سبعيني يواجه امتحان إتمام الثانوية العامة من خلف القضبان


استطلاع | وائل شرحة –
المنطقة التعليمية بالأمانة تتجاهل احتياجات المدرسة رغم أهميتها

لم يكن يدرك بأنه سيتعلم أو أن ظروف الحياة ستسمح له بالالتحاق بالمدرسة لتلقي العلم خاصة بعد أن تجاوز عمره الستين عاماٍ.
انضم للمؤسسة العسكرية قبل أن تكون شهادة الثانوية أو الأساسية من شروط الالتحاق بالقوات المسلحة.
لكن لا أحد يعلم ما يخبئ القدر له.. فقد كان مع موعد لارتكاب جريمة تسوقه إلى الإصلاحية المركزية بصنعاء.. ليتعلم فيها بعد يأس طويل وعمر كبير.
النزيل عبدالله قائد ناجي النبهاني ( 75عاماٍ ).. أحد طلاب الثالث الثانوي بمدرسة الميثاق الكائنة بمركزي صنعاء.

ومثله الرجل الستيني “حسين حميد علي غزوان” وقفت الظروف المادية والمعيشية بينه وبين المدرسة عائقاٍ ليس من السهل التخلص منها بالإضافة إلى نظرة المجتمع الخاطئة والقاصرة لمن يود التعلم من كبار السن.
كان يرى أقرانه ممن حالفهم الحظ وتعلموا حتى حصلوا على شهادات ومؤهلات جامعية وأعمال ووظائف محترمة وغير شاقة.. فيحز ذلك الأمر في قلبه وينفصل مع ذاته.. يعاتب حظه.. ويستاء من قدره.. ويقرر بأن يواصل العمل الشاق.. ويشق طريقاٍ لأولاده.. يتعلمون ويحصلون على شهادات جامعية وسط احتفال كبير.. غير الطريق التي أقحم هو فيه..
لكن وما هي إلا أشهر وقد ارتكب حسين غزوان جريمة أدخل بسببها الإصلاحية المركزية بصنعاء.. وهناك رأي بأن حلمه أوشك على أن يتحقق.
ما وطأت قدماه بوابة الإصلاحية إلا وهو يتساءل: هل أستطيع أن أتعلم.. أن التحق بالمدرسة.. هل ذلك ممكن ¿!!
غزوان هذا العام مستعد لاختبارات شهادة الثالث الثانوي.. ومستعد أيضاٍ لمواصلة التعليم الجامعي خلال العام القادم بجامعة صنعاء من داخل الإصلاحية كغيره من السجناء الذين واصلوا التعليم أثناء فترة محكوميتهم.
مدرسة الميثاق تتبع المنطقة التعليمية لمديرية ـ منطقة شعوب ويدرس السجناء فيها من الصف السادس أساسي وحتى الثالث الثانوي, بالإضافة إلى فصل خاص بمحو الأمية.
تقرير إحصائي صادر عن قسم الإصلاح والتأهيل بالإصلاحية يوضح عدد الطلاب المسجلين بالمدرسة للعام الدراسي (2013ـ 2014(م إذ بلغوا نحو (323) طالباٍ في مختلف الصفوف منهم (179) مسجلاٍ في قسم محو الأمية وما يقارب (61) طالباٍ مسجلاٍ للتعليم الأساسي بينما (83) طالباٍ في المرحلة الثانوية.. ولفت التقرير إلى أن أكثر من 207 طلاب متقدمون للامتحانات خلال هذا العام الدراسي.
وأشار التقرير إلى أن عدد الطلاب في مدرسة الميثاق سنوياٍ يتراوح ما بين 150 إلى 170 طالباٍ تقريباٍ.
وبحسب التقرير فإن عدد المدرسين العاملين في مدرسة الميثاق يصل إلى 30 مدرساٍ منهم 9 معلمين تابعين لوزارة التربية والتعليم و8 من مصلحة التأهيل والإصلاح (السجون سابقاٍ) بينما 13 مدرساٍ “متطوعين” من نزلاء الإصلاحية الحاصلين على الشهادات الجامعية في تخصصات عدة, بينهم مدرس واحد أردني.
وتتكون المدرسة من 7 فصول ومكتب للإدارة وآخر للمعلمين ومخزن وغرفة كنترول.
يقول رئيس قسم التعليم والإصلاح بالإصلاحية سمير قاسم الحكيم: “تعتبر المدرسة من أبرز برامج التأهيل والتدريب للنزيل, إذ إنها تساهم في إعداد النزيل للخروج إلى المجتمع وقد سلك طريق العلم والبحث عن مستقبل أفضل بعيداٍ عن طريق الشر والجريمة التي كان يمارسها قبل أن يدخل السجن”.
وأضاف الحكيم: “تهدف المدرسة إلى لفت نظر جميع النزلاء لأهمية التعليم ودوره في بناء شخصية النزيل وإعداده ليكون مواطناٍ صالحاٍ يخدم وطنه ومجتمعه وأسرته بعد أن تنتهي فترة محكوميته ويطلق سراحه, بالإضافة إلى إشعاره بأهميته في مجتمعه حتى وإن كان سجيناٍ وكذا إشغال وقته بما هو مفيد ويساهم في بناء عقليته وإعادة تأهيله وإحساسه بأنه فرد ومواطن مثل غيره وليس مجرماٍ”.
وأكد رئيس قسم الإصلاح والتأهيل بالإصلاحية على أن المدرسة تعاني من مشاكل عديدة تعيق وتحيل بين تحقيق أهدافها وترجمة الطموحات المؤمل منها على أرض الواقع, ويقول: أبرز تلك المعوقات النقص الحاد للأدوات والإمكانات الفنية اللازمة للتعليم وكذا عدم تأهيل وتدريب وتطوير قدرات المدرسين المتطوعين من السجناء والازدحام الشديد الذي تشهده المدرسة.
