تدوالت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية مقطع فيديو لضابط سعودي كان أسيراً لدى الجيش اليمني منذ سبع سنوات، وتم الإفراج عنه في صفقة التبادل الأخيرة . حديث الأسير السعودي في الفيديو لا يتجاوز الدقيقتين لكنه مكثف ويحمل دلالات ورسائل مختلفة لا تعبر عن شخص الأسير بل تعكس السياسة التي مارسها النظام السعودي في حربه على اليمن ، والتي يبدو أنها مستمرة على نفس النهج العدواني ومتمسكة بنفس الذرائع والتضليل ولم تتخل عن غطرستها الجوفاء .
ومن الواضح أن تصريحات الأسير ونشرها عبر اليوتيوب لم تكن مبادرة شخصية من الأسير ، وهي تأتي ضمن سياسة التضليل التي تمارسها ماكنة الإعلام السعودية الرسمية والتي تسعي دائماً إلى تشويه الحقائق على الأرض واختلاق الذرائع للعدوان والحصار ، وهي من ناحية أخرى محاولة لترميم سُمعة النظام وجيشه الهش الذي تحولت كل معاركه ومواجهاته مع اليمنيين بجيشهم المتواضع التسليح ولجانه الحفاة إلى مواد للسخرية والضحك .
بعد سبع سنوات من هزيمته واقتياده أسيراً ذليلاً، يظهر الضابط السعودي أمام الكاميرا بالبشت والغترة والعقال ، ناسياً «الميري المبلل» الذي كان يرتديه أثناء الأسر ، وقال : أنه لم يكن في الأسر ، وأن يده كانت العليا !!
كلمات أو جمل لم أجد لها تفسيراً ولا معنى سوى أنها تعكس الغطرسة السعودية الجوفاء التي تحاول التغطية على هزائمها وانكسارها حتى بعد أن تُهزم في المعركة ويقتاد ضباطها وجنودها أسرى ويمضون سنوات طوال في الأسر .
ما الذي يقصده الضابط السعودي بقوله أن « يده كانت العليا» طوال فترة الأسر ؟. ليس لدي تفسير سوى أنها إهانة أو إساءة متعمدة لليمنيين الذين هزموه وأسروه . وهي محاولة فاشلة منه لتشويه صورة اليمنيين وانتصاراتهم والتقليل من قدراتهم .
صحيح أن الأسير السعودي اعترف بحسن تعامل اليمنيين معه خلال الأسر وقال : حافظتُ على كرامتي وهم أيضاً عملوا على حفظ كرامتي .!! حتى المحافظة على كرامته تمت بالشراكة معه !.
ومع ذلك ، لم نكن بحاجة إلى شهادة منه أو غيره من الأسرى الغزاة على حسن تعاملنا مع الأسرى ، فهذا مبدأ ثابت في تعامل الجيش واللجان الشعبية اليمنية لا يحتاج إلى شهود من أمثال هذا الأسير الذي كان اعترافه بحسن التعامل معه مجرد عسل حاول من خلاله تسويق الكثير من السموم .
اعترف الأسير السعودي بحقيقة واحدة ، وهي حسن معاملته في الأسر ، لكنه أنكر علينا عروبتنا حين قال : «أتمنى أن يعودوا إلى عروبتهم» !!
أمنية الضابط السعودي ، هي إحدى الذرائع التي ساقها النظام السعودي لتبرير الحرب والحصار على اليمنيين ، فهم لا يحاربون اليمنيين ، بل يحاربون الفرس في اليمن ، يقصفون أصفهان وليس صنعاء ، يحاصرون ميناء بندر عباس وليس الحديدة .
من المؤسف أن تأتي تصريحات الأسير في هذا التوقيت ، بعد أكثر من ثماني سنوات من الحرب ، وبعد جولات من المفاوضات التي أظهر فيها النظام السعودي مواقف عن استعداده لطي صفحة العدوان وتحقيق السلام . كما أنها تأتي بعد اتفاقية التطبيع السعودية الإيرانية .
إعادة تسويق هذه الذريعة في هذا التوقيت هي محاولة لتبرير الحرب العبثية الظالمة والحصار الجائر طوال السنوات الماضية ، واستمرار التمسك بها لا يعكس جدية النظام السعودي في إنهاء العدوان والحصار ، وأن حربه على اليمنيين سوف تستمر « حتى يعودوا إلى عروبتهم » .
أمضى الأسير السعودي سبع سنوات أسيراً لدى اليمنيين ، فهل كانوا يتحدثون معه بالفارسية ، هل سمع منهم ترحيباً بجملة «خوش آمديد» ووداعا بجملة « خُدا حافظ «؟!
ما هي العروبة التي يطالبنا النظام السعودي بالعودة إليها ؟ وهل يمكن التشكيك بعروبة اليمنيين ؟ . لسنا هنا في وارد تأكيد وإثبات عروبتنا . يكفينا فخراً شهادة السيد حسن نصر الله حينما فند الذريعة السعودية عن عروبة اليمنيين في خطاب شهير له يوم 17 أبريل 2015 ، وهو الخطاب الذي وصفه نصرالله لاحقاً بأنه «أعظم شيء قام به في حياته « .
وفي الحقيقة ، مفهوم العروبة في قاموس آل سعود ، هو الولاء للنظام السعودي والخضوع له من قبل الشعوب والمكونات السياسية والأنظمة في المنطقة العربية . ومطالبة اليمنيين بالعودة إلى عروبتهم ، يعني عودتهم إلى الوصاية السعودية ، الوصاية التي فُرضت على النظام « الجمهوري» اليمني طيلة الخمسة عقود الماضية . أُمنية الأسير السعودي ، وهي في الحقيقة أمنية النظام في الرياض بعودة اليمنيين إلى « العروبه بمفهومها السعودي « هو المستحيل بعينه ، وخصوصاً بعد التضحيات التي قدمت خلال الثماني سنوات الماضية . هذه التضحيات لا يمكن اختزالها في صفقة أو اتفاق لصرف المرتبات أو فتح الموانئ والمطارات .. هذه التضحيات العظيمة وهذه المعركة التي يخوضها اليمنيون تهدف إلى تحقيق الاستقلال الحقيقي لليمنيين شعباً ودولة . ويجب أن يعلم إخواننا السعوديون ، أن استقلال اليمنيين بقرارهم وخروجهم من الوصاية السعودية ، لن يضر بالمصالح السعودية ، وأن اليمن الموحد المستقر القوي لن يكون مصدر خطر على إخواننا في السعودية ، ويكفي خلق ثقة متبادلة وإقامة علاقات سليمة بين البلدين لتعزيز مصالح البلدين والشعبين الشقيقين .
Next Post