خلال الفترة الماضية كانت الجهود العمانية تنصب على حل الملف الإنساني ودفع الرواتب ورفع الحصار على مطار صنعاء وعلى موانئ الحديدة، وتركز على وضع خارطة طريق للتوصل إلى تسوية سياسية تبدأ أولا بحل الملف الإنساني وما فيه من قضايا ومعالجة الأضرار التي خلفها العدوان والحصار على اليمن، ثم الملف العسكري وقف العدوان السعودي ووقف الضربات اليمنية وإنهاء التواجد الأجنبي والاحتلال للمحافظات المحتلة وفتح الطرقات وعودة الأمن والأمان إلى المناطق التي يعربد فيها العدوان ومرتزقته ، ثم بعد أن يتحقق السلام بين اليمن وبين مملكة العدوان السعودية ومن يحالفها في الحرب على اليمن، يأتي اليمنيون إلى عملية سياسية شاملة فيها المصالحات الوطنية وفيها ما فيها من تسويات وطنية أيضا.
وبالفعل كانت الجهود العمانية قد وصلت إلى نقاط إيجابية في الملف الإنساني، وكانت النقاشات التي جرت في صنعاء نهاية شهر رمضان مثمرة وبناءة، غير أن أمرين اثنين حدثا في طريق هذه الجهود.
أما الأمر الأول، فما إن بدت المؤشرات الإيجابية حتى حاولت مملكة العدوان السعودية تقديم نفسها كوسيط بين اليمنيين، وقد أطلقت – من خلال آلتها الدعائية والتصريحات الكلامية لمسؤوليها وناطقيها من مستويات عديدة – سيلا من التصريحات والتسريبات والادعاءات بأنها تقوم بعمل وسيط بين اليمنيين، وأن وفدها في صنعاء يتوسط بين اليمنيين، قافزة على حقائق ثمانية أعوام من الحرب العسكرية والحصار الإجرامي والتدمير والقتل وعاصفة الحزم والعزم والمذابح، وعما فعلته السعودية وحربها باليمنيين في ثمانية أعوام، قافزة على كل ذلك إلى تلبس الوسيط، وفاعل الخير بين اليمنيين، وكان ذلك التلبس مؤشرا على النوايا التي تبيتها مملكة العدوان السعودية وقادتها، وكاشفا عن أن مساعيها ليست جادة ولا صادقة في وقف العدوان ورفع الحصار وإحلال السلام بل لإعادة موضعة نفسها من مسمى قائدة لتحالف الحرب والحزم والعرب والعجم إلى وسيط وفاعل خير بين اليمنيين، وأنى لها ذلك؟!
إن ما تعرضت له اليمن منذ 26 مارس 2015 وإلى اليوم، كانت حربا إجرامية بشعة ومروعة، حشدت فيها مملكة العدوان السعودية كل الوسائل والممكنات والأدوات واستراتيجيات الموت والقتل الجماعي، ومن القتل بالغارات والقنابل والصواريخ والأسلحة الفتاكة والمحرمة وبالمرتزقة والمأجورين والجيوش المستأجرة، إلى الحصار البربري الشامل برا وبحرا وجوا على كل مقومات الحياة من الوقود إلى الغذاء إلى الدواء، قامت مملكة العدوان السعودية بحظر وصولها ومنعها إلى بلوغ اليمنيين، إلى الحرب الشعواء والضارية على الاقتصاد والمعيشة في اليمن، فاستهدفت البنك المركزي والعملات وقطعت المرتبات وأمعنت في تجفيف الموارد ونهبها، وحاولت من وراء كل ذلك التحشيد والتوظيف لكافة الممكنات سحق اليمنيين وإماتتهم جميعا وبدون استثناء.
خلال ثمانية أعوام لم تكن مملكة العدوان السعودية توزع الصدقات وتفعل أفعال البر والتقوى، بل كانت تقتل وتسحق البشر بآلتها العسكرية، وتميتهم بحصارها البربري، أي قوة في الأرض ستمحي حقيقة أن السعودية هي من أعلنت وشنت الحرب على اليمن، وأن سلمان – الذي قال في قمة شرم الشيخ «ستستمر عاصفة الحزم» – هو ملك السعودية وليس ملك موزمبيق، وأن عادل الجبير الذي أخبر العالم بشن الحرب على اليمن من واشنطن ليل 26 مارس، هو سفير السعودية وليس سفير إيران أو قطر، وأن أحمد العسيري الذي عقد مئات المؤتمرات الصحفية، يُحدث العالم عن غارات عاصفة الحزم كان ضابطا سعوديا وليس إثيوبيا أو مرتزقا حتى تصير المسألة يمنية – يمنية، أو يمنية إثيوبية مثلا، ومحاولة السعودية الانقلاب على هذه الحقائق كمن يحاول تغطية الشمس بغربال.
