سياسة قطع الأذرع قد تكون مناسبة لكن بشروط

هل تفلح «آلية دول جوار السودان» في إنهاء حرب الجنرالات ؟

 

على ركام من الخسائر البشرية والمادية والمعاناة الإنسانية والانتهاكات وتعثر الجهود الإقليمية والدولية لوقف الحرب المندلعة في السودان، جاءت «مبادرة دول جوار السودان» هذه المرة من القاهرة التي احتضنت لقاء قمة جمع زعماء 7 دول مجاورة للسودان، أفضت إلى آلية وزارية للحل السياسي ووقف الحرب، كانت موضع ترحيب أطراف الصراع، وسط آمال بأن تفتح طريقا جديدا للسلام ينهي الدوامة العبثية التي يعيشها السودانيون منذ الإطاحة بنظام البشير.
الثورة  / تحليل / أبو بكر عبدالله

تكمن أهمية مبادرة «دول جوار السودان» الصادرة عن القمة السباعية لزعماء الدول المحيطة بالسودان المنعقدة مؤخرا في القاهرة، في أنها جاءت في ظل مشهد قاتم فرضته حدة الاشتباكات بين طرفي النزاع المسلح وتفاقم الحالة الإنسانية بعد أن أدت 3 أشهر من الحرب إلى نزوح 3 ملايين مدني، ناهيك بتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين بعد اتهام مكتب الأمم المتحدة قوات الدعم السريع بقتل 87 شخصا على الأقل بينهم نساء وأطفال في جريمة إعدام جماعية شهدتها ولاية دارفور.
والأهمية الأخرى أنها جاءت بعد إخفاق العديد من المبادرات الدولية والإقليمية التي قادها خلال الفترة الماضية الاتحاد الأفريقي، والآلية الرباعية للهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا «إيغاد»، وكذلك المبادرة السعودية الأمريكية والتي شرعت بتحركات مبكرة لكبح الصراع لكنها أخفقت في وقف كرة النار التي كانت أسرع من جهود كبحها.
أكثر من ذلك أنها جاءت في وقت شهدت فيه العلاقات بين الحكومة السودانية والآليات الأفريقية والأممية تدهورا حادا خصوصا بعد دعوة منظمة «إيغاد» نشر قوات حفظ سلام دولية في السودان، والتي اعتبرتها الخرطوم تدخلا سافرا في الشأن السوداني، وكذلك تصريحات المبعوث الأممي الجديد والتي أثارت ردود فعل غاضبة لدى الحكومة السودانية بعد أن تحدثت عن فقدان الحكومة السيطرة على الأوضاع بصورة كاملة.

التحركات المصرية
منذ اليوم الأول لتحرك المبادرات الإقليمية والدولية لوقف الصراع المسلح في السودان نأت القاهرة بنفسها عن المشاركة فيها، ربما لعدم قناعتها بتلك المبادرات التي فشلت في حل الأزمة سوى في إعلان هدن مؤقتة قصيرة لأسباب إنسانية شهدت أيضا انتهاكات من جانبي الصراع.
لكن الموقف تغير مع مضي الحرب نحو شهرها الرابع، حيث دعت القاهرة إلى قمة رفيعة المستوى لدول الجوار السوداني شاركت فيها مصر وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وإريتريا وتشاد وليبيا، فضلا عن وفد سوداني رسمي بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة.
استهدفت القمة الدفع بدول الجوار لتكون مشاركة وضامنة في جهد جماعي لإيجاد حل سياسي للأزمة السودانية انطلاقا من مبادئ الحفاظ على وحدة السودان ورفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني والتعامل مع ما يجري حاليا باعتباره أزمة داخلية وهي القضية التي تصدرت البنود الرئيسية لبيان القمة.
وقد حاولت مصر بهذه الخطوة الدخول بقوة في معادلة مبادرات حل الأزمة السودانية، بمشاركة جميع دول الجوار السوداني حاملة مبادرة تكاملية تساهم فيها دول الجوار السوداني بدرجة رئيسية لإيجاد حلول من شأنها تطويق الأزمة قبل توسعها إلى حرب أهلية سيكون من الصعب السيطرة على تداعياتها.
على أن التحركات المصرية اتسمت بحساسية سياسية خصوصا وهي تزامنت مع تعثر الجهود السعودية الأميركية وكذلك تعثر الجهود الأممية والأفريقية إلا أن القاهرة بادرت للمشاركة في وضع حلول للأزمة السودانية تحفظ أمن السودان وأمن دول الجوار والمنطقة بصورة عامة.
ذلك أن مصر هي الدولة الأولى من بين دول الجوار السوداني المرشحة لمواجهة تبعات خطيرة للحرب في السودان، وهو ما حذر منه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال ترأسه القمة بتأكيده أن انتشار الفوضى والإرهاب في السودان سينعكس سلبا على أمن دول الجوار والمنطقة.
وقد جاءت قمة دول جوار السودان لحشد كل الأطراف من أجل تطويق أزمة الاقتتال المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع بما يجنب السودان خطر الانزلاق إلى نفق الحرب الأهلية في ظل حملة الاستقطابات العاتية التي أشعلت مخاوف من حصول انقسامات في صفوف القبائل السودانية وتحولها إلى أطراف في حرب تجر السودان نحو المجهول.

