إجازة عيد.. خروج من المدينة للريف..

عبدالفتاح حيدرة

 

 

ترتبط الأخلاق في أي مجتمع، وفي كل زمان ارتباطا وثيقا بالوضع الاقتصادي للناس، فكلما تحسن وضع الناس من الناحية المادية، كلما ارتقت مسالكهم ومعاملاتهم وتصرفاتهم الحياتية، والعكس صحيح كلما زاد معدل الفقر، كلما زادت أخلاق السوق انتشارا، وعمت فلسفة الطوابير والتزاحم، وارتفع معدل النفاق والكذب والتدليس، وسادت تعاملات الرشوة والاختلاس، وكثرت التصرفات المهينة والمذلة، إلى غير ذلك من أنواع السلوكيات الساقطة التي تفرضها على الناس الأوضاع الاقتصادية الضاغطة..
صحيح أنه ليس كل فقير ساقط أخلاقيا، ولكن هذا الاستثناء لا يكسر القاعدة التي تربط الفقر بالانحطاط الأخلاقي، فقد يقاوم البعض الضغوط الاقتصادية بوازع ديني قوي وأخلاقي نابع من تربيته ووعيه وقيمه الدينية والاجتماعية، ولكن يبقى هؤلاء استثناء من قاعدة المعادلة، الحالة الوحيدة لكسر هذه القاعدة تتوفر لدى المجتمعات الزراعية، وعندما يقرر المجتمع كله الانتقال إلى ثقافة الريف وثقافة الزراعة وتربية الحيوانات، وهذه الثقافة أصلا هي ثقافة قادمة من وعي وقيم ومشروع الريف، وبالعودة إليها خوفا من السقوط الأخلاقي يتماسك المجتمع ويعول نفسه بنفسه فيحافظ على كرامته وشرفه ومكانته، أما أولئك الذين تعودوا على الراتب الرسمي، وإعانة المنظمات والشركات، والهبات، فإنهم لا يستطيعون المقاومة، فتنهار من حولهم أسوار الوعي والقيم، ويتحولون إلى كائنات ممسوخة، لها شكل الإنسان وأخلاق الحيوان الذي لا يتصرف إلا بالغريزة، فماذا تنتظر من جائع غير المقاتلة ليسد رمقه، والتناحر والمكايدة والكذب والتدليس من أجل أن يبقى على قيد الحياة.. ؟!!
الجوع عندي لا يعني خواء البطون فحسب، ولكنه يعني الجوع بالمعنى الواسع للمفهوم، المعنى الذي يعني جوع العقل وجوع التربية وجوع الأحاسيس وجوع الهوية وجوع الصدق وجوع الشجاعة وجوع التقوى وجوع الإيمان، المعني الذي لا يمتد إلى طلب الرفاهية، ويتطلب الحد الأدنى للحياة الإنسانية البسيطة، وهي في حد ذاتها متعددة ومرهقة، من مأكل ومشرب ومسكن وغاز وكهرباء وعلاج ومواصلات وتعليم … إلخ، فهذه الأساسيات التي لا غنى عنها، وعندما تشكل عبئا على المواطن فإنه يلجأ إلى التحايل والالتفاف من أجل توفيرها، وعندما يرشد استهلاكه إلى الدرجة الدنيا منها، ومع ذلك تبقى المعاناة بوجع قائمة، فليس أمامه سوى التدني السلوكي ومخالفة الضمير والقانون لتوفير حد البقاء الحيواني على قيد الحياة، وكل هذا في ظل عدوان وغزو واحتلال مستعد أن يدفع دم قلبه من أجل أن يوصل كل اليمنيين إلى هذه المرحلة، ليتمكن من الانتصار في حربه الملعونة هذه..
صعب أن يكون الجائع منصفا أو موضوعيا أو يحمل هما دينيا أو وطنيا أو قوميا، أقول صعب وليس مستحيلا، وأكرر أن الاستثناء لا ينفي القاعدة التي تؤكد أن الجوع والنزاهة والفاقة والشرف ضدان متنافران، لا يقبلهما العقل ولا المنطق ولا واقع الحياة، فاللهم إني استودعك بلدي اليمن وأنت الذي لا تضيع ودائعه، فاحفظها يا رب ولا تضيعها، اللهم إنا علمنا أنه مع العسر يسرا ومع الشدة فرج وأنك مبدل الأحوال من حال إلى حال، رب إنك ترانا وتعلم بحالنا فابدل عسرنا يسرا وأبدل شدتنا بالفرج القريب والنصر والتمكين لسادتنا وقادتنا و مجاهدينا الأبطال..

قد يعجبك ايضا