الدم اليمني الذي سال غزيرا طيلة ثمانية أعوام ليس ماء رخيصا، والمذابح والمجازر والفظاعات الموبقة التي راح فيها عشرات الآلاف من اليمنيين شهداء ومصابين ومعاقين وجرحى وجوعى لم تكن فعاليات ترفيه بل جرائم مشهودة وموثقة بالصوت والصورة، وعشرات الآلاف من اليمنيين إن لم يكونوا مئات الآلاف لم يقتلوا بمدافع المرتزق هادي أو المأفون العليمي، بل قتلوا بغارات وصواريخ وقنابل طائرات وقاذفات وبارجات ومدافع عاصفة الحزم السعودية، وماتوا كذلك بالحصار والتجويع الذي فعلته عاصفة الحزم والعزم السعودية، ومن أوهم السعودية أنها وسيط اليوم بين ركام الضحايا في صنعاء، هو الشيطان الذي دفعها لشن الحرب الإجرامية أولاً!!
السعودية اليوم مطالبة أولا بأن توقف الحرب وتنهي الحصار والاحتلال وتجبر الأضرار، وتعتذر عن حرب ظالمة آثمة شنتها على الشعب اليمني بغيا وعدوانا، قبل أن تفكر بوضع علاقاتها المستقبلية مع اليمنيين، غير ذلك فهي تضرب الرمل وتبلط في البحر الهائج.
الأمر الثاني الذي حدث في طريق الجهود العمانية، وقوضها وأسقطها وأفشلها، هو الدور الأمريكي الذي اعترض طريق تلك الجهود، وعمل على تقويضها في الملف الإنساني وتفخيخها بمغالطات وقحة وزائفة كعادة الأمريكي في كل الملفات.
وقد جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى الرياض واللقاءات والتصريحات التي أطلقها خلال لقاءاته بالسعوديين وبالمرتزقة خلال اليومين الماضيين لتزيح الستار أكثر عن الدور الأمريكي في هذه المرحلة، فقد ظل بلينكن يكرر ما يسميها «دفع عملية السلام بين اليمنيين»، وما فتئ يقدم الشكر للسعودية على ما زعم أنها جهود مبذولة، وهو بذلك، يكشف عن الدور الأمريكي بشكل لا لبس فيه، في استمرار العدوان والحصار وإفشال صرف المرتبات وفي تفخيخ الجهود العمانية، بل وكأنه أصدر بيانا ينعي تلك الجهود فعليا.
قفز الأمريكي إلى ما يسميه «السلام بين اليمنيين»، هدفه إبعاد تحالف العدوان عن أي التزامات تترتب على أي اتفاق أو تفاهم، وتحويل المسألة وكأنها مسألة يمنية داخلية بحتة من خلال ما يسوقه من مزاعم «عملية السلام بين اليمنيين»، استطاع الأمريكي إسقاط المساعي العمانية وإفشال التفاهمات الأولية التي رعتها عمان حول رفع الحصار ودفع المرتبات التي ينظر الأمريكي إليها كشروط مستحيلة وغير مقبولة، ويمكن بناء على ذلك التأكيد على جملة من الحقائق:
– نجح الأمريكي في إسقاط وإفشال الجهود العمانية، التي بذلتها عمان بهدف التوصل إلى حلول عملية للملف الإنساني والمعيشي بدءاً برفع الحصار وصرف المرتبات ومعالجة أضرار العدوان، بالتوازي يعمل بشكل مكثف على تعزيز احتلاله للمحافظات والمناطق المحتلة ومضاعفة تواجده العسكري وسيطرته، وذلك يظهر من تحركات سفيره المشؤوم في حضرموت ومارب والمهرة مؤخرا، بالقفز إلى ما يسميه عملية السلام بين اليمنيين.
– حديث الأمريكي عما يسميها «عملية السلام بين اليمنيين»، مغالطة مكشوفة هدفه منها تضليل العالم بأنه يريد السلام ، بينما يدفع عمليا إلى استمرار العدوان الحصار والمعاناة على الشعب اليمني، ويريد من ذلك إبعاد تحالف العدوان من أي تبعات تلزمه من أي اتفاقات في الجانب الإنساني والعسكري إلى القفز إلى ما يسميه السلام بين اليمنيين، وإلا إغلاق الباب نهائيا أمام صرف المرتبات ورفع الحصار، وتأجيل قضية انسحاب القوات الأجنبية من اليمن إلى وقت يتمكن فيه من تثبيت نفسه من خلال معادلة سياسية جديدة يتوهم بأنه سيتمكن من فرضها في اليمن.
– الحقيقة المهمة التي يجب أن ندركها اليوم، أن الأمريكي والسعودي وكل أطراف تحالف العدوان ماضية في غيها وطغيانها في العدوان والحصار على اليمن، وأن الجهود العمانية وصلت إلى طريق مسدود، وليس أمام اليمنيين من خيار إلا تفعيل معادلة انتزاع الحقوق بالقوة العسكرية وضرب ما يمكن ضربه من مصالح ومنشآت وأهداف.
والسؤال المهم جداً: هل ترغب مملكة العدوان السعودية في إنجاز مشاريعها الاقتصادية، أم أنها تتوهم ذلك إذا كانت مستمرة في عدوانها وحصارها وتنصلها عن المسؤولية التي تلزمها تجاه اليمن ؟ وهل تراهن على وعود أمريكا لها بالحصول على أسلحة تدافع بها عن نفسها ضربات مقبلة؟
الإجابات يجب أن تكون سعودية في هذه المرحلة..ولله في خلقه شؤون.