التعليم بالنسبة للأحداث المتراوحة أعمارهم ما بين (7 إلى 17) المتواجدين داخل الإصلاحية يعتبر إجبارياٍ, بينما البالغون أو الراشدون فلهم الحرية في التعليم وبحسب الرغبة.
الأستاذ حسان بن حمدان أحد المدرسين المتطوعين ـ أردني الجنسية ـ يقول “بعض الأحداث لا يريدون أن يدرسوا رغم أن التعليم إلزامي لهم وكذا النزلاء الراشدون إذ نجد بعض الأحيان صعوبة في التعامل معهم أثناء تدريسهم من شغب ورفض دخول الفصول والاستماع”.
وقت الدوام الرسمي بالمدرسة من الساعة الثامنة صباحاٍ وحتى الحادية عشرة ونصف ظهراٍ بمعنى كل يوم أربع حصص, بحسب الأستاذ حسان الذي أكد حرص المدرسين على كيفية التعامل مع الطلاب واجتهادهم في توفير الأجواء المناسبة حتى يشعر السجناء بأنهم في مدرسة وليس سجناٍ.
وشدد حمدان على ضرورة الاهتمام بمدرسة الميثاق وتوفير الإمكانات الفنية من سبورات وكراسي وقرطاسية وكتب ودفاتر وأقلام.. وكل ما يساعد ويساهم في تحقيق أجواء دراسية ومناخ تعليمي مواز للمدارس الأخرى المتواجدة خارج السجن.. مشيراٍ إلى أن المدرسة تعاني من مشاكل وصعوبات كثيرة, أبرزها تأخير القرطاسية والمناهج التعليمية.
وناشد حمدان وزارة التربية والتعليم ممثلة بمنطقة شعوب وكذا رئاسة مصلحة التأهيل والتدريب ومنظمات المجتمع المدني الاهتمام والالتفات إلى مدرسة الميثاق التي تعد من أهم وسائل تأهيل وتدريب وإعادة إصلاح النزلاء وتحويلهم من أشخاص مخطئين ومجرمين إلى أفراد مفيدين ومتعلمين وصالحين يساهمون في بناء الوطن والمجتمع والأسرة بالإضافة إلى توفير مدرسين متخصصين بالمواد العلمية كون المدرسة تفتقر لهم.
في السياق ذاته طالب أيضاٍ رئيس قسم التعليم والإصلاح بالإصلاحية سمير قاسم الحكيم قيادة وزارتي الداخلية والتربية بالنظر بعين الاعتبار إلى مدرسة الميثاق وتوفير القرطاسية الكافية للطلاب.. بإعتبار ما تصرفه مصلحة التأهيل والإصلاح من دفاتر غير كافية حتى لتغطية مادتين لكل طالب, بحسب الحكيم .. منوهاٍ بأن الصعوبات التي تعيق المسيرة التعليمية بمدرسة الميثاق والنهضة العلمية وتثقيف وتعليم وتوسيع مدارك الطلاب كثيرة وإزالتها يحتاج إلى التفات وتعاون مشترك بين وزارتي الداخلية والتربية ومنظمات المجتمع المدني.
وضعنا المشاكل والمعوقات التي تعاني منها مدرسة الميثاق على مصلحة التأهيل والإصلاح ممثلة بمدير عام الإصلاحية المركزية بصنعاء العميد الركن/ صيفان صالح المحجري, وذلك لمعرفة ما يمكن أن تقوم به الإصلاحية لحلحة المعوقات لكننا اكتشفنا بأن إدارة الإصلاحية ليس لديها إمكانات مادية أو بشرية حتى تقوم بتوفير متطلبات ومستلزمات التعليم لمدرسة الميثاق, بحسب العميد الركن المحجري.
وأكد مدير عام الإصلاحية المركزية بصنعاء أن مهمة تطوير وتوفير احتياجات المدرسة يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم ممثلة بفرعها بمنطقة شعوب كون مدرسة الميثاق أحد المقار التعليمية التابعة لوزارة التربية وليس الداخلية.
واستغرب العميد الركن/ صيفان المحجري من إهمال وتجاهل وزارة التربية لمدرسة الميثاق بالرغم من أنها تابعة لها وتعتبر من أبرز معالم تأهيل وتدريب وإصلاح السجناء.. مشيراٍ إلى أن المدرسة تفتقر للإمكانات الفنية البسيطة التي يجب أن تتوفر فضلاٍ عن النقص الحاد في عدد المدرسين لا سيما المتخصصين بالمواد العلمية.
وطالب مدير عام الإصلاحية المركزية بصنعاء مكتب التربية بمنطقة شعوب بأمانة العاصمة بالنظر إلى مدرسة الميثاق وحقوقها كغيرها من المدارس التابعة لها وأن توفر لها الكراسي والكتب وكل الأدوات المتطلبة لمواصلة التعليم.
يقول الأستاذ المتطوع حسان بن حمدان “يجب أن توفر وزارة التربية والتعليم زياٍ رسمياٍ لطلاب مدرسة الميثاق.. لأن ذلك سيخلق لهم أجواء تعليمية حقيقية حين يجدون أنفسهم يرتدون ملابس خاصة بالمدرسة ومختلفة عن ملابس السجن”.

تصوير/محمد حويس

قد يعجبك ايضا