لكل مهنة مشقتها ومتعتها وأهميتها بالنسبة للشخص الممتهن لها وللعامة والوطن ، غير أن درجة تلك المشقة والمتعة تتفاوت من مهنة لأخرى ، ومهنة الإعلام عموما والكتابة تحديدا من المهن الجليلة التي تحتاج إلى جهد وعصف ذهني أكثر من أي مهنة أخرى ، وفي الوقت نفسه تعتبر أكثر المهن نصباً وتعباً لذا يطلق على مهنة الصحافة بمهنة الم تاعب ، ولأن السلطة الرابعة مرآة الدولة وضمير الشعب فحري برجالها الصدق والأمانة ، وعدم الانحياز لأي طرف من أطراف مكونات الدولة إلا للحقيقة ، الحقيقة كما هي دون أن يجمل القبيح أو يقبح الجميل ، فالسلطة أو الحكومة عند بعض الكتاب ليست سوى سلعة فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا سخطوا وقالوا عنها سلعة فاسدة وكالوا لها من الأقوال والأفعال ما ليس فيها !!
ثم هناك مسألة التحزب والتعصب التي تصيب الإنسان بعمى البصيرة وتفقده قدرة التمييز بين الصواب والخطأ ، والتفريق بين مصلحة الحزب والمصلحة العامة ، فغالبا ما يقدم الكاتب المتحزب مصلحة حزبه أو جماعته على المصلحة العليا والمصلحة العامة ، وهو ما يعد خيانة للمهنة والوطن والمجتمع ، فالمسئولية الملقاة على كاهل الكاتب عظيمة ويجب أن يدرك من سلك درب هذه المهنة عظمتها وخطورتها ، وعواقبها الوخيمة على الدولة والمجتمع اذا ما انحرف الكاتب عن طريق الحق والصواب ، فنأي الكاتب بنفسه عن الأهوى والإغوى من الموجبات والضروريات التي يجب التحلي بها بل انها من أخلاقيات المهنة ، كما أن مسؤولية الكاتب أن يكون معول بناء لا معول هدم ، ويساهم في ترسيخ مبدأ الانتماء والولاء للوطن سيما في هذه الحقبة الزمنية التي كثرت فيها أصوات النشاز وتدعو الناس إلى انتماءات متعددة عرقية وسياسية وطائفية ، وكلنا يعلم أثر هذه الدعاوي الشاذة وانعكاساتها السلبية على أمن وسلامة الوطن والمواطن.
وليس بخاف على الجميع ظاهرة فتور الإحساس بالولاء والانتماء الوطني لدى شريحة من أفراد المجتمع سببها الإعلام المعادي الذي جعل الوطن والانتماء له محصوراً في بوتقة المنفعة المادية التي يجنيها كل فرد من أفراد المجتمع ، وهنا تأتي مسؤولية الكاتب في نشر الوعي وتعزيز وتقوية أواصر الولاء والانتماء بين أبناء الوطن الواحد دفاعا عنه ، ودرءا للتهديدات الأمنية التي تواجهه أو قد تواجهه ، فهذا واجب ديني وأخلاقي ووطني ، بل إن ذلك من الجهاد في سبيل الله وتنفيذ لكل ما أمر به الله ورسوله من حض على الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه.