هل من توبة في شهر التوبة..؟! ( 9 )

طه العامري

 

 

إن واقع الحال الذي يعيشه (المسلمون) في مشارق الأرض ومغاربها لا يدل على أنهم فعلا مسلمون ومتمسكون بقيم وأخلاقيات الدين الإسلامي وبسنة رسوله الخاتم، لأن الله سبحانه وتعالى أكد مرارا في كل كتبه ورسالته السماوية إنه لن يخذل من أمن به واتبع النور الذي انزله، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، ولكن المسلمين هم من حادوا عن طريق الحق والعدل طريق الصراط المستقيم، هم من نسوا الله فأنساهم أنفسهم، وهم من ظلموا أنفسهم حين اخضعوا الدين وتشريعاته وقيمه وأخلاقيات رسوله لمصالحهم الذاتية والمذهبية والطائفية، وهم من فرقوا (دينهم) من أجل ( دنياهم)..؟!
ما يجري اليوم للمسلمين لا يدل على أنهم كذلك أي انهم _مسلمون _فما بالكم بالإيمان والتقوى والإحسان وهي مراتب إيمانية، ومن الصعب الحديث عنها أو تلمس حضورها في واقع إسلامي ليس فيه من الإسلام سوى اسمه أما قيمه ومعانيه فلا وجود لها في علاقة المسلمين وتعاملاتهم وسلوكياتهم..!
ويتضح كل هذا من الحياة اليومية التي يعيشها المسلم _الفرد _مرورا بالمجتمع الإسلامي، وصولا لممارسات _الحاكمية الإسلامية _التي تتعامل مع الدين كمصدر للتشريعات التي تكفل لها ديمومة التسلط، وديمومة النفوذ على المجتمعات وتطويعها لتكون في خدمتها وتحت سيطرتها وخاضعة لقوانينها..!!
(حاكميات) تزعم أنها تحكم بشريعة الله وبسنة رسوله المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله، ولكنها ابعد ما تكون عن دين الله وعن سنة رسوله المصطفى، بدليل أن مظاهر القهر والاستبداد تكاد تكون هي الطاغية في المجتمعات الإسلامية، التي تخاصم بعضها وتقتل بعضها ويفتك فيها القوى بالضعيف، ويتنمر فيها الغني على الفقير، ويزدري فيها المتعلم الأمي، والمثقف الجاهل، ويغيب فيها التكافل والتراحم والتكامل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الأفراد ببعضهم، أو بعلاقة المجتمعات الإسلامية ببعضها، أو علاقة (الدول والحاكميات) ببعضها.. هذا التمزق والتشرذم وكل مظاهر القهر والتخلف والاستبداد التي تعتمل داخل المجتمعات الإسلامية لا علاقة لها بالدين ولا بالله وتعاليمه، ولا بالنبي الخاتم وأخلاقياته، ولكنها حصيلة اجتهادات فردية وتفسيرات خاطئة كرسها (فقها السلاطين) الذين تعاقبوا على حكم الأمة/ وكانوا سببا في تمزيقها وزرع قيم العصبية ومظاهر القهر والتخلف في أوساط المجتمعات الإسلامية..
والمؤسف أن المناسبات الدينية بكل مسمياتها لم تحرك أنسجة التأمل في العقلية الإسلامية وعلى مختلف المستويات والمجالات والمناحي، ورغم بشاعة الأحداث التي عاشها المسلمون خلال القرون والعقود الماضية إلا أن العقل الإسلامي لم يفكر يوما بالتحرر من ادران الماضي وترسباته، بل وبرغم التحولات والتطورات الزمنية ظل العقل الإسلامي يجر كل مآسي الماضي ويسقطه على الحاضر ويتسلح به في مواجهة المستقبل وتحدياته..؟!
ومع ثورة التحولات والتطور التي حققها العقل البشري، بكل اختراعاته وتقنياته، التي استفاد منها المسلمون واستغلوها، ولكن في تجذير التخلف وترسيخ ثقافة الهيمنة والاستلاب، وجعلوا منها سلاحا لتكريس معتقداتهم وثقافتهم التي تفرق ولا توحد وتمزق ولا تنسج خيوط التآلف والمحبة، ليس على مستوى الدول والحاكميات بل على مستوى العلاقات الفردية والاجتماعية داخل المجتمع الواحد الذي تم إخضاعه لتوصيفات (مذهبية) ما أنزل الله بها من سلطان.
وإذا ما برزت حركة أو جماعة أو تيار في هذا المجتمع أو ذاك، قامت المجتمعات بدوره في إحداث تغيير يعيد الاعتبار للقيم الإسلامية والشريعة الربانية وقيم المحبة والتسامح، سرعان ما نتفاجأ بأن هذه المسميات ليست إلا امتداد، لأسلافها وان عقد الماضي وترسباته تواصل فرض حضورها على الذاكرة الجمعية الإسلامية وهذا ما جعلنا للأسف ليس أضحوكة أمام العالم، والآخر الحضاري، بل صرنا أضحوكة أمام أنفسنا حين نواصل التمسك بثقافة الزمن الغابر بكل ما تحمل من مفردات التخلف، ونتمسك بالوقوف على قاعدة الجهالة التي وضع مداميكها أسلافنا وفقا لمقاساتهم وبما يلبي مصالحهم الدنيوية، ثقافة توارثناها كابرا عن كابر دون أن نعطي أنفسنا مساحة تأمل وتفكير تدفعنا للتأمل في كتاب الله وما فيه من قيم وتشريعات ونواميس إن أخذنا بها لكنا سادة العالم، وليس (عبيدا) لشهواتنا الدنيوية.
يتبع…

قد يعجبك ايضا