خلال الأشهر الماضية، هرعت مملكة العدوان السعودية نحو إعادة تفعيل علاقاتها الدبلوماسية مع إيران ، وهرعت في المسار نفسه نحو إعادة تفعيل العلاقات مع سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية ، وربما قريبا في الاتجاه المعاكس ستعلن التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي الحقيقة فإن الموقف السعودي لم يتغير إزاء المنطقة وشعوبها لتصير بعد عقود من العداء والمؤامرات والحروب والتعدي والهتك والفتك ، فاعل خير أو صانع سلام في المنطقة ، ولم تكن خطواتها تلك إلا في المساحة المتاحة لها من الإدارة الأمريكية التي بقدر ما أتاحت لها هامشاً في الملفين الإيراني والسوري ، لم تتح لها أي هامش في الحرب العدوانية التي تشنها على اليمن بإشراف أمريكا وقيادة السعودية.
لا تأثيرات إيجابية لصالح إيران من العودة السعودية إلى طهران ، ولا تأثيرات إيجابية كذلك لسوريا ، غير أن السعودية التي ساءت سمعتها وتضررت وأصبحت كل شعوب المنطقة تعتبرها خطرا على سلمها وأمنها وأمانها ، بل وبات العالم لا يتحدث عنها إلا بما تفعل من جرائم ومذابح ومجازر في اليمن ، ومؤامرات في سوريا وغيرها من بلدان المنطقة ، حاولت إعادة ترميم تلك السمعة الأخلاقية بخطوات شكلية لا تغير في المضمون ، ولا تضر بمصالح أمريكا التي تتجند السعودية لها منذ نشأتها في عهد ملكها الأول عبدالعزيز آل سعود.
ومثلما كان الاختبار الحقيقي لمملكة العدوان السعودية هو وقف الحرب العدوانية على الشعب اليمني وإنهاء الحصار والاحتلال في موضوع انعتاقها وتحررها من الانصياع لأمريكا وتوجيهات الإدارة الأمريكية ، كان اليمن أيضا هو الاختبار الحقيقي لعروبتها التي بالغت الآلة الإعلامية السعودية في منح الأوصاف المستعارة للعروبة وعاصمة العرب ، فإن اليمن أصل العرب ومهدهم الأول ما زال يتعرض لعدوان السعودية وحربها الآثمة وحصارها الجائر والمطبق ولاحتلالها ومؤامراتها ، ولا شيء تغير بذلك.
ولأن الحرب التي تنفذها المملكة السعودية منذ نحو تسعة أعوام على الشعب اليمني ، هي حرب سعودية بالوكالة عن أمريكا التي دفعت المملكة نحو هذه الحرب ، ما زالت قائمة ومستمرة ، ولا شيء يذكر بأن السعودية صارت مملكة مستقلة القرار وليست تابعة ومتجندة لأمريكا ، فالحرب على اليمن هي المحك والاختبار الذي فشلت فيه عروبة واستقلال السعودية.
من قرأ تفاصيل قمة جدة في مضامينها حول ما يتعلق باليمن ، وجلب المرتزق العليمي إلى القمة ليتحدث باسم الدولة اليمنية والشعب اليمني ، يدرك المهزلة العميقة التي عليها مملكة السعودية ، كان يتوجب على السعودية أن تعتذر علانية عما فعلته بسوريا وبالمنطقة كلها ، وقد قال محمد بن سلمان في كلمته بأنه يريد صفحة جديدة للمنطقة ، وكأنه لم يقل شيئاً في المقابل ، ففتح صفحة جديدة يقتضي وقف الحرب العدوانية على اليمن ، ووقف مؤامرات الدم والحروب والتقسيم والشرذمة التي تديرها السعودية وتشعلها في المنطقة ، وفي اليمن على وجه أخص ، ولم يفعل ابن سلمان شيئاً من ذلك!
لقد أنفقت مملكة السعودية مئات المليارات في الحرب العدوانية التي تشنها على الشعب اليمني ، وشاركها العالم المأفون في هذه الحرب الإجرامية التي قتلت الصغير والكبير والشيخ والطفل والمرأة في البيوت والمدن والقرى والأسواق والطرق والمناسبات والعزاء وفي مخيمات النزوح ولاحقت الفقراء إلى بيوتهم وأكواخهم الصغيرة ، وقالت السعودية بأن الحرب تلك هي حرب العرب على اليمن ، وأنها عاصفة العرب وحزمهم وحسمهم ، ولا شيء عربي فيها ، بل كانت حرباً أمريكية صهيونية بريطانية تجندت لها السعودية وحالفت فيها الغرب والعجم واليهود والأمريكيين والبريطانيين ، والسعودية إذا أرادت أن تستعيد عروبتها فمن خلال وقف الحرب العدوانية على الشعب اليمني وإنهاء الحصار والاحتلال وتعويض وجبر الأضرار كافة ، وليس بالاستمرار فيها.
وقد أرادت مملكة العدوان السعودية بالحرب على الشعب اليمني أن تسحق الملايين سحقاً وتقتلتهم بالقنابل المحرمة والفتاكة وقصفت التجمعات والمناسبات والأحياء والمدن بلا هوادة بهدف سحق الشعب اليمني وإبادته عن بكرة أبيه ، وهذا ليس مبالغة بل حقيقة مثبتة بذلك القصف الإجرامي المروِّع الذي كانت صنعاء والمدن اليمنية تتعرض له يومياً وعلى مدار الساعة من طائرات وقاذفات عاصفة الحزم التي أسميت ، وبالتجويع والخنق والإغلاق الشامل للموانئ والمطارات والمنافذ ومنع وصول الأغذية والأدوية والسلع الضرورية والوقود إلى اليمن ، ومع كل ذلك صمد الشعب اليمني وقلب معادلات الحرب الإجرامية التي شُنَّت عليه من عشرين دولة على رأسها السعودية وحلفها الباغي الآثم ، وما تبقى الآن هو إما أن تعتذر مملكة العدوان السعودية عما فعلت من حرب ومذابح ، وتتخذ قراراً بإنهائها وإنهاء الاحتلال والحصار ، وتعلن ذلك وتدفع ما يجب أن يدفع ، أو عليها أن تنتظر ما يجب عليها من هزات ارتدادية لحرب بشعة ومروِّعة تعرضت لها اليمن طيلة تسع سنوات.
إن اختبار اليمن سيتكرر على كل المراهنين والمغامرين والرماديين ، ذلك أن مرتكزاً محورياً كقضية وشعب ودولة لا تستند إلى ماض وتاريخ عروبي فحسب ، ولا إلى موقع استراتيجي في المنطقة ، بل إلى عدالة قضيته ومظلوميته وحقه الذي أراد الأعداء سلبه منه من خلال الحرب السعودية الإماراتية الخليجية الأمريكية الصهيونية ، وسيبقى الامتحان عسيراً يوماً بعد آخر إلى أن تثبت مملكة العدوان السعودية تحررها واستقلالها وعروبيتها بوقف الحرب وإنهاء الحصار والاحتلال.. وذلك قريب إما اختيار منها ، أو إرغاماً.. والله الناصر لعباده المؤمنين.
رئيس التحرير