الشيطانُ عَدُوُّ السَّلَام
افتتاحية الثورة
كان يمكن للوساطة العمانية أن تنجح في تحقيق خطوات إيجابية تؤدي إلى وقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب اليمني، وقد بذل الأشقاء في سلطنة عمان جهوداً كبيرة ومتكررة في سبيل التوصل إلى حلول للملف الإنساني تبدأ برفع الحصار وصرف الرواتب من الثروات الوطنية وفتح الطرقات وإطلاق الأسرى ، وفي سبيل ذلك أيضاً قدمت القيادة في صنعاء كافة التسهيلات لإنجاح هذه الجهود الطيبة ، ووفرت الفرص الكفيلة بإنجاح ذلك بضبط النفس من ناحية ، والتعاطي الإيجابي مع المقترحات والنقاشات من ناحية أخرى ، غير أن تحركات الإدارة الأمريكية التي ما وقفت لحظة لإعاقة ما تسعى إليه سلطنة عمان ، كانت تعمل على ما يفشل كل تلك الجهود ، واليوم باتت تحركات الإدارة الأمريكية تهدد بنسف كل المقاربات المبدئية التي تم التوصل إليها من قبل الأطراف حتى أواخر شهر رمضان المبارك خلال وجود الوفد العماني ووفد السعودية في صنعاء.
نهاية شهر رمضان هرع ليندر كينغ سريعاً إلى الرياض بمجرد ما رأى صور الوفد السعوي والوفد العماني في صنعاء مع الرئيس المشاط والقيادات الوطنية ، حاملاً معه جملة أوراق ضغط على السعودية لمنعها من أي خطوات إيجابية توقف الحرب وترفع الحصار على اليمن وتقود نحو اتفاق سلام برعاية سلطنة عمان التي تبذل جهودا مكثفة في سبيل ذلك.
وما إن انتشرت صور الوفدين العماني والسعودي في القصر الجمهوري بصنعاء مع الرئيس والقيادات الوطنية ، حتى استنفرت الإدارة الأمريكية بكافة مستوياتها لإفشال أي خطوات إيجابية تم التوصل إليها ، وصل ليندر كينغ إلى الرياض ، ليقول للسعودية يجب أن تستمر الحرب وأن يبقى الحصار على اليمن وأن تتوقفوا عن أي خطوات إيجابية ، وفي اليوم نفسه تم استدعاء الوفد السعودي العاصمة صنعاء إلى الرياض استجابة وانقياداً للإدارة الأمريكية.
لم تتوقف الإدارة الأمريكية في مساعيها لإفشال المساعي العمانية الرامية إلى تحقيق السلام ورفع الحصار ، وهي كذلك منذ اليوم الأول عملت على إسقاط أي تحركات أو مبادرات إيجابية تؤدي إلى وقف الحرب ورفع الحصار على اليمن ووضعت نصب أعينها ، استمرار الحرب على اليمن والحصار والتجويع على اليمنيين.
في الملف الإنساني تقف الإدارة الأمريكية حجر عثرة أمام أي خطوات تؤدي إلى حل هذا الملف ، فهي من جانب تعتبر صرف المرتبات ورفع الحصار شروطا غير مقبولة ومستحيلة الحدوث ، ومن جانب آخر تقود إجراءات الحرب الاقتصادية والمعيشية على الشعب اليمني بنفسها وبشكل مباشر.
إن أمريكا التي توعدت السعودية ودول أوبك وهددتها بسبب قرار خفض إنتاج النفط مليوني برميل ، وتستهلك يومياً 20 مليون برميل من النفط الخام ، تمارس الحصار والتجويع على اليمنيين ، وتمنع وصول الوقود والغذاء عنهم ، وتعتبر المطالب برفع الحصار شروطاً مستحيلة وغير مقبولة!
لا أحد يخوّل أمريكا الناهبة تحديد المقبول وغير المقبول لليمنيين ، ولا يمكن لأحد أن يمنحها السلطة في تشريع هذا وتجريم ذاك ، ولا يحق لها أن تعترض على قرار دول أوبك بخفض مليوني برميل من إنتاج النفط من حقول هذه الدول ومنشآتها وثرواتها ، لكنها تفعل كل ذلك بلا حرج ، وتستكثر على اليمنيين وصول بضعة سفن محملة بكميات ضئيلة من الوقود ، لأنها أمريكا الناهبة التي تنظر إلى البشرية كلها كأرقام مجردة من الحقوق الإنسانية والطبيعية ، وتمارس الاستباحة لكل شيء.