قرارات القمة
وفقا للبيان الختامي الصادر عن القمة فقد أكد الزعماء المشاركون على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار.
وتضمن البيان إجماعا على العمل من أجل احتواء النزاع في السودان بأسرع وقت ممكن، وتلافي التداعيات المحتملة على المنطقة، من خلال التوافق على وقف مستدام لإطلاق النار، والموافقة على تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لوضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها «إيغاد» والاتحاد الأفريقي».
والعنصر الهام في هذه المبادرة هو تأكيد الدول المشاركة على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنا داخليا، والتشديد على عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة قد تعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها والحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها ومنع تفككها ومنع أي عوامل قد تؤدي إلى نشر الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها.
وشملت مخرجات القمة تعهدات بالتعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار ما سيترتب على استمرار الأزمة من زيادة للنازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطا إضافيا على مواردها يتجاوز قدرتها على الاستيعاب.
ووضعت مقررات القمة المجتمع الدولي والدول المانحة أمام استحقاقات الوفاء بتعهداتهم في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان المنعقد في يونيو الماضي، مقترحة توقيع اتفاق على تسهيل المساعدات الإنسانية إلى السودان عبر أراضي دول الجوار بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتسهيل العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجا داخل الأراضي السودانية.

تناغم المواقف
أفضت التحركات التي قادتها القاهرة إلى مواقف متناغمة بينها وأطراف الأزمة في الداخل السوداني ومواقف دول الجوار، وهو ما فسر ترحيب طرفي الصراع الجيش وقوات الدعم السريع بالمبادرة التي أقرتها القمة، بصورة سريعة ودون أي تحفظات.
وقد رحبت الحكومة السودانية بالمبادرة وأكدت العمل مع كل الأطراف الساعية لوقف الحرب، ناهيك عن تأكيدها استعداد القوات المسلحة السودانية وقف العمليات العسكرية فورا، إذا التزمت قوات الدعم السريع بالتوقف عن مهاجمة المساكن والأحياء والأعيان المدنية والمرافق الحكومية وقطع الطرق وأعمال النهب، فضلا عن تأكيد التزامها بحوار سياسي فور توقف الحرب يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تقود البلاد خلال فترة انتقالية تنتهي بانتخابات يشارك فيها جميع السودانيين.
كذلك رحبت قوات الدعم السريع بمقررات القمة وأكدت استعدادها التام «العمل مع جميع الفاعلين في الداخل والخارج من أجل التوصل إلى حل جذري للأزمة السودانية عبر استعادة المسار المدني الديمقراطي».
وثمة معطيات أخرى وراء هذا الترحيب، يتصدرها أن المبادرة حملت آليات محايدة لتحقيق هدفها في الحل السياسي وإنهاء دوامة الحرب، منحت السودانيين الفرصة لإيجاد الحلول المناسبة دون تدخل خارجي، كما تضمنت تعهدات من دول الجوار بالاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدة أراضيه ومنع أي محاولات للتدخل في شؤونه الداخلية، وهي آليات قد تضمن إلى حد كبير إنهاء الأزمة بأسرع وقت ممكن.
من جانب آخر، فإن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوداني في الخرطوم لعبت دورا في ذلك، فموقف الجيش جاء هذه المرة من مركز قوة، بعد أن تمكن من امتصاص الصدمة وأعاد تنظيم قواته وحافظ على تماسك الحكومة والجيش، وحظي بدعم شعبي واسع تكلل بتطوع عشرات الآلاف من السودانيين للقتال في صفوف الجيش، قياسا بحالة التدهور المريعة في صفوف قوات الدعم السريع.
ويصعب إغفال الحسابات الخارجية للجيش السوداني فهو أراد بترحيبه قطع الطريق أمام بعض أطراف الجوار السوداني وفي المقدمة إثيوبيا التي تحظى بعلاقات مع قوات الدعم السريع وقوى الحرية والتغيير، وتخشى الحكومة السودانية أن تلعب دورا سلبيا في الأزمة الحاصلة اليوم.
بالمقابل فإن ترحيب قوات الدعم السريع بالمبادرة، كشف عن رغبتها التمسك بأي ورقة تجنبها الانهيار الكامل، بعد الخسائر التي منيت بها في الأسابيع الأخيرة وتزايد حدة الانتقادات الدولية لها على خلفية تورطها بجرائم حرب.

