واشنطن.. هل تعود للمنطقة من بوابة السودان..؟!

طه العامري

 

شكلت التفاهمات الإيرانية -السعودية برعاية الصين ما يمكن اعتباره ضربة موجعة للنفوذ الأمريكي في المنطقة خاصة بعد أن فقدت واشنطن ثقة حلفائها واخفقت في تمرير سياستها تجاه أزمات المنطقة، فجاءت المبادرة الصينية باتجاه تعبيد جسور العلاقات بين طهران _الرياض لتضاعف من التحديات التي تواجهها واشنطن على الصعيد الجيوسياسي، في ظل المواجهة المحتدمة في أوكرانيا وتمسك موسكو _بكين بأهمية وضرورة انبلاج فجر العالم الجديد، عالم متعدد الأقطاب ليحل محل النظام العالمي الذي شكلته وتحكمت بتوجهاته أمريكا ودول المنظومة الغربية طيلة سبعة عقود، عانى العالم فيه من القهر والظلم والتعسفات الأمريكية الغربية..

بيد أن ما يحدث في السودان والمتزامن مع تصاعد التوترات حول (تايوان الصينية) والسيادة على بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، كل هذه التداعيات هي بمثابة رد أمريكي على خطوات الصين ونفوذها الجيوسياسي إضافة لموقف (بكين) من العملية الروسية في أوكرانيا..

أحداث السودان إذا هي جاءت برعاية أمريكية وعملت أمريكا على تفجيرها، ثم هرولت لتلعب دور الوسيط الفاعل والمساعي للخير وحقن دماء الشعب العربي في السودان، واضعة الرياض شريكا لها في لعب دور الوساطة بهدف إعطاء الرياض دورا إقليميا محوريا، والهدف هو استمالة الرياض وتقريبها من واشنطن وإبعادها عن بكين، والأمر يتصل أيضا بالمشهد اليمني الذي ترغب واشنطن في تجنيب الرياض تداعياته ولكن وفق رغبة واشنطن التي تسعى لتجريد طهران وبكين من أي مكاسب جيوسياسية قد تمكنهما من أخذ الرياض بعيدا عن واشنطن ومشاريعها في المنطقة..!

أحداث السودان لاشك أنها عكست رغبة وطموحات الثنائي (البرهان -حميدتي) وكلاهما يرغبان باحتلال الرقم (1) في هرم السلطة السيادية في السودان، وكلاهما حصل على دعم (واشنطن والكيان الصهيوني) ولم يتفجر هذا الصراع إلا حين زرعت في عقل هذا الثنائي فكرة انه الطرف المرغوب به وأنه سيحمل الرقم 1 في هرم السلطة، الأمر الآخر أنه ومنذ تفجر الصراع في السودان كان يفترض وهذا من الطبيعي أن تكون (القاهرة) تحديدا هي الحاضرة وبقوة في المشهد السوداني لما تمثل السودان من أهمية استراتيجية لمصر وتدخل في جوهر أمنها القومي، حتى أن البعض يذهب في تحليل أحداث السودان بأنها تمثل نافذة ولوج إلى مصر التي رغم كل مواقفها فهي في دائرة التحفظ الأمريكي -الغربي -الصهيوني، وغياب الحماس المصري على أحداث السودان يدل على أن القاهرة تدرك دوافع وأسباب هذه الأحداث ومن يقف خلفها وسعى إليها، وقد تكون قد تلقت (كرت أحمر) يمنعها من التدخل بأي شكل من الأشكال بهذه الأحداث باستثناء ما يتصل بالجوانب الإنسانية، الأمر الذي اضطر القاهرة إلى الاستعانة بوسطاء لعودة جنودها الذين كانوا ينشطون مع الجيش السوداني ضمن مناورات (نسور النيل)، مواقف القاهرة من أحداث السودان تعكس أن ثمة قوى دولية قاهرة تقف وراء تفجير الصراع في خاصرتها، وفيما طالبت في البداية أمريكا من الكيان الصهيوني سرعة التدخل واستغلال نفوذه لدى الأطراف السودانية المتحاربة بمزاعم إنسانية مفرطة، فإن الدعوة بحد ذاتها تستوجب من أي مراقب عربي ومهتم التوقف أمامها والتأمل فيها وفي أبعادها ودوافعها، قبل أن تأتي مبادرات الرياض بطابعها الإنساني وهو نقل الرعايا الأجانب إليها ثم استضافة حوار لأطراف الصراع في جدة برعاية مشتركة بين واشنطن والرياض، والهدف هو تسجيل عودة وحضور لواشنطن في المنطقة وان في سياق البروبجندة الإعلامية التي تحتاجها الإدارة الأمريكية وهي مقبلة على انتخابات قادمة وفي ظل انقسامات بنيوية عاصفة داخل المجتمع الأمريكي ونخبه السياسية الفاعلة ناهيكم عن أزمات وتحديات اقتصادية تواجهها واشنطن وتهدد الاقتصاد العالمي برمته..؟!

إذاً تندرج أحداث السودان وعسكرة النطاق الآسيوي وتصاعد حدة الخطاب السياسي في شبه الجزيرة الكورية، وأيضا تصعيد طرق وأساليب المواجهة في أوكرانيا، كل هذه التداعيات تدخل في سياق رغبة أمريكا في إشعار العالم وحلفائها على أنها القوى العظمى وأنها لم تنكسر وان ما تقوم به الصين في المعترك الجيوسياسي مجرد سحابة صيف عابرة، وان واشنطن لاتزل هي حامية الحقوق والحريات والديمقراطيات في العالم وحارسة النظام العالمي الذي تقوده منذ عقود..!

لكن هل تفلح واشنطن في الوصول إلى غايتها عبر دمار أوكرانيا ودماء الشعب السوداني واستعراضها العسكري في آسيا والمنطقة، وبقية جرائمها في اليمن وسوريا وفلسطين المحتلة؟!

بل هل يمكن للرياض أن تنخدع بلعبة واشنطن الجديدة؟ هذا ما سوف تكشف عنه تداعيات قادم الأيام.

 

 

 

قد يعجبك ايضا