أمريكا تعتبر صرف رواتب موظفي الدولة من الثروات النفطية الوطنية شروطاً غير مقبولة كما جاء على لسان مبعوثها ليندر كينغ في مؤتمر صحفي بالرياض قبل أشهر ، والمقبول لديها والمطلوب أيضاً هو أن تستمر عمليات نهب الثروات النفطية واستمرار تدفق الشحنات من النفط اليمني المسروق إلى الأسواق العالمية ، واستمرار تدفق الأموال الطائلة إلى خزائنها من وراء استمرار الحرب العدوانية على اليمن ، على حساب حياة ملايين اليمنيين ومعائشهم ، هي تريد مليارات الدولارات لترفع من دخل مواطنيها ، ليدفع اليمنيون ثمن ذلك باستمرار الحرب والموت جوعاً وحصاراً.
صارت المطالب بصرف رواتب موظفي الدولة من الثروات النفطية الوطنية شروطاً تعجيزية غير مقبولة ، بينما كسب مئات مليارات الدولارات من وراء الحرب العدوانية على أفقر بلد في العالم ، ومحاصرة سكانه وتجويعهم ، صارت أموراً طبيعية وقانونية في شريعة الغاب التي تريد أمريكا أن تحكم العالم بها.
أمريكا الناهبة السارقة لثروات الشعوب ومقدراتها تريد فرض هذه المعادلات على الشعب اليمني وشعوب العالم كله ، أمريكا التي قامت بدفع السعودية ودويلة الإمارات وغيرهما إلى شن الحرب على اليمن ، وقامت بنقل البنك ومارست الحصار والتجويع ، تدفع إلى استمرار الحرب وإدامتها بهدف جلب مليارات الدولارات لخزائنها ، فهل كان على اليمنيين أن يموتوا لتستفيد أمريكا ، هذه المعادلة المختلة التي لا يمكن أن يقبل بها حر في هذا الشعب ، بل وفي العالم كله.
اليوم تدفع الإدارة الأمريكية بالسعودية إلى النكوص عما تم مناقشته والتوافق عليه ، وكما دفعتها سابقاً إلى شن الحرب وتمويلها على اليمن ، وقد كان للانقياد السعودي للإرادة الأمريكية في مسألة شن الحرب نتائجه وما سببه ذلك من مخاطر وأضرار على السعودية نفسها، أما أمريكا فقد جنت مليارات الدولارات من وراء ذلك ، وسيؤدي الانقياد السعودي في استمرار الحرب إلى ما يجب على السعودية أن تحذره من أضرار ومخاطر ستنكبها حتماً وستأتي على ما لا تحسب حسابه لناحية الأضرار التي ستلحق السعودية فلن تكون الحرب إلا أشد مما كانت عليه وبأضعاف مضاعفة ، ولناحية الابتزاز الأمريكي فبالتأكيد ستحتاج السعودية إلى سداد كلف كبيرة ودفع مليارات مضاعفة إلى الأمريكي الذي لن يعفيها من دولار واحد.
اليوم والمفاوضات على مفترق طرق إما أن تنجح الجهود ، أو تنصاع السعودية للرغبات الأمريكية ، نتذكر بأن الحرب شنتها السعودية بقرار أمريكا وبإشرافها ، ونتذكر المذابح التي ارتكبت بالسلاح الأمريكي ، نتذكر مذبحة الصالة الكبرى التي استخدمت فيها أسلحة أمريكية ، ومذبحة حافلة أطفال ضحايا ، وليتذكر من شاء أن يتذكر آلاف المجازر التي ارتكبت بالأسلحة الأمريكية.
هذه أمريكا القبيحة التي يجب أن نعرفها ويجب أن نواجه قبحها ونسقط أكاذيبها ونحذر منها ، هذه أمريكا التي نسميها الشيطان الأكبر ، هذه أمريكا عدو السلام وعدو الشعب اليمني ، أما السلام فسيتحقق في حال قررت السعودية الانعتاق من الهيمنة الأمريكية وأما أمريكا فلا تريد أن يحل السلام على اليمنيين ولا تريد أن تجنب السعودية الخسائر والكُلف الباهظة ، هي تريد أن يستمر تدفق المليارات إلى خزائنها ولو على حساب موت الملايين من اليمنيين..