هدنة اليمن في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب

حسن عردوم

 

منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن والجميع يدرك أن واشنطن هي من تترأس هذه الحرب، ومنها أُعلنَ العدوان في مارس ٢٠١٥ والذي تلاه السفير السعودي آنذاك عادل الجبير قائلا: إن العملية العسكرية تمت تحت مظلة عشر دول من بينها 5 دول خليجية، ما عدا سلطنة عمان، في إشارة إلى أن أمريكا هي الراعي الرسمي لهذه الحرب التي فتكت باليمن أرضا وإنسانًا.
وفي ذلك الحين نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول أميركي أن بلاده تقدم الدعم للسعودية في العملية العسكرية باليمن. وكانت الولايات المتحدة قد أخلت طاقمها الدبلوماسي من اليمن قبل أيام من الهجمة السعودية، كما أخلت ما يقارب مئة أميركي، بمن فيهم جنود من القوات الخاصة، كانوا متمركزين في محيط السفارة الأمريكية في قلب العاصمة اليمنية صنعاء.
وبعد ثمان سنوات من العدوان وما جرى فيها من قتل لليمنيين وتدمير للبنية التحتية، تفاجأت دول التحالف بما فيها واشنطن بما حققه الشعب اليمني من صمود، والذي تصدى للحرب الشعواء التي استخدم فيها التحالف مختلف أنواع الأسلحة، وحَشدَ لها مقاتلين من مختلف الجنسيات بما فيهم جنود شركة “بلاك ووتر” و”الجنجويد” وتحشيده للمرتزقة من الداخل اليمني، مُستغلاً الوضع الاقتصادي للبلد في التجييش والحشد، وشراء الولاءات الداخلية والخارجية وشراء ذمة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان للصمت على كل الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب اليمني.
وفي النهاية، اعترفت دول تحالف العدوان بالفشل عسكريا في اليمن متجهةً هذه المرةِّ نحو الهدنة التي يصفها البعض بأن في “ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب” ، معوّلةً على حالة اللّا سلم واللّاحرب بهدف إبقاء هذا البلد تحت وصايتها وسيطرتها خاصة الموانئ والمنافذ البحرية ، إضافة إلى استمرار حالة السيطرة الفعلية على المناطق الجنوبية الغنية بالنفط والغاز ، وإذكاء روح الصراع المناطقي وتحريك الشارع الجنوبي نحو إعلان الانفصال ، والتشجيع على تقسيم الجنوب وتحويله إلى إقطاعيات متناحرة ليسهل لها نهب الثروات النفطية والمعدنية ومنع حكومة صنعاء من التمدد والاستفادة من ثروات البلاد لبناء دولة يمنية قوية.
لم تكتفِ الرياض بالتوقف عند نقطة إنهاء عملياتها العسكرية في اليمن ؛ بل تُريد الاستفادة القصوى من هذا الإجراء، وذلك من خلال سعيها لثبيت هدنة بين الأطراف اليمنية حد زعمها ، مقدمة نفسها على أنها وسيط لا طرف ، ومن أجل ذلك قَدِمَ السفير السعودي آل جابر إلى صنعاء كوسيط برفقة الوفد العماني، حاملاً طموح تجنيب بلاده تكاليف وتبعات الحرب على اليمن لضمان عدم قيام صنعاء بفتح ملفات قانونية ضد بلاده في المستقبل.
تلك المواقف السعودية وإن بدت في ظاهرها تحمل السلام نوعا ما ، إلا أنها تتماهى مع الضغوط الأمريكية التي ترفض السلام وتطالب الرياض بالمراوغة وعدم مواصلة التفاوض مع صنعاء والتي مثلها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بإعلان استمرار حالة الطوارئ في اليمن من خلال رسالته التي وجهها إلى الكونجرس في منتصف مايو الجاري قائلا : “لا تزال تصرفات وسياسات بعض الأعضاء السابقين في الحكومة اليمنية، وآخرين تمثل تهديدا لسلام اليمن وأمنه واستقراره، وتشكل تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، لذلك، قررت أنه من الضروري استمرار حالة الطوارئ الوطنية المعلنة فيما يتعلق باليمن”.
ومن خلال ما جرى ويجري على الساحة اليمنية، لا شك أن الشعب اليمني الذي يعيش في أسوأ أزمّة اقتصادية نتيجة لانقطاع الرواتب والحصار الذي فرضه التحالف منذ ثمان سنوات وما يعانيه جرَّاء الظروف المعيشية التي أثقلت كاهله ، لم يعد يعول على الهدنة التي تراوح مكانها منذ عام، وبات يضغط على القيادة الثورية والسياسية لاتخاذ أي إجراءات عسكرية، لإنهاء حالة “اللا سلم واللا حرب” أو قبول الرياض بالسلام وعدم تقديم المصالح الأمريكية على مصالح المنطقة ، وتنفيذ الشروط التي أعلنها الوفد المفاوض التابع لصنعاء المتمثلة في “وقف العدوان ورفع الحصار، ومغادرة القوات الأجنبية البلاد، ومعالجة آثار العدوان، ودفع التعويضات وتسليم رواتب جميع موظفي الدولة، في إشارة واضحة إلى أن جميع الطرق مغلقة أمام تحالف العدوان مالم يسلك الطرق الصحيحة والواضحة للسلام.

قد يعجبك ايضا