بعد انهيار الاتحاد السوفييتي نهاية القرن الماضي وانتقال العالم إلى هيمنة القطب الواحد، بدأ الإعلام الأمريكي ومعه البريطاني يروجان لفكرة الزمن الأمريكي، ما كان يُقال في تلك الفترة باستحياء خرج إلى العلن بشكل سافر عقب أحداث نيويورك عام 2001م، فأفصح كبار قادة البيت الأبيض وفي المقدمة الرئيس الأمريكي بوش الابن عن أشياء لا تُقال وكان الغرض استهداف الإسلام بشكل مباشر واتهامه بتنمية ودعم الإرهاب واعتبار منهجه القويم أهم موئل لتفريخ الجماعات الإرهابية، وتمادى هذا الإعلام في تسويق آيديولوجيا الكراهية لكل ما هو عربي وإسلامي ولا يزال حتى اليوم.
في تلك الأثناء ظهر إلى العلن الدور المباشر لأمريكا وبريطانيا في صناعة الجماعات الإرهابية وتغذيتها بالمال والفكر، ولعبت السعودية دوراً هاماً في هذا الجانب من خلال تمويل هذه الجماعات بالمال والفكر، ما حدا بأمريكا إلى توجيه الاتهام للنظام السعودي والفكر الوهابي باعتبارهما المصدر الأساسي الوحيد للتطرف والإرهاب بأشكالهما المختلفة، كما قيل بعد ذلك في لحظة الغضب عقب أحداث سبتمبر، إلا أن السعودية فيما بعد تأذت كثيراً من هذه الجماعات خاصة بعد أن تحولت إلى الحاضنة الأمريكية وغدت السعودية مجرد هدف .
من الحقائق السابقة نُدرك أن السلوكيات المنحرفة استطاعت أن تتوغل عبر النفوذ الأمريكي مقابل هشاشة الأوضاع في الداخل العربي والإسلامي وانشغال الحكومات والمؤسسات ومراكز التنوير الافتراضية في العالم الإسلامي بسيناريوهات التآمر على بعضهما وتوظيف أهم آليات مواجهة الأعداء لخدمة هذا التوجه بما في ذلك وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي أمعنت في حياكة المؤامرات وتبادل الاتهامات وخوض معارك كلامية مقززة، وعلى هذا الأساس استطاعت أمريكا أن تحتوي الطرف الأضعف والأكثر غنى وهي دول الخليج ووجهت سهامها دون أن تعلم صوب عدو وهمي ممثلاً في إيران بدلاً من العدو الحقيقي للأمة الإسلامية وهو الكيان الصهيوني، بعد ذلك وجهت نفس السهام إلى العراق وسوريا واليمن ولا يزال الحبل على الغارب، حيث لا تزال أمريكا تدعم بقوة استمرار الصراع في اليمن، وبالأمس حاولت منع أي لقاء للقوات السورية العراقية في الحدود ووظفت لذلك كل الجماعات الإرهابية وهذا ما يحدث الآن في دير الزور، وجاء بلينكن إلى المنطقة ليُعزز نفس الدور ويقذف بحمم الكراهية ضد الإسلام والمسلمين من خلال دول الخليج نفسها، فلقد أرسل إحضاراً لكل وزراء خارجية المنطقة لحضور الاجتماع الذي انعقد برئاسته في السعودية، ونقل إليهم ملامح الاستراتيجية الجديدة للتعاطي مع المنطقة ومنها تكريس العداء لسوريا وإبقاء الصراع متأججاً في اليمن حتى تتحقق الغايات الأمريكية البريطانية المشتركة، وكلها غايات مشبوهة هدفها التأثير على إرادة الفعل في العالمين العربي والإسلامي وتحويل الأنظمة العربية إلى كيانات طيعة تترجم قرارات المخابرات الأمريكية البريطانية دون مناقشة أو إبداء رأي، كما هو حال الدول الخليجية التي أصبحت تسير على نفس النهج، وتحاول أن تشد بقية الدول العربية إليه بالترغيب المالي أو الترهيب العسكري، ولهذا السبب نجد أن بلينكن أول ما صرح به في واشنطن القول إن من مصلحة أمريكا التطبيع بين السعودية ودولة الكيان الصهيوني”، وقد تزامنت زيارة هذا الوزير التي تعتبر أطول زيارة للسعودية لما تحمله من آثام وقضايا شائكة لمدة ثلاثة أيام، مع إعادة افتتاح سفارة إيران في السعودية وزيارة الرئيس الفينزويلي وكلاهما من ألد أعداء أمريكا، وهذه أحد أسباب الزيارة، فبلينكن يريد أن يقول للسعودية أن لا تفكر في ندية العلاقة بين البلدين كونها علاقة التابع والمتبوع، خاصة أن ابن سلمان أقدم على خطوات في الفترة الماضية أغضبت أمريكا ومنها التقارب مع الصين وروسيا وإعادة العلاقة مع إيران، إضافة إلى تخفيض إنتاج النفط مليون برميل في اليوم بهدف الحفاظ على استقرار الأسعار، وهذا مربط الفرس الذي يُغضب أمريكا لأنها لا تهتم إلا بالنفط، وكما نعلم أنها نهبت نفط العراق والآن تقوم بنهب نفط سوريا، وتمكنت من نهب النفط اليمني فترة من الزمن إلى أن جاء الرد اليمني الحاسم وحال دون تصدير شُحنات النفط من الموانئ اليمنية، وهي نقطة هامة لابد أن يتنبه إليها كل الأحرار من أبناء هذه الأمة ويُدركوا أن أمريكا هذه لا رادع لها إلا القوة، حتى تتخلى عن فكرة الزمن الأمريكي وتصبح دولة مثلها مثل أي دولة في هذا العالم الواسع .
نأمل أن يكون هذا اليوم قريباً، وقد أوشك أن يحدث إن شاء الله، والله من وراء القصد ..
أحمد يحيى الديلمي