مجانين الشوارع يرعبون الأطفال!



يملأون الشوارع..ينامون على الرصيف..كيف يحصلون على المأكل والمشرب¿ لا أحد يدري..ربما ثمة من يجود لهم بما يسد رمق جوعهم وعطشهم..تراهم في عز البرد يلتحفون بطانيات أقل من نصف عمر..بطانيات لا تقيك نصف برد في المنزل بعضهم يموتون قبل أن تشرق عليهم الشمس وبعضهم أخذوا على البرد وحر الشمس..الحياة عندهم صرخة في الفراغ وحجر يرمون به المارون بجوار الأرصفة الممتلئة خوفا.
الأطفال وحدهم يحملون عبء هذا المجنون الذي اتخذ من أحد أسوار المدرسة سكنا ومن ذاك الرصيف منزلا يلوذ به.
يقول أحمد الخولاني (35) عاما: “ابنتي تخاف إذا رأت (مجنونا) في الشارع وفي الصباح لا تذهب إلى المدرسة إلا بصحبتي”.
ويضيف: “ترفض الذهاب إلى المدرسة لأن(المجنون) الواقف على رصيف الشارع الذي نسكن فيه لا يترك المكان لهذا اضطر يوميا الذهاب بها إلى المدرسة”.
في شارع المطار مجنون يتميز بالعنف المفرط..يظهر بين حين وآخر..يمر على أحياء (الجراف)..على الدوام بيده أحجار أو قضيب من حديد يضرب به هنا وهنا..يصرخ في وجه هذا وذاك ويلقي بالحجرعلى كل من يعترضه أو يطيل النظر في وجهه..وفي لحظات غضب شديدة يلقي بالأحجار على السيارات المارة في الشارع الكثير من أصحاب السيارات تعرضت مركباتهم للتهشيم يقبلون بالأمر وينصرفون.
ذات صباح مر بالقرب من الصحيفة وألقى بحجر ضخم على كبينة الصرافة الملتصقة بسوار المبنى..أمسكت به حراسة الصحيفة وراح يشتم ويصرخ في وجوه الجميع..وبعد دقائق تركوه يذهب..لحظات مرت فقط بعد تركه..انطلق إلى شارع النصر وراح يلقي بالأحجار على السيارات إلى درجة تثير الرعب.
هذا المجنون يثير رعب الكبار أما الصغار فإذا رأوه بهذا الفوران فيتبولون على أنفسهم.
يقول جمال(13)عاما: “أخاف عندما أرى هذا المجنون..في كل مكان أذهب إليه أجده..أمام المدرسة وفي المعهد, والشارع والبوفية”.
ويضيف: “رأيته ,وهو يلقي بحجر على سيارة هشم زجاجها الأمامي وذهب صاحب السيارة دون أن يفعل به شيئا”.
الجميع يتساءل..لماذا لا يفعلون لهؤلاء المجانين الذين يملأون الشوارع شيئا¿
ذهب البعض إلى تفسير وجود بعضهم في الشوارع إلى تنفيذ مهمات لجهة ما..وما هو عليه ليس أكثر من ادعاء..تفسيرات ارتبطت في أذهان الناس من القديم حتى اليوم..هذا لا ينطبق على جميع المجانين يقول أحمد محمد الرداعي صاحب محل ملابس يجلس أحد المجانين بجوار دكانه.
في كل الحالات المجانين يملأون الشوارع..تخلت عنهم الأسر وهاجوا في كل مكان بحثا عن الطعام والمأوى..العام الماضي في محافظة إب أطلق عدد من الشباب حملة طوعية لتنظيف المجانين وإلباسهم.
حملة واحدة لم تتكرر حتى اليوم..الجميع يهرب من واقعه إلى حياة التشرد..والذين لم يجنوا بعد سيلتحقون غدا بأسلافهم..الواقع المعيشي والظروف التي تعيشها الكثير من الأسر يزيد من عدد الحالات التي تجن.
دراسة حديثة تشير إلى أن(مليونا ونصف المليون) يمني يعانون من الجنون والأسباب في الغالب المشاكل المتفاقمة التي لا يستطيع الكثير من الناس التعايش معها والفقر إلى جانب العامل الوراثي وبحسب الدراسة فإن محافظة الحديدة تأتي في المقدمة وتليها (تعز إب) ثم (صنعاء).
لا زلت أتذكر عندما كنت صغيرا..كان الخوف يلازمني على الدوام في النهار أترقب خوفا من عودة المجنون الذي اعتاد المرور على قريتنا يوميا ويطارد الأطفال وأثناء النوم تلاحقني الكوابيس التي لا تخلو من مطاردة المجنون لنا في أزقة القرية.
كانوا يفسرون ذلك في القرية أن الرجل الذي يجن يقرأ كتب استحضار (الجن) لم يكونوا يدركون أنهم يدخلون الأطفال في رعب آخر ..(المجانين والجن) دفعة واحدة..في أكثر القرى اختفوا (المجانين) وبقي هاجس الجن يلاحق الصغار.
في المدينة يكثر المجانين وتختفي الجهات الرسمية التي يجب أن تأخذ على عاتقها تجميع المجانين من الشوارع على الأقل من أجل الأطفال الذين يعيشون حياة رعب منهم, وتاليا من أجل المجانين أنفسهم لأن الكثير منهم تعرضوا للموت دهسا بالسيارات لا فرق هنا بين (القطط) التي تدهسها السيارات وبين (المجانين) الذين يعيشون الحياة ذاتها.

قد يعجبك ايضا