الوحدة ومرجعيات الخداع الأممي..
العدوان يحول اليمن من دولة موحدة إلى غنيمة على طاولة الأطماع الإقليمية والدولية
قراءة وتحليل /عادل عبدالاله
من أجل اليمن شنوا حربا على اليمن وقتلوا اليمنيين، وتحت شعار استعادة الدولة استهدفوا الدولة ودمروا مؤسساتها وأوصلوا اليمن إلى مرحلة اللادولة، ومن أجل اليمن واستقلال قراره السياسي والحفاظ على وحدته وسلامة أراضيه، صادروا قراره السياسي وتقاسموا وقسموا أراضيه بين أدواتهم بالشكل الذي يخدم أطماعهم وأوجدوا من الكيانات السياسية والعسكرية ما يكفي لتقسيم وتمزيق اليمن إلى دول بعدد المدن والحواري.
شنوا حربا ضد اليمن واليمنيين، لكن الأحداث والوقائع سرعان ما أثبتت أن حربهم لم تكن من أجل اليمن وإنما من أجل تنفيذ أجندات وسيناريوهات تستهدف اليمن التي سعوا من خلال الحرب لتطويعها وإخضاعها وتمزيقها وفرض هيمنتهم عليها والوصاية عليها ومن ثم تقرير مصيرها ونسف حاضرها ومستقبلها السياسي.
الشمال العثماني والجنوب البريطاني
أوائل القرن العشرين كان الشطر الشمالي من اليمن يخضع لسلطة الإمبراطورية العثمانية، فيما يخضع الشطر الجنوبي لسلطة الإمبراطورية البريطانية وما بينهما كانت اليمن ساحة للصراع الذي لم ينته بانتصار أي منهما على الآخر وانتهى بهزيمة اليمن الموحد تاريخيا وجغرافيا وانتصار قوى الاحتلال والاستعمار القديم في العام 1914م وتوقيعهما على اتفاقية لتقسيم اليمن وترسيم الحدود بين الشمال العثماني والجنوب البريطاني.
وعلى الرغم من تغييب إرادة اليمنيين في الشمال والجنوب ولم يكن لهم دورٌ على أرض المعركة أو حضور حول طاولة التقاسم، إلا إن قوى الاستعمار فرضت عليهم إرادتها وقامت بتقسيم الأرض فيما بينها وحولت اليمن إلى يمنين والشعب الواحد إلى شعبين يعيشان تحت رحمة سلطتين مختلفتين وكيانين لا يلتقيان ولا يتفقان إلا على مصادرة أرض وإرادة اليمنيين الذين فوجئوا في العام 2015م بعودة قوى الاستعمار القديم بأشكال متعددة من خلال أدواتها في المنطقة، لاستعادة ما فقدته قبل أكثر من نصف قرن، وإعادة اليمن إلى ذات الطاولة التي جلس حولها المتقاسمين القدامى قبل أكثر من 100 عام، ليتحول الشعار من استعادة شرعية الدولة اليمنية إلى استعادة شرعية الاستعمار، ويتحول شعار إعادة اليمن إلى الحضن العربي إلى إعادته إلى الحضن البريطاني.
الجنوب الإماراتي
بذات الشعارات التي تم الاستناد عليها في شن حربها على اليمن، تحولت وحدة اليمن وسلامة أراضيه إلى شعار وغطاء لتمرير الكثير من المؤامرات التي تستهدف الوحدة نفسها، وتحت هذا الشعار تبنت قوى العدوان والاستعمار الجديد نفس الاستراتيجية التي اعتمدت عليها قوى الاستعمار القديم واتجهت لتطويع اليمن وإخضاع اليمنيين وإدخالهم نفقا مظلما والاتجاه بهم نحو طاولة التقسيم التي جلس عليها المحتلون القدامى وإجبارهم على القبول والتعايش مع اتفاقية التقسيم الانجلوعثماني.
اليوم تأتي المخاطر التي تستهدف الوحدة اليمنية في ظل جنوب إماراتي بعد سيطرة أبوظبي على الجنوب ومصادرة قراره السياسي وشمال أفشل المدافعون عن الوطن سيناريوهات قوى العدوان ومساعيها لتحويله إلى شمال سعودي ما دفع الرياض إلى أن تصور للعالم أنها تمتلك قراره من خلال أدواتها ومرتزقتها الذين تسكنهم حضائر قصرها الملكي، وتقوم بأعدادهم لتنفيذ أجنداتها وسيناريوهاتها القادمة.
