادت اخضراراً، وكما يرسله الله إلى بعض أقوام عقاباً وعذاباً لهم كما فعل بفرعون وقومه، وبذلك هو أشبه بالمطر يصيب أرضاً قاحلة جرداء يابسة فينبت بها الزرع والزيتون، ويرسله إلى آخرين فيهلكهم، كما أن الإسلام كنظام اقتصادي شامل يحمل مفاهيم اقتصادية عالمية كفيلة بحل أكبر المشاكل العالمية، ومشكلة الجراد من منظور الإسلام باب من أبواب الدواء والغذاء والصحة لمن تعامل معها من منظور علمي إسلامي مبني على فهم حكمة الله في خلق الأشياء، وهذا عكس فهم بعض الجهات ومنظمات الاسترزاق التي تعتبرها باباً من أبواب الرزق لشركات المبيدات الحشرية، ولارتزاق المنظمات وعملاً موسمياً لبعض الجهات تصرف عليها ملايين الدولارات هباء.
وهذا الفارق في الفهم هو الأهم بين منظور الإسلام الذي يتجلى حرصه على سلامة الإنسان والحيوان والحشرات والبيئة بشكل عام (لأن الجراد عبادته في أن يكون ذلولاً للإنسان لا أن يكون نقمة على الفقراء والبسطاء).
حيث ورد في حديث عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام «أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال «، كما أن الجراد يعتبر من الأكلات المفضلة عندنا نحن اليمنيين وكذلك عند كثير من شعوب الدول العربية والإسلامية، لأن الجراد غني بالبروتين الذي يمثل 62 % ودهون 17 % وعناصر غير عضوية تمثل الباقي مثل المغنسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم والمنجنيز والصوديوم والحديد والفوسفور وغيرها من العناصر الغذائية الهامة.
ومن حكمة الله ورحمته لعباده قد يجعل أسراب الجراد تعبر البحار والصحارى و…..، لتصل إلى اليمن ليتلقاها الناس والحيوانات والطيور بأنواعها فيقضون عليها ويأكلونها ويشبعون جوعهم، ويبقى الكثير من الجراد مرمياً هنا وهناك بعد أن شبع الجميع، وهذه نعمة كبيرة حيث أن الكثيرين يعانون من العوز والحاجة، خصوصًا بسبب الظروف الاستثنائية في ظل الحصار والعدوان، حتى القمامات أصبحت فقيرة جدًا، فالكل فقير محتاج إلى الله ولكن ربنا رحيم بعباده ونحمده على نعمه.
أخيرًا إذا كان الجراد يمر مرور الكرام والمبيدات الكيماوية التي نكافحها تبقى على الدوام …
إذاً الجراد نعمة وليس نقمة.