فلسطين : أسطورة نضال وجرح أمة..! (5)

طه العامري

 

 

كانت قناعة الرئيس جمال عبد الناصر عن قضية فلسطين هي أنها قضية قومية ذات بعد إسلامي وإنساني وتحرري ولم ير فيها أنها قضية شعب فلسطين، بل كان مؤمنا أن واجب الشعب العربي في فلسطين تجاه قضيته وحرية بلاده يتساوى مع واجب أي شعب عربي وان تحرير فلسطين ليست مهمة شعبها بل مهمة كل الأمة، وكان قد وصف منظمة التحرير الفلسطينية التي رعى تأسيسها وقدمها ورموزها للمنظومة العربية والدولية بكونها رأس حربة للنضال العربي كما هو الحال مع الكيان الذي يشكل وجوده كرأس حربة للقوى الاستعمارية..
وانطلاقا من هذه القناعة ظل عبد الناصر بمثابة الحاضنة للنضال العربي الفلسطيني، وظلت فلسطين جزءا من نضاله اليومي وحتى آخر لحظات حياته كان مع هذه القضية وإلى جانبها، وكانت آخر مهامه في سبتمبر 1970م هو وقف سفك الدم الفلسطيني من قبل النظام الأردني الذي أقدم على ارتكاب جرائمه بحق الثورة والقضية والشعب الفلسطيني بتحريض من قوى الاستعمار والرجعية والكيان الصهيوني، فكانت قمة سبتمبر عام 1970م هي آخر قمم عبد الناصر الذي أوقف من خلالها نزيف الدم الفلسطيني _الأردني، وفعل بموجب هذه القمة اتفاق القاهرة الذي نص على نقل الثورة الفلسطينية إلى لبنان.. ليرحل عبد الناصر في نهاية أعمال القمة إلى جوار ربه في 28 سبتمبر 1970م لتبدأ رحلة جديدة للثورة والقضية، رحلة ملغومة بتناقضات النظم العربية وصراع النخب، ومع ذلك واصلت الثورة طريقها نحو أهدافها وتطلعات شعبها، معتمدة على مرتكزات حققتها على الصعيدين الوطني والقومي، وعلى حضورها في الذاكرة القومية وذاكرة أحرار العالم، رغم تراجع رؤية ومواقف النظام العربي حيث كان الأغلب يرى في القضية أنها تشكل له عامل إحراج أمام أصدقائه في الغرب وأمريكا، واقصد هنا أنظمة الخليج إضافة إلى نظامي الأردن والمغرب، فيما الأنظمة العربية الأخرى كانت تحاول استقطاب المنظمة والثورة والدور والفعل والموقف نحوها وجعلها تعمل وفق رؤيتها، هذه المواقف وضعت قائد الثورة الرئيس الشهيد ياسر عرفات أمام خيارات صعبة ومنعطفات خطيرة، ومع ذلك استطاع ببرجماتية استثنائية الإبقاء على (شعرة معاوية) كما يقال ممتدة بينه والثورة والقضية وبين مختلف النظم العربية، ناهيكم عن التحديات الداخلية التي واجهها الرجل من النخب الثورية الفلسطينية اليسارية منها والقومية وأخرى ذات توجهات خاصة، المهم فقد أقرت القمة العربية في المغرب مفهوم أو مصطلح عنوانه أن (منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي في فلسطين)، كان هدف أبو عمار من هذا الاعتراف يتمثل في إسكات الأصوات الفلسطينية الداخلية المتطرفة سياسيا وحزبيا وكانت ترى أن من حق الثورة التفرد بقرارها، الأمر الآخر كان أبو عمار يرغب في امتلاك مساحة للتحرك في مسيرة الثورة تمكن الثورة من التعبير عن ذاتها ونضال شعبها وحقوقه بمعزل عن الوصاية الرسمية العربية، مدركا أن القيم القومية والثورية التي كان يمثلها الرئيس جمال عبد الناصر لم تعد قائمة بعد رحيله، وأن رؤية ومواقف النظم الرسمية العربية من القضية لم تعد كما كانت في عهد عبد الناصر..
لتشهد مسيرة الثورة تحديات ومخاطر خلال الفترة 1970_1979م ما يمكن وصفها بتحديات السنوات العجاف، وكان اخطرها هو إبرام مصر السادات اتفاقية (كمب ديفيد) مع كيان العدو، وما تلا هذه الكارثة من تداعيات طالت القضية والعلاقة العربية _العربية انعكست في مجملها على مسيرة الثورة والقضية وعلى مختلف الجوانب.
بتبع,,

قد يعجبك ايضا