ومن يقارن بين ما كان عليه حال اليمن قبل 26 مارس 2015م، حين إعلان الحرب، وبين ما هو الحال اليوم يلحظ إلى أي مدى انساقت العقول التي باركت العدوان على اليمن في أحلامها المفرطة، وكيف غدا أصحابها اليوم على قارعة التيه والضلال، وقد تبخرت حربهم الإعلامية وشعاراتهم المغلفة بالوطنية، ونجدهم يتباكون بعد ظهور الحقائق، التي يتذوقون اليوم مراراتها بعد انكشاف أهداف ومطامع دول تحالف العدوان على اليمن.
الدستور ومرجعيات الخداع الأممي
بذات الشعارات الخادعة التي تم الاستناد عليها في شن الحرب على اليمن، تحولت وحدة اليمن وسلامة أراضيه إلى شعار وغطاء لتمرير الكثير من الأجندات والمؤامرات التي تستهدف الوحدة نفسها، وتحت هذا الشعار صدرت العديد من القرارات الأممية والتي تحولت بالإضافة إلى ما يسمى بالمبادرة الخليجية واتفاقات الرياض الموقعة بين أدوات العدوان المتصارعة في الجنوب، إلى مرجعيات للحل السياسي وللوحدة اليمنية التي يعد الدستور اليمني الذي أقره الشعب اليمني في استفتاء شعبي بنسبة 98 % مرجعية الوحدة الذي يحتكم إليه الشعب وينص في مادته الأولى على أن “الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلاميــة”.
– استهداف إماراتي للوحدة
منذ منتصف العام 2015 دخلت المحافظات الجنوبية منعطفا خطيرا جعل الكثير -ممن توهموا بأن سيطرة تحالف العدوان عليها سيصنع جنوبا مستقرا- يشعرون بأنهم شاركوا في إدخال المحتلين الجدد وصنع واقعا مأساويا لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين، حيث اتجهت القوات الإماراتية لتفكيك المكونات والقوى الجنوبية وإنشاء كيانات جديدة تدين لها بالولاء والتبعية وينحصر مشروعها السياسي والعسكري عند تنفيذ أجندات وأهداف أبوظبي وخدمة مصالحها والدفاع عنها.
ومثل استهداف الوحدة اليمنية توجها إماراتيا اجتهدت في ترجمته من خلال تنفيذها للعديد من السياسات التي سعت من ورائها لخلخلة الصف الوطني وتدمير الوعي المجتمعي واستبدال قيم ومبادئ الوحدة بمفاهيم انفصالية حرصت على تغذيتها وتعزيز حضورها في حياة المواطنين، وترسيخها من خلال تغذية الصراعات المناطقية بين اليمنيين ودعمها عسكريا وإعلاميا، وإشعالها الكثير من المعارك التي شهدتها مدينة عدن والمحافظات الجنوبية ووقوفها وراء عمليات الاغتيال التي طالت مسؤولين وعلماء وخطباء مساجد ومثقفين وحقوقيين.
شعارات تدميرية
كثيرة هي الشعارات التي تلاشت وها هي اليوم وبعد 8 سنوات من الحرب التي احترق اليمنيون في جحيمها وعاشوا وعايشوا آلامها أوجاعها ومآسيها ولم يجنوا من ورائها غير الجوع والتشرد والخوف من غموض ووحشة المستقبل المجهول الذي يتم اقتيادهم إليه، ما يشير إلى أن ما عاشوه خلال سنوات الحرب تم التخطيط له مسبقا وأن مآسيهم لم تتسبب بها الحرب وإنما جاءت الحرب لصنعها بهدف مصادرة إرادة الشعب اليمني وإجباره على القبول بسياسة الأمر الواقع، بل ويشير إلى أن الحرب والمعارك التي أذاقت اليمنيين الويلات قامت لإعادة اليمن إلى أمس الاستعمار والتشطير وليس لاستعادة الدولة والدفاع عن اليمن ووحدته وسلامة أراضيه كما يزعمون.