أفول عصر ( السوبر باور)..! 3

طه العامري

 

 

أدى تراكم القدرات الرأسمالية الصناعية والتجارية على أراضي أمريكا التي وضعت نفسها كحاضنة للرأسمالية وعاصمة الليبرالية وقدمت نفسها كإمبراطورية بديلة عن اباطرة الاستعمار في الغرب رافعة شعارات براقة أبرزها حق الشعوب في الحرية والاستقلال والسيادة، وحق الفرد في امتلاك كل ممكنات حقوقه وحريته والتعبير عن مشاعره، فبدت على إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية وكأنها دولة مناهضة للاستعمار ومناصرة لحرية واستقلال الشعوب، متخذة من المميزات التي حصلت عليها بعد الحرب عوامل قوة تمكنها من فرض حظورها على الخارطة الكونية ومن هذه العوامل اعتماد عملتها (الدولار) كعملة دولية، واختيارها لتكون حاضنة للمقرات الدولية -الأمم المتحدة – مجلس الأمن -البنك والصندوق الدوليين، والكثير من المنظمات الدولية الفاعلة، التي استخدمتها أمريكا لاحقا كجزء من أسلحتها التي راحت تطوع بها إرادة الشعوب والتحكم بمصائرها..
لم يمر عام واحد من نهاية الحرب العالمية الثانية وتوقيع اتفاق (مالطا) بين الأطراف المناصرة فيها -ستالين – تشرشل -روزفلت “حتى أدرك العالم الذي ابتهج بتحرره من الاستعمار التقليدي إنه يواجه أخطر أشكال الاستعمار الذي تمثله أمريكا وتمارسه بحق شعوب العالم..؟!
وعلى مدى السنوات والعقود التي تلت نهاية الحرب العالمية مارست أمريكا دورا استعماريا غير مسبوق تاريخيا من حيث طريقته وأدواته وأساليبه، بدءا بما وصف بمرحلة (الحرب الباردة) وهي مرحلة تنافسية بين النظامين (الرأسمالي) بقيادة أمريكا و(الاشتراكي) بقيادة الاتحاد السوفييتي، ولم تكن هذه المرحلة مجرد مرحلة تنافس بين معسكرين بل كانت بمثابة صراع وجودي شمل مختلف الجوانب الحياتية للبشرية بكل ما تحمل من أحلام وتطلعات حضارية، فقدمت أمريكا نفسها كنموذج حضاري ومنارة للحرية والتقدم والتطور والرفاهية، فيما راحت وعبر آلتها الإعلامية الجبارة تعمل على (شيطنة) خصومها، ولم تخضع أمريكا يوما في تعاملها مع العالم لتلك المبادئ والأهداف التي قامت لأجلها الأمم المتحدة ومنظماتها، ولم تقف يوما أمام نصوص القانون الدولي الذي يفترض إنه ينظم علاقة الدول فيما بينها، بل راحت تتعامل مع العالم وفق قانونها الخاص والذي أطلقت عليه أيضا (القانون الدولي)..؟!
وهكذا حلت قوانين أمريكا الخاصة محل القانون الدولي، وحلت رغبتها محل الشرعية الدولية، وراحت تكرس قانون القوة الذي اعتمدته في تعاملها مع العالم وبطرق سلسلة، فكانت بما تمارسه بحق شعوب العالم أخطر بكثير مما كان عليه الحال مع الإمبراطوريات الاستعمارية القديمة التي وضعت نفسها مجتمعة في خدمة الإمبراطورية الاستعمارية الجديدة، التي استطاعت أن تضع استراتيجية استعمارية لاحتواء إرادة الشعوب والأنظمة بطرق استعمارية أكثر (حداثة وتطور وشيطنة) وتوفر لها الكثير من القدرات والإمكانيات التي كانت تدفعها الدول الاستعمارية السابقة لها، وكانت ستدفعها لو اتخذت طريق الاستعمار المباشر، لكنها مارست سياسية استعمارية -شيطانية – دفعت أو أجبرت الكثير من دول وشعوب وأنظمة العالم إلى الارتماء في احضانها والارتهان لها والتخلي عن قرارها وسيادتها وكرامتها واستقلالها، كل هذه التنازلات مقابل أن تحظي هذه الشعوب والدول والأنظمة برضا أمريكا وصداقتها ومقابل (رغيف الخبز)، وقد ا من حياة مضطربة مسنودة بمساعدات مشروطة مقدمة من البنك والصندوق الدوليين اللذين توظفهما أمريكا لتطويع الشعوب والتحكم بها والسيطرة على كل تفاصيل حياتها بما في ذلك الحياة الاجتماعية والأسرية، والى جانب البنك والصندوق الدوليين هناك (وكالة التنمية الأمريكية) التي تعد إحدى أهم مؤسسات (المخابرات المركزية الأمريكية) والمتخصصة بجمع إعداد قواعد البيانات عن حياة كل شعب بما في ذلك معرفة مكوناته القبلية واعراقه الاجتماعية والأقليات العرقية والمذهبية والطوائف حتى العادات والتقاليد، وكل هذه أسلحة تستخدمها أمريكا متى احتاجت لتدمير اي دولة أو نظام تمرد على سياستها الاستعمارية الأخطر في تاريخ الاستعمار.

قد يعجبك ايضا