رسالة من تحت الماء !

يكتبها اليوم / عباس السيد

 

خلال أسبوع واحد شهدث عدد من المحافظات اليمنية خمسة حوادث غرق راح ضحيتها 18 شخصاً، النصف منهم نساء وأطفال . معظم هذه الأحداث كان مسرحها سدود وحواجز مائية .
خمسة في سد بني مطر ، وسبعة في سد عليان في إب ، اثنان في سدين بالبيضاء ، وثلاث نساء في حجة ، وفتى في ريمة . كل هذا خلال أسبوع واحد .
هناك أسباب كثيرة تقف وراء هذه الأحداث المأساوية ، لكن إهمال السلطات المحلية في المحافظات والمديريات التي شهدت تلك الأحداث بعدم توفيرها وسائل الحماية والأمن لتلك المنشآت يأتي في مقدمة الأسباب .
اثناعشر من الضحايا ماتوا داخل سيارتين ، الأولى ابتلعها سد « شلال بني مطر» 70 كم غرب العاصمة صنعاء في 27 مايو الماضي. والثانية هايلوكس على متنها 10 أفراد من عائلة واحدة ، ابتلعها “سد عليان ” في مديرية جبلة بمحافظة إب في الأول من يونيو الجاري.
أخبار الحادثين المأساويين كما جاءت في بعض الوسائل الإعلامية ، حمَّلت المسؤولية ـ بشكل ضمني ـ للسائقين ، وأشارت إلى أن السبب في الحالتين يعود إلى السرعة الزائدة وعدم القدرة على التحكم بالسيارة .
لكن ، من يتأمل موقع الحادثين عند سد بني مطر في صنعاء ، وعند سد عليان في إب ، يشعر بحجم الإهمال والخطرالذي يحيط بهذه المنشآت المائية ، وأنها ستظل فخا لإبتلاع المزيد من الضحايا ، سواء كانوا يركبون سياراتهم أو يركضون راجلين أو يسبحون .
نحن لا نستبعد فرضية السرعة أو الخلل الميكانيكي للسيارتين وأن السائقين لم يستطيعا التحكم بسيارتيهما ، ولكن إذا كانت هناك أسوار أو حواجز على حافة السدين تمنع سقوط السيارات إلى السد لما حدثت مثل هذه المآسي الكارثية .
الخطر لا يقتصر على السيارات التي تصل أو تمر بحواف السدود ، حتى من يسير على قدميه ليس بمأمن من الخطر بالنظر إلى طبيعة الأرض التي تشكل حواف هذه المنشآت ، وهي صخرية زلقة كما هو الحال عند مسقط شلال بني مطر ، المكان الذي سقط فيه زوجان في أغسطس 2019 ، وهما يحاولان التقاط صورة ، لتختلط دماؤهما بمياه الشلال . توفي الزوج على الفور ولم يعرف مصير الزوجة التي نقلت بحالة حرجة إلى مستشفى بالعاصمة .
كثيرة هي الحوادث التي شهدها سد شلال بني مطر بالنظر إلى أنه يعتبر أحد المتنفسات الطبيعة لسكان العاصمة صنعاء ، المدينة التي تفتقر إلى المتنزهات والحدائق لتلبية حاجة سكانها الذين يجتازون الأربعة ملايين نسمة .
خلال العقدين الماضيين تضاعف سكان العاصمة و تضاعفت مساحتها العمرانية ، فيما ظل عدد المتنفسات والحدائق كما هو : حديقتان يتيمتان : الثورة شمال العاصمة ، والسبعين في جنوبها ، وثالثة للحيوان جنوب شرق العاصمة لم تشهد تطورا منذ افتتاحها عام 1999 سواء في رعاية حيواناتها أو في جذب الزائرين . وما ينقل عنها في وسائل الإعلام العربية والدولية والمحلية يعكس صورة سيئة عن اليمن واليمنيين ، وهو كفيل بأن تقوم السلطات المعنية بفتح صفحة جديدة مع الحديقة وحيواناتها وزائريها ، لكن لا حياة لمن تنادي .
وفقا لمصادر غير رسمية ، يقدر عدد ضحايا الغرق في سد شلال بني مطر خلال الخمس السنوات الماضية بين 35 و 50 ضحية ، ومع ذلك ، لا يبدو أن تكرر هذه الأحداث ، وتزايد أعداد الضحايا سيؤثر على أعداد زوار الشلال الذين يهربون من هموم الحياة وضجيج المدينة بحثا عن ساعات من اللهو والمتعة وإن على حافة الهاوية.
رحل عشرات الضحايا ، نساء وأطفال فتيات وشباب ، ومن تحت الماء أرسلوا لنا الكثير من الرسائل ، لم نسمعها ولم نقرأها ، فهي بالنسبة لنا ، مجرد أعمدة من الفقاعات الصاعدة تختفي عند صفحة الماء .
لا يمكن لأي مسؤول أو متملق أن يتذرع بظروف الحرب والحصار كعائق يؤجل خطط السلطات المعنية لتلبية احتياجات الناس وخصوصاً فيما يتعلق بزيادة أعداد الحدائق والمتنزهات العامة وتطويرها . ففي مثل هذه الظروف الصعبة التي نعيشها في صنعاء وبقية المدن اليمنية ، نحن أكثر حاجة إلى الحدائق والمتنزهات من سكان دبي وطهران وغيرها من مدن العالم .
بتكاليف قليلة يمكن أن تتحول منطقة شلال بني مطر إلى حديقة جبلية أكثر جمالاً ومتعة من الحدائق الجبلية التي تحيط بطهران أو دبي .. وبذلك نحمي الناس ونخدمهم ، ونخلق فرص عمل ، ننعش السياحة الداخلية وننمي الموارد المحلية .
علينا فقط أن نحسن استغلال إمكاناتنا ، ولدينا الكثير من المقومات .
وعلى سبيل المثال ، ماجدوى مشروع « أبراج الصماد الطبي ” الذي أعلنت هيئة الأوقاف مؤخرا عن اعتزامها تنفيذه في أمانة العاصمة .؟.
يبدو من خلال الاسم أن المشروع سيخصص كعيادات خاصة يستأجرها الأطباء .! ولو انه خصص للسكن لكان ذلك أفضل بالنظر إلى أزمة السكن الحالية . لكن يبدو أن أصحاب فكرة المشروع لا يعانون أزمة السكن والإيجارات . هل أصبحت الحاجة إلى توفير شقق يستخدمها الأطباء كعيادات خاصة قضية وطنية اجتماعية ملحة تستدعي تدخل هيئة الأوقاف لحلها ؟. و قبل ذلك ، هل يعاني الأطباء صعوبة في الحصول على أماكن لعياداتهم فعلا ؟.
لم يشر الخبر إلى تكلفة مشروع « أبراج الصماد الطبي» ، لكنه بالتأكيد سيكلف عشرات المليارات . ولو أن الهيئة أستثمرت أقل من مليار ريال فقط في منطقة شلال بني مطر ، لجعلت من المكان أجمل حديقة جبلية في العالم ، وستكسب من خلالها مالاً وفيراً وأجراً عظيماً .
aassayed@gmail.com

قد يعجبك ايضا