المجتمع الدولي المنافق وجماعة التطبيع المنسلخين من مبادئهم في لحظة ضعف أمام هالة البُعبُع الإسرائيلي، يدركون أن الكيان الصهيوني، بات يقدم نموذجاً صارخاً للانفلات من أي التزامات أخلاقية وقيمية وحتى قانونية، تلك التي وضعها المشرّع الدولي.
وفق مبادئ القانون الدولي الإنساني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إسرائيل كيان محتل لأراضي الغير ومنهك لحقوق الإنسان، وفي أحد تقاريره بشأن القضية الفلسطينية، أكد مجلس حقوق الإنسان ذلك صراحة، بعدم جواز حيازة الأرض بالقوة، ورفضه تفتيت الأرض الفلسطينية المحتلة، وبالتالي صار من الطبيعي أن يسري على الكيان المحتل باعتباره القائم بأعمال الانتهاكات، على أقل تقدير ما يفرضه هذا القانون من التزامات فضلاً عن المواثيق الدولية الأخرى التي لا تجيز للمحتل أن يمارس هذه العربدة ضد شعب أعزل في أجزاء من أرضه، مقطعة الأوصال.
لم يعد من الطبيعي اليوم الحديث عن حكاية الدولتين، فحتى هذا الأمر الذي يناقض في طبيعته الواقع الذي يؤكد على أحقية الشعب الفلسطيني في كامل أرضه حتى ما قبل وعد بلفور، فإن الكيان وما يُسمّون برعاة السلام الذين نجحوا في تمرير اتفاقية أوسلو، أنكروا على هذا الشعب أن يكون له جيش مستقل بذاته ومالية خاصة به، والدولة المزعومة التي يريدونها للفلسطينيين لا تقوم على أبسط مقومات الدولة.
مع كل ذلك، يأبى الكيان الإسرائيلي حتى أن يمنح الشعب المحتل الشعور بالأمان، فجرائمه مستمرة ضد نساء وأطفال وشيوخ وكل فئات هذا الشعب منذ أكثر من سبعين عاماً، ورغم طول هذه المدة إلا أن المجتمع الدولي عجز رغم عديد اللقاءات والقرارات الدولية عن تثبيت أي نظام أو إجراءات ضامنة لحقوق الشعب المحتل أو حماية من الآلة العسكرية التابعة لسلطة الاحتلال.
يتحدث المجتمع الدولي ورعاة السلام عن حق قانوني للمحتل بحماية كيانه وينكرون ذلك على أبناء الأرض، ويتحدثون عن مستوطنين يتعرضون لهجمات، وينكرون أعمال الإعدام بدم بارد للفلسطينيين في الشوارع أو قصف البيوت على رأس ساكنيها، ثم يتحدثون عن أراض فلسطينية يعيشون عليها بينما الحقيقة أنهم على ضفتين (الضفة والقطاع) بلا حتى ممر آمن بينهما، ومع ذلك فإن المستوطنات تنتشر داخلهما كما في غلاف غزة.
وقد ثبت على مدى كل عقود الاحتلال الماضية أنه بغض النظر عن توجه الحكومات المتعاقبة داخل الكيان بقيت المقاومة بذات الهدف الذي يفرضه عليها واقع الاحتلال والانتهاكات الذي تمارسه القوات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين صغيراً وكبيراً.
تعمل المقاومة وفق هذه الحقائق وعلى هذه القواعد، وترفع عنوان الساحة الواحدة التي تحاول إسرائيل شقّها بتركيز الضربات على الجهاد الإسلامي -حالياً مثلاً- دون حركة حماس، لكنه مفضوح أو لنقل بات من الآليات القديمة التي عفا عليها الزمن، ويبدو أنه فيه تعبير عن إفلاس صار يعيشه الكيان في وضع مخططات ناجحة وحاسمة لفرض الأمر الواقع.
سيظل العدو يضرب، ربما، وسيظل يقتل ويعتقل وينتهك الحرمات، إنما في المقابل عليه وعلى أصحاب الفيتو في مجلس الأمن ألا يتوقعوا خضوعاً فلسطينياً أو عربياً وإسلامياً، لن يتمكن الكيان أن يستقر مهما استحدث من الطرق وآليات التطويع بمساعدة من أمريكا وبريطانيا.
واليوم وكالعادة عندما تتجه المقاومة للثأر لقتلى الشعب الفلسطيني بهذه الجدّة والجرأة في التكتيك ونوع السلاح، تتسابق بيانات التنديد الغربية منددة ومشددة في محاولة لتحميل المقاومة جرما يضعه الغرب فيما بعد ضمن قائمة الأعمال الجهادية بدعوى أنها أعمال عدوانية، كما أنها رسائل لدول الخنوع لتبقى على ذات الخنوع فلا تتجرأ حتى على الاستنكار ولو من المنطلق الإنساني الذي يرفض الأعمال الإرهابية.
في العمليات الأخيرة لكيان الاحتلال لاحظنا كيف أن الأنظمة العربية الحاكمة لم تجد الجرأة حتى على الخروج المباشر لإدانة هذه الأعمال بعكس اليمن وإيران وتركيا التي عبرت أن إدانتها واستنكارها عقب انتشار خبر الأعمال الإجرامية مباشرة، وقس على ذلك، المدى الذي يمكن أن تبلغه نداءات هذه الدول إذا ما انطلقت لتحق سلاما للفلسطينيين.
اليوم في اليمن تخرج الجموع في المحافظات الحرة لتؤكد امتلاكها لحق الإدانة الصريحة لأعمال الكيان والرفض القاطع لوجوده في المنطقة، وسيمثل اليمنيين وهذا الموقف الصوت الفلسطيني الذي سيصل إلى العالم ليؤكد أن الشعب المحتل لن يبقى وحيداً في معركة المواجهة مع عدو الأمة.