بين النجاح والإخفاق
يمكن القول إن مبادرة دول الجوار السوداني قدمت مقاربات جديدة لبت مطالب طرفي الصراع ولا سيما الجيش السوداني الذي طالما بحث عن التزامات من دول الجوار بمنع التدخل الخارجي في الأزمة كونه سيعيق جهوده بتطويق الأزمة وسيعمل على توسع رقعة الحرب وتحولها إلى حرب أهلية.
ليس بعيدا عن ذلك القرارات التي خلصت إليها قمة «إيغاد» المنعقدة مؤخرا في أديس أبابا والتي دعت إلى نشر قوات حفظ سلام في الخرطوم لحماية المدنيين، بالتزامن مع دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى «فرض منطقة حظر طيران ونزع المدفعية الثقيلة»، وهي المقترحات التي رفضها الجيش السوداني معتبرا إياها تدخلا سافرا في الشأن السوداني، ومحاولة من نيروبي وأديس أبابا لدعم قوات الدعم السريع على الأرض.
بخلاف ذلك كانت الآلية الوزارية المقترحة من قمة دول الجوار السوداني، خيارا جيدا بالنسبة للحكومة السودانية من ناحية أنها أتاحت التزامات بمنع التدخلات الخارجية، كما أنها ستكون المعنية بفض الاشتباك بين الأطراف المتصارعة على الأرض عبر التواصل المباشر مع المعنيين، بالاستفادة من العلاقات بين الدول المشاركة في هذه المبادرة وطرفي الصراع، وهي آلية تبدو حتى الآن مضمونة لفض الاشتباك، بما يقود إلى وقف دائم لإطلاق النار.
ومن ناحية أخرى فإن كل دول الجوار السوداني ستكون بموجب الآلية الجديدة معنية بمواجهة أي تحركات مشبوهة لدعم انشقاقات في صفوف الجيش أو دعم دوامة الاستقطابات الجهوية والقبيلة والأثنية التي بدأت تطل بقرونها على مشهد الأزمة السودانية.
مع ذلك فإن الطريق لن يكون معبدا تماما أمام هذه الآلية، في ظل المطالب التي عبرت عنها إثيوبيا بما سمته الحل التكاملي للأزمة من خلال مشاركة «ايغاد» والاتحاد الأفريقي، وهي المطالب التي تم تضمينها في البيان الختامي للقمة وصارت الآن جزءا من الآلية الوزارية المقترحة.
ويأتي ذلك في ظل التوقعات بأن تستغل السلطات الإثيوبية مطالبها بمشاركة الآليات الأفريقية كأوراق ضغط على الحكومة السودانية لتخفيف الضغوط التي تواجهها بشأن الخلافات مع مصر السودان حول سد النهضة.
يتعين أيضا الإشارة إلى أن هناك أطرافا لها صلة بالحرب الدائرة في السودان من غير الدول المجاورة وهي ضالعة تماما في دوامة الصراع الدائر، وكان يمكن تحويلها إلى أطراف ثانوية لو أن بيان القمة السباعية تضمن التزامات من دول الجوار بالتعامل معها أو على الأقل تبني تحركات جماعية لتحويلها إلى أطراف داعمة لمبادرة دول الجوار السوداني، وهي خطوة يمكن تداركها.
في حال شرعت القاهرة بتحركات مع الاتحادات والمنظمات الإقليمية والدولية والعواصم العربية والغربية لإصدار بيانات تدعم جهود المبادرة الجديدة.

قد يعجبك ايضا