في العلاقة بين الشأن المحلي والدولي

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

بين الشأن المحلي والدولي علاقة لم يعد بالإمكان قطعها أو تجاهلها بعد أن اتسعت الصلات وتطورت وسائل النقل والمواصلات والاتصالات بمختلف أنواعها وأشكالها، وأصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل العيش في حالة عزلة كما عاشتها بعض الدول ومنها اليمن التي أطلق عليها الشهيد محمد محمود الزبيري (جزيرة واق الواق ) في روايته التي حملت نفس الاسم تعبيراً عن مدى عزلتها في مراحل اعتمد المستبدون العزلة وسيلة للحفاظ على السلطة وهي وسيلة تبين أنها محض وهم فسياسة العزلة لا تؤدي ولن تؤدي سوى إلى مزيد من الضعف والتخلف وتنمية الأحقاد داخل المجتمعات لأن الداخل عنوان للخارج حباً وبغضاً قوة وضعفاً، فلا يمكن أن تكون قوياً مهاباً في الخارج وأنت مكروه منبوذ متخلف في الداخل.
هذا هو منطق من يحب الحياة ويعشق الحرية ويقرأ التأريخ بوعي من يبحث عن الاستفادة من تجاربه لا من يبحث عن عبادة القبور وتقديس الأولياء والتوقف عند مرحلة مظلمة من مراحل الصراع والعصبية المريضة ونظرة التقديس والتكديس التي كبلتنا مئات السنين والتي لم نذق منها سوى ويلات الحروب والصراعات المتوارثة؛ لابد من الخروج من هذه الدوامة لمن يريد الحياة ويتوق إلى العيش الكريم.
لغة المصالح تُسَيِّر العامل الدولي الذي ما يزال وسيظل متحكما بحياة الدول والبلدان، ومع ذلك تتفاوت فرص نجاح التدخل في شؤونها وصوره بتفاوت مستويات الوعي لدى حكومات وشعوب هذه الدول، ولا يوجد وصفة سحرية لتحديد ضوابط العلاقة بين العامل الوطني والدولي ومستوى تأثير أي منهما على القرار سوى الوعي الوطني الذي تتولد عنه سلطة تقوم إدارتها على العلم وليس على التنجيم والخرافة وإثارة النزعات الطائفية والقبلية أو غيرها مع أن مستوى الوعي لدى القبيلة اليمنية تجاوز منذ زمن حالة العصبية العمياء ربما أكثر من غالبية من أصبحوا في مواقع مؤثرة في اتخاذ القرار بدون أي مؤهل !، بإمكان أي سلطة استخدام إمكانات الدولة في إخضاع الناس لما تريد أحيانا ولكن هذه اللعبة خطرة على من يستخدمها أكثر من خطورتها على الشعوب إذا لم يكن ما تريده يخدم المصلحة الوطنية خاصة إذا تحلت الشعوب بالوعي وقاومت أسباب وعوامل الجهل والتجهيل ، ومن يعتمد على هذه العوامل والأسباب إنما يراكم عوامل التفجير إلى أجل لن يكون له عليه سلطان لا في وقته ولا في قوته أو نطاقه ومداه وما ينتج عنه من آثار فكما ينمو الأفراد تنمو الدول وتتطور وتكسب احترام بقية الدول أو تنكمش وتنهار وتلاحقها لعنات الشعوب والتأريخ ؛
في مجلس أحد الأصدقاء تحدث أحدهم عن حضور بعض الدول بل وبعض الدويلات المصطنعة في الساحة الدولية وقبولها في حضن ما يسمى المجتمع الدولي بل واحتضانها رغم ضآلة حجمها المادي في الجغرافيا (المساحة) والديمغرافيا (حجم السكان) وفي تأريخها الذي لا يتجاوز متوسط عمر إنسان تحدث هذا الصديق عن استخدام هذه الدول كماشة لممارسة بعض أساليب التوحش في حق الشعوب ذات التأريخ الحضاري التي سمحت بجعلها ضعيفة أو مستضعفة في العلاقات الدولية مع التغني بماضيها وعن بعض ألاعيب الدول المتحكمة بالشرعية الدولية وحركة التأريخ وفي إضعاف هذه الدولة أو تلك ، وهنا أعتقد أن القاعدة الذهبية هي أن قوة الدول وقدرتها على مقاومة التدخلات في شئونها تعتمد على نقطتين أساسيتين:
الأولى: التحرك المسؤول داخلياً نحو بناء الجبهة الداخلية على الحوار والمشاركة في صنع القرار بمنطق المواطنة المتساوية واحترام مبدأ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة وهذا ما تبنى على أساسه الدول القوية في عصرنا ويصون ويحمي وحدتها الوطنية وتماسكها ويحقق العدالة.
الثانية: فهي التعامل مع العامل الخارجي للتدخل مهما كانت ضراوته وقسوته باتباع سياسة فن الممكن بروح من يبحث عن التكامل بين المصالح المشروعة والمقاومة للمصالح غير المشروعة.
هذا هو الضابط لما يسمى لغة المصالح وبه تقاس قدرة الدول على البقاء أو تعرضها لأسباب الفناء، فكم من أمم سادت ثم بادت لأنها فقدت القدرة على امتلاك هذه اللغة في تعاملها مع واقعها المحلي ومحيطها الإقليمي والدولي وفقدت قدرتها على المحافظة عليها بل وكم من امبراطوريات ذابت كالملح لاعتمادها على قوة البطش دون حكمة ودون هدى رغم ادعاءاتها بأنها استمدت قوتها وسلطانها من الله وكل من فعل ذلك في الماضي أو يفعله في الحاضر إنما يعتمد على الوهم ودون مبالاة بآلام ومعاناة الناس وسيدرك هذه الحقيقة طال الزمن أم قصر.
قفوا حيث أنتم
لا تستفزوا الجبال
البحر يتلو مواجيده والسماء ترجى
والزمان يسجل في دفتر الانتظار
لحظة الاندثار.

قد يعجبك ايضا