عيد الغدير

يكتبها اليوم / أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي

 

ها هي الأمور قد عادت إلى نصابها وعاد الحق إلى موضعه، فنحن حينما نحتفل اليوم بعيد الغدير إنما نُعيد أمجاداً سابقة ومحطات هامة كان اليمنيون يحتفلون بها بكل إباء وشموخ، إلى أن جاء المد الوهابي الخبيث بما هو عليه من صلف وغرور وعدم فهم للعقيدة فحاول إلغاء هذه المناسبة بكل الوسائل، فكما قال لي أحد الأصدقاء عندما كان في صعدة وقابل محافظ صعدة –آنذاك- يحيى العمري بدأ يُعدد منجزاته وكان أهم منجز تحدَّث عنه أنه ألغى الاحتفال بعيد الغدير، لم يدر أن هذه أكبر خسارة وليست منجزاً كما يعتقد لأن الفلسفة الإلهية واضحة في هذا الشأن ولولا جحود البشر وعدم فهمهم لقواعد الدين لكانوا ساروا في أمن وسلام من بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن كبار الصحابة أيضاً رغم أنهم اعترفوا وسلموا عقب واقعة الغدير بولاية الإمام علي، فقال عمر بن الخطاب مثلاً (بخ بخ يا أبا طالب لقد أصبحت وليي وولي كل مسلم ومسلمة)، هذا الأمر تغيَّر بعد وفاة الرسول وجاء علماء السوء ليحرفوا الفهم فقالوا إن الولاية هُنا ولاية في الدين وليست في الحكم، وهو تعسف ملحوظ وعدم فهم لمعنى النص ولم يتوقف الأمر عند ذلك، لكن هذه المغالطات تناسلت في حلقات التاريخ ووصلت إلى حد تأويل قوله سبحانه وتعالى ((يا أيها الرسول بلغ ما أنُزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمُك من الناس)) انظروا النص واضح ودلالاته معروفة فالخالق سبحانه وتعالى بعد أن أنزل على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)) أنزل هذه الآية، بعد ذلك وكما أجمع الكثير من المفسرين نزلت آية الولاية كآخر آية في القرآن، لكنهم قالوا عند التأويل إن الآية تخص الإسلام برمته، تأويل مفضوح يمكن أن يُدركه أي إنسان يعرف القراءة والكتابة فالنص يقول (فما بلغت رسالته) أي أنك يا محمد إن لم تعلن هذا النبأ الهام وهو نبأ الولاية والحكم فكأنك لم تبلغ الرسالة، لأنه لا يُعقل أن يكون الخالق سبحانه وتعالى قد فصَّل للناس كل الأحكام المتعلقة بالعبادات والحلال والحرام والحدود ولم يوضح أمر الحكم، فجاءت آية الولاية لكي تكمل هذا الفراغ، وهكذا فهمها الصحابة في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن الأمر اختلف عقب وفاته، والغرض واضح، فالكل كانوا يكنون الحقد للإمام علي -عليه السلام- لصفاته العظيمة وما اشتمل عليه من سمو في الأخلاق والقيم وحرص على المبادئ، وروح الانتماء للدين، وهذه الصفات التي ميَّزته عن غيره من الصحابة هي التي جعلته يستحق بجدارة أن يتولى أمر المسلمين بعد غياب الرسول كي يحافظ على النبوة والتوحيد للخالق سبحانه وتعالى كما أراد ذلك صانع الكون، لكنهم كما قُلنا حرَّفوا وغيَّروا وبدَّلوا كي يصلوا إلى سدة الحكم وهذا ما أدى إلى تعميق الخلاف والنزاع وإشعال الحروب الكبيرة بين المسلمين، بينما كان الإمام علي أكثر وضوحاً وصدقاً وإخلاصاً للدين في الفترة التي تحمَّل فيها أعباء المسؤولية وهو ما زاد الآخرين حقداً عليه خاصة فيما يتعلق بتوزيع الغنائم، فلقد ضاق به ذرعاً أولئك الذين تمتعوا بعطاء أكبر في زمن عثمان ومن قبله، فكان العطاء غير موحد خاصة لمن عرفوا بالبدريين وهم من شاركوا في غزوة بدر ومسميات كثيرة أوجبت التمايز وعدم العدل، فجاء الإمام علي فقال كلمته الشهيرة (لو كان المال مالي لعدلت في توزيعه فكيف لو كان مال الله سبحانه وتعالى وأنا موكل به) أو كما قال، إذاً هذه المواقف زادت من حنق أصحاب النفوذ والجاه والسلطان عليه وجعلته موضع رفض وهذا يحدث في كل زمن أن البطانة والأسرة والحاشية كلهم يتمتعون بمزايا خاصة من قبل الحاكم القابع على سدة الحكم، بينما يبقى الآخرون مجرد رعاع يحصلون على الفتات وهذا ما لم يرتضه الإمام علي -عليه السلام-، الذي كانت صفاته لا تختلف كلياً عن صفات الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأراد أن يكون امتداداً لزمن الرسول إلا أن الكروش كانت قد انتفخت وحالات الاستئثار اتسعت، وكان من الصعب التخلص منها في ظل تمسك من انحدروا إليها وإن كانوا من الصحابة وللإمام علي -عليه السلام- صفات عظيمة تفرد بها لا تتسع لذكرها هذه المساحة، وإن شاء الله سنتناولها في مواضيع قادمة .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا