أفول عصر (السوبر باور)..!

طه العامري

 

يقال أن (الغبي) هو الذي يخوض معركته مع خصم مجهول، لكن ثمة من هو أغبى من هذا (الغبي) وهو الذي يرتبط بعلاقة مع (الأقوياء) دون أن يكون ملما بكيفية حصول هؤلاء الأقوياء على عناصر ومقومات القوة التي يمتلكونها من ناحية، ومن الأخرى معرفة عوامل إمكانية وديمومة استمرار هذه القوة وأيضا معرفة أين تكمن نقاط الضعف فيه ..؟!
تلعب القيم والثقافات والمعتقدات العقائدية والموروثات الحضارية والتاريخية دورا في تشكيل قيم وأخلاقيات الأمم والشعوب دون أن نغفل تأثير هذه العوامل على الفرد والمجتمع الذين يتأثرون ويؤثرون في بيئاتهم من خلال أنماط سلوكية هي في المحصلة تختزل هوية (الدولة) وقيمها وقوانينها وتوجهاتها الاستراتيجية المعبرة عن رسالة وأهداف وجودية لهذه الدولة أو تلك.
ثمة مصطلح يقول أن ( الشرق والغرب) يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان أبدا، وبما أن التراكمات التاريخية والحضارية والتنوع الثقافي والموروثات الإنسانية تعد من العوامل التي تساهم في تشكيل هوية الدولة والمجتمع، الأمر الذي يجعل (الشرق) في حالة تضاد وتصادم مع (الغرب) ناهيكم عن تنافر أكثر صدامية وتطرفاً يشعر به (الشرق) تجاه (حضارة إمبريالية ) هجينة ولدت من رحم (الحضارة الغربية) وهي حصيلة أزمة عاشتها الحضارة الغربية، أسفرت في نهاية المطاف عن ميلاد (الولايات المتحدة الأمريكية) القائمة على فلسفة (مادية) ترتكز على فكرة (الدولة في خدمة الفرد) بعكس (مادية ماركس) التي ترتكز على فكرة (الفرد في خدمة المجتمع و الدولة في خدمتهما )..
لكن أي فرد هذا الذي تقوم الدولة بخدمته؟! قطعا ليس فردا عاديا يمكن أن يكون عالة على الدولة، إذ لا تحبذ دولة مثل أمريكا أن تكون في خدمة الأفراد العاديين الذين يشكلون المكون الاجتماعي الاستهلاكي، الذين تجبي منهم الضرائب، بل هي وجدت لتكون في خدمة الأفراد الاستثنائيين الذين يملكون القدرات المادية ويشكلون مجتمعين منظومة الترويكا (الرأسمالية)، الذين يحركون بقدراتهم عجلة التطور والتقدم والتنمية، على قاعدة (دعه يعمل.. دعه يمر.. مادام يدفع الضرائب).
أمريكا دولة تختلف عن أي دولة من دول العالم ذات الهوية الشرقية مثل روسيا والصين وهي بمعتقداتها وأنماطها الحياتية والثقافية والسلوكية تختلف عن المنظومة الغربية التي ولدت من رحمها وهي تختلف عن كل دول الترويكا الأوروبية التي لا تزل تتمسك ببعض مظاهر القيم الليبرالية التي توازن بين قيم الرأسمالية وتعاليم (الكنيسة) فيما أمريكا تجاوزت فلسفة وقيم (النيو ليبرالية) بحداثتها الثقافية والتي جاءت تلبية لانهيار (الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الاشتراكي وحلف وارسو) واستجابة لأهداف الثورة التقنية التي اكتسحت الفضاءات الكونية أوائل العقد الأخير من القرن العشرين، والتي دشنت بها أمريكا قيم وثقافة العولمة واضعة نفسها كزعيمة للعالم الحر.. مسبوقة بتسويق فكرة (انتصار القيم الليبرالية) على القيم الاشتراكية التي كان يمثلها ويتبنيها الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الاشتراكي.. شعور ما كانت واشنطن لتشعر به لو كان تزامن سقوط جدار برلين بقيادة روسية مغايرة ( لجورباتشوف” والسكر بوريس يلتسن) الثنائي اللذين بسبب غبائهما أو خيانتهما يحدث اليوم ما يحدث في أوكرانيا!.

قد يعجبك ايضا